الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد قرأت مقالاً قصيراً لكاتب اسمه تركي
البنعلي ، نقل فيه كلام بعض أهل العلم في أن
آية السيف نسخت ما سواها مستدلاً بذلك على أن حال الاستضعاف الذي كان في العهد
المكي منسوخ ولما كان منسوخاً فلا يجوز القياس عليه
فأقول وبالله التوفيق معلقاً على هذا
الخطل :
هذا الكاتب أتي من جهله بمصطلح النسخ عند
كثير من أهل العلم خصوصاً المتقدمين منهم فإن الناسخ والمنسوخ عندهم يدخل فيه
العام والخاص والمطلق والمقيد
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/
273) :" وَالْمَنْسُوخُ يَدْخُلُ فِيهِ فِي اصْطِلَاحِ السَّلَفِ - الْعَامِّ
- كُلُّ ظَاهِرٍ تُرِكَ ظَاهِرُهُ لِمُعَارِضِ رَاجِحٍ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ
وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّ هَذَا مُتَشَابِهٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ
مَعْنَيَيْنِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُجْمَلُ فَإِنَّهُ مُتَشَابِهٌ وَإِحْكَامُهُ
رَفْعُ مَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ بِمُرَادِ
وَكَذَلِكَ مَا رُفِعَ حُكْمُهُ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ جَمِيعِهِ نَسْخًا لِمَا
يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ ؛ وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ :
هَلْ عَرَفْت النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ ؟ فَإِذَا عُرِفَ النَّاسِخُ عُرِفَ
الْمُحْكَمُ . وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : الْمُحْكَمُ وَالْمَنْسُوخُ
كَمَا يُقَالُ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ "
إذا فهمت هذا علمت أن معنى ( نسختها آية
السيف ) يعني خصصتها ففي حال القوة يعمل بنصوص القتال وفي حال الضعف يحمل بالعفو
والصفح
وقد استدل المعترض بكلام ابن تيمية في
الجواب الصحيح حيث قال :" فإن قال آية السيف التي نسخت المجادلة هي آية الأذن"
وقد ترك من كلام الشيخ ما ينقض بنيانه من
القواعد
حيث ترك قوله في الجواب الصحيح :" وكان
مأمورا بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك ثم لما هاجر إلى المدينة وصار
له بها أعوان أذن له في الجهاد ثم لما قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال
من سالمهم لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار.
فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش ملوك
العرب ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من
كان له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود المطلقة فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال"
ومعلوم أن الحكم الشرعي يدور مع علته
وجوداً وعدماً إلا عند أجلاف الظاهرية فمن كان حاله كحال النبي صلى الله عليه وسلم
والمسلمين بمكة جاز له الترخص برخص الاستضعاف وواجباته ، ولا يمنع من ذلك عاقل
قال الكيا هراسي في أحكام القرآن (1/162)
:" ولا نعلم خلافاً أن الكفار أو قطاع الطرق إذا قصدوا بلداً وكان لا طاقة
لأهلها بهم فلهم أن يتنحوا من بين أيديهم فراراً وإن كانت الآجال مقدرة "
والقدرة في جهاد الطلب آكد
قال ابن قدامة في المغني (21/120) :"
( 7590 ) فَصْلٌ : وَمَعْنَى الْهُدْنَةِ ، أَنْ يَعْقِدَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ
عَقْدًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً ، بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ .
وَتُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً
وَمُعَاهَدَةً ، وَذَلِكَ جَائِزٌ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { بَرَاءَةٌ
مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَإِنْ
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } .
وَرَوَى مَرْوَانُ ، وَمِسْوَرُ بْنُ
مَخْرَمَةَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ ،
سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو بِالْحُدَيْبِيَةِ ، عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ
سِنِينَ } .
وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ
بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ ، فَيُهَادِنُهُمْ حَتَّى يَقْوَى الْمُسْلِمُونَ .
وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا لِلنَّظَرِ
لِلْمُسْلِمِينَ ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِمْ ضَعْفٌ عَنْ قِتَالِهِمْ ، وَإِمَّا
أَنْ يَطْمَعَ فِي إسْلَامِهِمْ بِهُدْنَتِهِمْ ، أَوْ فِي أَدَائِهِمْ
الْجِزْيَةَ ، وَالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الْمَصَالِحِ "
ومن الفقهاء من أطلق تخصيص آية القتال
لآية الصلح وما ادعى نسخاً ، على أنه لا فرق بين القولين على التحقيق
وفي صحيح مسلم :" فَبَيْنَمَا هُوَ
كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى : إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا
لِي ، لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ
وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ "
وهذا أصل في ترك القتال عند انعدام
التكافؤ
والمراد أنه لا طائل من بحث ذلك الشخص لأن
الحالة المكية قد يقال فيها أنها حالة اضطرار ، والاضطرار قد يمس أي مسلم فإذا
أراد خصم مخالفه فلا بد من إثبات وجود القدرة التي تخرجنا من حيز العهد المكي
وتجعلنا في حيز العهد المدني في أي مرحلة من مراحله
على أن أهم ذلك الإعداد إعداد الناس من
جهة العقيدة وهذا يضعف فيه هؤلاء الناس جداً ولذا الخلاف بينهم كثير ، بل إنك تجد
مسحة الهوى طافحة فيما يكتبون وأصل التسليم وهو يدعون للحاكمية مفقود إذا خالف
أهواءهم
فمن ذلك كتابة نشرها هذا المردود عليه
لشخص لقب نفسه ب( الأثري ) يرد فيها على فوزي البحريني والذي وصفه بالقادياني !
في هذه الرسالة عجائب من الجهل فمن ذلك
احتجاجه على تصنيف فوزي في طاعة ولاة
الأمر بالمعروف بما روى الإمام أحمد في مسنده 22786 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سُلَيْمٍ، عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ،
عَنْ أَبِيهِ عُبَيْدٍ عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَلِي أُمُورَكُمْ مِنْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُونَكُمْ
مَا تُنْكِرُونَ، وَيُنَكِّرُونَكُمْ مَا تَعْرِفُونَ، فَلَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى
اللَّهَ فَلَا تَعْتَلُّوا بِرَبِّكُمْ»
وبغض النظر عن بحث الحديث إسنادياً فهو
ليس على ما فهم هذا الجاهل فإنه لو كان على إطلاقه لسقطت طاعة كل ولي أمر ولو كان
يأتي الصغائر لأنه يشمله اسم معصية الله فلا بد من حمل الخبر على عدم الطاعة في
عين الأمر المنهي عنه بمعنى لو أمرك الإمام بشرب الخمر فلا تشرب ومع ذلك لا تخرج
عليه كما تواترت بذلك الأخبار
قال البخاري في صحيحه 7055 - حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ
بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً
عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا
بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ
وقال مسلم في صحيحه 4799- [42-...] حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَمِّي
عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنِي
بُكَيْرٌ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ،
قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقُلْنَا : حَدِّثْنَا
أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ
عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا
وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ
نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ : إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا
عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.
والأثرة الظلم وهذه معصية
وقال مسلم في صحيحه 4833- [66-...] حَدَّثَنَا
دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ، يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، أَخْبَرَنِي مَوْلَى
بَنِي فَزَارَةَ ، وَهُوَ رُزَيْقُ بْنُ حَيَّانَ ، أَنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمَ بْنَ
قَرَظَةَ ، ابْنَ عَمِّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ
عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ
تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ
عَلَيْكُمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ
وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ، قَالُوا : قُلْنَا : يَا
رَسُولَ اللهِ ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لاَ ، مَا
أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ ، لاَ ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ ، أَلاَ
مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ،
فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ
طَاعَةٍ.
قَالَ ابْنُ جَابِرٍ : فَقُلْتُ : يَعْنِي
لِرُزَيْقٍ ، حِينَ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ : آللَّهِ ، يَا أَبَا
الْمِقْدَامِ ، لَحَدَّثَكَ بِهَذَا ، أَوْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ مُسْلِمِ بْنِ
قَرَظَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَوْفًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ
الْقِبْلَةَ ، فَقَالَ : إِي وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ،
لَسَمِعْتُهُ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ
مَالِكٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فاعجب ممن يترك الواضحات ويستدل بالمتشابه
ومن ذلك استدلاله بما قال النووي في شرحه
على مسلم :" قَالَ الْقَاضِي : فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير
لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة ، وَسَقَطَتْ طَاعَته ،
وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ"
وترك بقية كلام عياض وفيه :" ،
وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام
عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ
وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر ، وَلَا يَجِب فِي الْمُبْتَدِع
إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَة عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْز لَمْ
يَجِب الْقِيَام ، وَلْيُهَاجِرْ الْمُسْلِم عَنْ أَرْضه إِلَى غَيْرهَا ،
وَيَفِرّ بِدِينِهِ ، قَالَ : وَلَا تَنْعَقِد لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء ، فَلَوْ طَرَأَ
عَلَى الْخَلِيفَة فِسْق قَالَ بَعْضهمْ : يَجِب خَلْعه إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّب
عَلَيْهِ فِتْنَة وَحَرْب ، وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء
وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ : لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم
وَتَعْطِيل الْحُقُوق ، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ ،
بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ قَالَ
الْقَاضِي : وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع ،
وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضهمْ هَذَا بِقِيَامِ الْحَسَن وَابْن الزُّبَيْر
وَأَهْل الْمَدِينَة عَلَى بَنِي أُمَيَّة ، وَبِقِيَامِ جَمَاعَة عَظْمِيَّة مِنْ
التَّابِعِينَ وَالصَّدْر الْأَوَّل عَلَى الْحَجَّاج مَعَ اِبْن الْأَشْعَث ،
وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِل قَوْله : أَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله فِي
أَئِمَّة الْعَدْل ، وَحُجَّة الْجُمْهُور أَنَّ قِيَامهمْ عَلَى الْحَجَّاج
لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْق ، بَلْ لَمَّا غَيَّرَ مِنْ الشَّرْع وَظَاهَرَ مِنْ
الْكُفْر ، قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا الْخِلَاف كَانَ أَوَّلًا
ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاع عَلَى مَنْع الْخُرُوج عَلَيْهِمْ . وَاَللَّه أَعْلَم"
أقول : وما قاله عياض في المبتدع باطل
يخالف صريح الحديث ( إلا أن تروا كفراً بواحاً ) والبدعة ليست كفراً بواحاً وقد
خالف في ذلك هو إجماع السلف الذي نقله غير واحد كالإمام أحمد وابن بطة والآجري
وغيرهم
وهذا من جنس تخليطهم في مسائل الصفات
والقدر والإيمان
واستدل هذا الخارجي بما نقل ابن الوزير في
العواصم (8/77) :" ورأيت لبعض من نَصَبَ (4) نفسه للإمامة والكلام في الدين،
فُصولاً ذكر فيها الإجماع، فأتى فيها بكلامٍ لو سكت عنه (5)، لكان أسلم له في
أُخراه (6)، بل لعل الخرس كان أسلم له، وهو ابن مجاهد البصري (7) المتكلِّم
الطائي، لا المقريء، فإنه ذكر فيما ادعى فيه الإجماع: أنهم أجمعوا على أنه لا
يُخْرَجُ على أئمة الجَوْرِ، فاستعظمتُ ذلك، ولعمري إنه لعظيمٌ أن يكون قد عَلِمَ
أن مخالف الإجماع كافرٌ، فيُلقي هذا إلى الناس، وقد علم أن أفاضل الصحابة وبقية
السلف يوم الحرة خرجوا على يزيد بن معاوية، وأن ابن الزبير ومن تابعه من خيار
الناس خرجوا عليه، وأن الحسين بن علي ومن تابعه من خيار المسلمين خرجوا عليه أيضاً
رضي الله عن الخارجين عليه، ولعن قتلتهم، وأن الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا
على الحجاج بسيوفهم. أترى هؤلاء كفروا؟ بل والله من كَفَّرهم، فهو أحق بالكفر
منهم، ولعمري لو كان اختلافاً -، لعذرناه، ولكنه مشهورٌ يعرفه أكثر من في الأسواق،
والمخدرات في خُدورِهِنَّ لاشتهاره، ولكن يحق على المرء أن يَخْطِمَ كلامه
ويزُمَّه إلاَّ بعد تحقيق ومَيْزٍ، ويعلم أن الله تعالى بالمرصاد"
وابن حزم وابن الوزير خارجيان وكلام ابن
حزم هذا تتويج لجهله وسفهه وفجوره وحماقته وهواه
فإنه لم يخرج أحد من الصحابة مع أهل الحرة
بل الثابت في الصحيح أن ابن عمر أنكر عليهم
قال البخاري في صحيحه 4024 - وَعَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ لَوْ
كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى
لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ الْأُولَى يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ
فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ
الثَّانِيَةُ يَعْنِي الْحَرَّةَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ
أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ
وقال مسلم في صحيحه 4821- [58-1851] حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
عَاصِمٌ ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ،
عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ
مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ : اطْرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً ، فَقَالَ
: إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ
طَاعَةٍ ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ
وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
4822- [...] وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الأَشَجِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ أَتَى ابْنَ مُطِيعٍ ،
فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
4823- [...] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ (ح) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ جَبَلَةَ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ ، قَالاَ جَمِيعًا : حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ
نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
فأين دعوى ابن حزم الحمقاء ؟
وأما ابن الأشعث فليته ما ذكر الحسن
البصري فإنه أشهر من أنكر عليهم الخروج ولكن ابن حزم يهرف بما لا يعرف ، والحجاج
كفروه وقد ندم أهل الحرة وأهل الجماجم ندماً عظيماً فهل مثل هؤلاء يحتج في مقابل
النصوص وما أكثر ما كان ابن حزم يخرق الإجماعات مدعياً أنه يتمسك بالنصوص
وأما ابن الزبير فخرجوا عليه ولم يخرج على
أحد لذا سمى ابن عمر والحجاج ومن معه الفئة الباغية
وأما الحسين فلم يكن تحت سلطان يزيد ولا
بايعه ودعاه أهل العراق ليولوه فلم غدروا به طلب من عبيد الله بن زياد أن يمكنه من
يزيد ليبايعه
ودعك من هذا كله سواءً ثبت إجماع أم لم
يثبت ، النصوص في هذا الباب بينة واضحة
قال الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه :"
وهو موافق للأحاديث، وذاك مخالف، ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون
الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية وترك السنة"
ومن أعجب ما رأيت تأويل ابن حزم لحديث ( وإن
ضرب ظهرك وأخذ مالك ) بأنه ضرب الظهر بالحق وأخذ المال بالحق
ولو كان بالحق لما احتاج من أخذ ماله
للتصبير بل بابه التقريع إن لم يرض بحكم الله ورسوله بل إن حق المال يؤمر الرجل
بأدائه ابتداءً لا أن ينتظر الحاكم حتى يأخذه عنوة ثم يصبر
وعلى تأويل ابن حزم يكون الحديث ( اسمع
وأطع وإن حكم فيه بكتاب الله ) وهذا تركيب غريب لا يناسب البلاغة فإنما يقال ( افعل
كذا وإن كذا وكذا ) إذا كان الأمر المفترض مما يسبق إلى الذهن أنه مانع من الفعل
كقولك ( صل رحمك وإن قطعوك ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( اسمعو وأطيعوا وإن تأمر
عليكم عبد حبشي )
فليس من عادة الناس تأمير العبد الحبشي ،
وأما أخذ السلطان أموال الزكوات وجلد المستحقين فهذا أمر بديهي في تلك الأيام وليس
مانعاً من الطاعة باتفاق
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على
الأثرة والمستأثرون لا يكونون أئمة عدل أبداً
قال الخلال في السنة 54- أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدٌ , قَالَ : أَنْبَأَ وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الأَعْلَى , عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ , قَالَ : قَالَ لِي عُمَرُ : يَا
أَبَا أُمَيَّةَ , إِنِّي لاَ أَدْرِي , لَعَلِّي لاَ أَلْقَاكَ بَعْدَ عَامِي
هَذَا , فَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعْ لَهُ
وَأَطِعْ , وَإِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ , وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ , وَإِنْ
أَرَادَ أَمْرًا يُنْقِصُ دِينَكَ , فَقُلْ : سَمْعًا وَطَاعَةً , دَمِي دُونَ
دِينِي , وَلاَ تُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ.
وهذا الأثر عن عمر يجعل تأويل ابن حزم
رماداً
والأمر بالصبر على أخذ من جنس الأمر
بالصبر على الأثرة
وقال الإمام مسلم في صحيحه 4810- [49-1846]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلَ سَلَمَةُ
بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ
يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرَضَ
عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ ،
أَوْ فِي الثَّالِثَةِ ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، وَقَالَ : اسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا
حُمِّلْتُمْ.
4811- [50-...] وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا شَبَابةُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكٍ
، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَقَالَ : فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ
قَيْسٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.
وهذا يبطل احتجاج ابن حزم بحديث ( من رأى
منكم منكراً ) على الخروج كاستدلال الخوارج مثلاً بمثل
قال الصنعاني في سبل السلام (5/464 ) :
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاَلَّذِي
عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إذَا
أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ
مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ
لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ
الْقِيَامِ عَلَيْهِ .اهـ
وهذا كلام أهل العلم لا أجلاف الظاهرية
فاعجب من هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون
إقامة دولة الإسلام كيف أنهم يتقفرون ضلالات الخوارج والجهمية ويتنكبون عن سبيل
السلف والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم