مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تحكيم القوانين الوضعية من أعظم أسباب ذهاب الأمن

تحكيم القوانين الوضعية من أعظم أسباب ذهاب الأمن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن مما يقترن بحرب من يسمونهم ب( الخوارج )في هذا العصر كثرة الكلام عن الأمن والوطن

ولا بد من إصلاح بعض المفاهيم المغلوطة أو توسيع المفهوم الضيق عند الناس

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان بعض الناس يظن أن القوة والصرعة بإمضاء الغضب أصلح هذا المفهوم وبين أنه معكوس فقال ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) فهذا درس في الحلم

ولما كان بعض الناس يظن أن الكرم كرم النسب فقط أخبرهم بأن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فأخبرهم عن رجل لا يلتقون معه إلا في إبراهيم كبقية الاسرائيليين

ولما كان بعض الناس يظن أن العفو ضعف وذل قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وما ازداد عبد بعفو إلا عزا) فهذا درس في العفو

ولما كان بعض الناس يظن في الصدقة إنقاصاً للمال وتعرضاً للفقر قال صلى الله عليه وسلم ( ما نقص مال من صدقة )

وقد كان يوسع المفاهيم الضيقة عند بعض الناس ويضرب لهم الأمثال ، فوسع عندهم مفهوم المفلس ليشمل من يعطي حسناته للناس عن طريق أذيتهم ، ووسع عندهم مفهوم الرقوب ليشمل من لم يقدم ولداً في سبيل الله وهكذا في أمثلة كثيرة جداً

وما أريد التنبيه عليه اليوم ضيق مفهوم الأمن ، وضيق مفهوم معوقات أو مضيعات الأمن

ليعلم أن منهج الخوارج ليس هو وحده ما يهدد أمن البلاد ، بل إن هناك أموراً أعظم فتكاً بالمجتمع من منهج الخوارج أو توازيه بالفتك

ومن أعظم ذلك الحكم بالديمقراطية أو مطلق القوانين الوضعية

فإنها من أعظم أسباب ذهاب الأمن

جاء في الخبر عند ابن ماجه (وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)

وهذا الخبر يحسنه بعض الناس ولعل ضعفه الأقرب وتشهد له قواعد الشريعة العامة

والعملية الديمقراطية في طبيعتها تعزز الفرقة فإنها تعني الصراع الدائم على السلطة ووجود معارضة تفضح ولا تنصح وتشمت ولا تصلح لكي يكون لها الغلبة في الانتخابات القادمة

وتبنى على أحزاب متضاربة ، فمجرد الحكم بغير ما أنزل الله يسبب الفرقة فكيف إذا كان بمثل الديمقراطية

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن ظهور رأي الجهمية كان سبباً لزوال دولة بني أمية ، وظهور الرازي وابن عربي كان سبباً لتسلط التتر على الأمة

وقد قال الله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

ومفهوم المخالفة من هذه الآية أن هذه الأمور إن لم تتحقق فإن العدو سيسلط عليهم ولن يمكن لهم في الأرض

وكفر العلمانية والليبرالية عظيم وقد انتشرا في البلدان انتشاراً كبيراً حتى أنك لا تفرق بين الإسلاميين _ زعموا _ والعلمانيين

وأعظم الأمن الأمن من غضب الله عز وجل

وإذا كنا نعظم من ينكر صفات الله ولسان حالنا يقول

ليس من شرط العالم ولا الإمام ولا الفاضل ولا حتى المسلم أن تكون عقيدته عقيدة الصحابة والتابعين في صفات الله ولا أن يعرف أين ربه ؟

فهل نحن بهذه الحال طبقنا ( إن تنصروا الله ينصركم )؟

قد قال السلف في مقالات الجهمية وأقبحها إنكار علو الله عز وجل أنها أخبث من مقالات اليهود والنصارى وأنهم يستطيعون حكاية مقالات اليهود والنصارى ولا يستطيعون حكاية عقائدالقوم

فإذا سادت عقائد الجهمية في الزيتونة والأزهر وغيرها من المعاهد مع عبادة غير الله عز وجل فلا غرو أن تكون لهم الرفعة علينا

خصوصاً بأن كثيرين ممن من الله عليه بالعقيدة الصحيحة لا يقوم بحقوق الولاء والبراء ويميع الخلاف مع القوم تمييعاً عظيماً

بل العجيب أنهم يبدعون من كان على عقيدة الصحابة والتابعين في الصفات والقدر وبقية الأبواب العقيدة من أجل شخص انحرف في باب الصفات وأبواب أخرى

وهذه قمة الاستهانة بالعقيدة ، لو تفكر أحدهم بسوء مذهبه وما يترتب عليه من الإزراء على الصحابة والتابعين بل على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إذ لا كبير قيمة للإيمان بما جاء به  لمقت نفسه 

وقد صنف بعضهم كتاباً أسماه ( الإعلام بحرمة أهل العلم في الإسلام ) ولو أسماه ( الإعلام بحرمة الواقعين في الضلالات العقدية الكبرى في الإسلام ) أو ( الإعلام بحرمة الجهمية في الإسلام ) أو ( الإعلام بحرمة منكري العلو ومن لا يدري أن ربه في الإسلام ) أو ( الإعلام بحرمة المرجئة أصحاب الحيل الذي جرحهم السلف في الإسلام ) لكان عنواناً مطابقاً 

وقال أبو موسى الأشعري :"  إنَّ مِنْ إجْلاَلِ اللهِ إكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلُ الْقُرْآنِ غَيْرُ الْغَالِي فِيهِ وَلاَ الْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامُ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"

فحامل القرآن الذي يستحق التوقير هو الذي لم يقع في الابتداع مطلق الابتداع فكيف من وقع في بدع مكفرة ودعا إليها

وقد قال إبراهيم النخعي في المرجئة لهم أخوف عندي من عدتهم من الأزارقة

وقد قال قتادة ويحيى بن أبي كثير :" ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء"

وأقرهما الأوزاعي

فهذا النخعي كوفي ويحيى يمامي وقتادة بصري والأوزاعي شامي كلهم اتفقوا على ذم المرجئة أكثر من الخوارج فكيف إذا علمت أن المرجئة التي ذموها هي المرجئة غير الغالية التي تقوم بأن الفاسق مؤمن إيماناً كاملاً مع كونه تحت المشيئة في الآخرة

فكيف لو رأوا المرجئة التي ترفض تكفير الجهمية والرافضة ؟

بل ووصل الأمر إلى القاديانية والبهائية ، بل والنصيرية ؟

ولو رأوا المرجيء الذي يقول ( إيمان إبليس وإيمان أبي بكر واحد ) ومن ينافح عنه ويؤذي الموحدينمن أجله

وإرجاء الأشاعرة أشر باتفاق من الإرجاء الذي ذمه هؤلاء وهو الفاشي اليوم في كثير من البلدان والله المستعان

والخلاصة أن الأمن الدنيوي يختل بأحد أمرين

إما اقتتال أبناء البلد الواحد وقد دل خبر ابن ماجه على أن التجهم والقبورية والديمقراطية من أسباب ذلك

وإما تسلط العدو الخارجي وقد دلت آية النور بدلالة مفهوم المخالفة  على عدم الإيمان الصحيح وعدم وجود العمل الصالح ( ولا يكون صالحاً إلا بالاتباع وترك الابتداع ) وعدم التوحيد سبب لذلك ، فوجود الديمقراطية أو التجهم أو القبورية من أسباب تسلط العدو الخارجي ولا شك

وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا ضَرَبَهُمْ اللَّهُ بِالذُّلِّ" رواه ابن هشام في سيرته بسند حسن

والجهاد على شقين جهاد الكفار وجهاد المنافقين كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

ومن أبى إدخال الجهمية والقبورية في مسمى الكفار وخالف السلف فلا شك أنهم عنده كهف المنافقين في هذه الأمة

وأعظم الذل تسلط العدو

وأما الأمن الأخروي

فقد قال الله تعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)

فأما الجهمي فلم يؤمن أصلاً فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في الجارية التي قالت ( في السماء ) إنها مؤمنة فلم يعتقد اعتقادها فليس بمؤمن ، وأما القبوري فقد وقع في الشرك الذي هو الظلم بنص النبي صلى الله عليه وسلم

هذه إيقاظة يسيرة مختصرة لكي يفهم الأمر على وجهه فقد رأيت تخليطاً عظيماً وكلاماً على الأمن بفهوم ضيق جداً ، وهذا المفهوم أدى إلى التحالف مع سفلة الإعلاميين ودعاة الديمقراطية والتهاون في شأن دعاة الشر والبدع بدعوى المحافظة على أمن البلد

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي