مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الجامع لنصوص ابن تيمية في إسقاط أعذار المشركين والضالين

الجامع لنصوص ابن تيمية في إسقاط أعذار المشركين والضالين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال العلامة الكبير أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية _ رحمه الله _ في درء تعارض العقل والنقل وهو من أواخر تصانيفه صنفه بعد رجوعه من مصر (8/491) :"  ثم قال { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } سورة الاعراف 173 ذكر لهم حجتين يدفعهما هذا الاشهاد
 إحداهما { أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته وذلك يتضمن حجة الله في ابطال التعطيل وان القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل
 والثاني { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم } فهذا حجة لدفع الشرك كما أن الأول حجة لدفع التعطيل فالتعطيل مثل كفر فرعون ونحوه والشرك مثل شرك المشركين من جميع الأمم
 وقوله { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } وهم آباؤنا المشركون وتعاقبنا بذنوب غيرنا وذلك لأنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذى الرجل حذو ابيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ولهذا كان ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية ولم يكن في فطرتهم وعقولهم ما يناقض ذلك قالوا نحن معذورون وآباؤنا هم الذين اشركوا ونحن كنا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم
 فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم فإذا احتجوا بالعادة الطبيعة من اتباع الاباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذه العادة الابوية
 كما قال صلى الله عليه وسلم
 كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فكانت الفطرة الموجبة للاسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول فانه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا
 وهذا لا يناقض قوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } سورة الاسراء 15 فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن أن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن اقرارهم بأن الله ربهم ومعرفتهم بذلك وان هذه المعرفة والشهادة أمر لازم لكل بني آدم به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة اني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لابي المشرك دونى لانه عارف بان الله ربه لا شريك له فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الاشراك بل قام به ما يستحق به العذاب
ثم أن الله بكمال رحمته واحسانه لا يعذب أحدا بعد ارسال رسول اليهم وان كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث اليهم رسول فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعقاب والرب تعالى مع هذا لم يكن معذبا لهم حتى يبعث اليهم رسولا"

فتأمل قوله (فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الاشراك بل قام به ما يستحق به العذاب) وقارنه مع ينسبه البعض لهذا الشيخ من أنه يعذر المشركين في الحكم الأخروي مطلقاً والشيخ لم يقل إلا يما يقتضيه قوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )

وقد نص على أن المرء يستحق العقوبة بأحد أمرين

بلوغ الحجة

والتمكن منها مع الإعراض

قال في رفع الملام ص69:" أن هذا العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا "

وقال شيخ الإسلام في بيان الدليل ص275 :" ولا تعبأ بما يفرض من المسائل ويدعي الصحة فيها بمجرد التهويل أو بدعوى أن لا خلاف في ذلك وقائل ذلك لا يعلم أحداً قال فيها بالصحة فضلاً عن نفي الخلاف فيها وليس الحكم فيها من الجليات التي لا يعذر المخالف فيها"

فصرح بأن الجليات لا يعذر المخالف فيها وهذا من أنفس نصوصه في المسألة

و قال الشيخ كما في مجموع الفتاوى (20/280) :" فَإِنَّ الْعُذْرَ الْحَاصِلَ بِالِاعْتِقَادِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَقَاءَهُ بَلْ الْمَطْلُوبُ زَوَالُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَوْلَا هَذَا لَمَا وَجَبَ بَيَانُ الْعِلْمِ وَلَكَانَ تَرْكُ النَّاسِ عَلَى جَهْلِهِمْ خَيْرًا لَهُمْ وَلَكَانَ تَرْكُ دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَبِهَةِ خَيْرًا مِنْ بَيَانِهَا. الثَّالِثُ: أَنَّ بَيَانَ الْحُكْمِ وَالْوَعِيدِ سَبَبٌ لِثَبَاتِ الْمُجْتَنِبِ عَلَى اجْتِنَابِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَانْتَشَرَ الْعَمَلُ بِهَا. الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ إزَالَتِهِ وَإِلَّا فَمَتَى أَمْكَنَ الْإِنْسَانُ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ فَقَصَّرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا"

وقال الشيخ في الرد على المنطقيين ص99 :"ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعا من قيام حجة الله تعالى عليهم وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة إذ المكنة حاصلة"

ولا تغفل عن تكفير ابن تيمية للنصيرية والاسماعيلية والرافضة الغلاة وتكفيره للرازي رأساً بعد تصنيفه كتاباً في السحر

وقد نص ابن تيمية أن ليس كل تأويل يعذر فيه المرء بل نص أن من التأويلات ما لا يقبل بحال

قال في شرح العمدة (4/51) :" فأما الناشىء بديار الإسلام ممن يعلم أنه قد بلغته هذه الأحكام فلا يقبل قوله أي لم اعلم ذلك و يكون ممن جحد وجوبها بعد إن بلغه العلم في ذلك فيكون كافرا كفرا ينقل عن الملة سواء صلاها مع ذلك أو لم يصلها و سواء اعتقدها مستحبة أو لم يعتقد و سواء رآها واجبة على بعض الناس دون بعضا أو لا وسواء تأول في ذلك أو لم يتأول لأنه كذب الله و رسوله و كفر بما ثبت إن محمدا صلى الله عليه و سلم بعث به و لهذا اجمع رأي عمر و الصحابة في إن الذين شربوا الخمر مستحلين لها انهم إن اقروا بالتحريم خلوا و إن أصروا على الاستحلال قتلوا و قالوا و كذلك من تأول تأويلا يخالف به جماهير المسلمين"

وصرح ابن تيمية أن الصحابة كفروا مانعي الزكاة مع تأولهم لأن شبهتهم ليست سائغة

قال شيخ الإسلام :" وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْخَمْسَ وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ. وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ سَائِغَةٌ فَلِهَذَا كَانُوا مُرْتَدِّينَ وَهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى مَنْعِهَا وَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ"

فملخص هذه يبطل دعوى من ادعى أن ابن تيمية يسمي المشرك مشركاً في الدنيا ويعذره في الآخرة مطلقاً إن لم تقم عليه الحجة ، ويبطل دعوى أن من ادعى أنه لا يحكم بكفر أحد مطلقاً إلا بعد قيام الحجة

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/54) :" وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطىء ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدا بعث بها وكفر مخالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل أمره بالصلوات الخمس وإيجابه لها وتعظيم شأنها ومثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك"

فخص المسائل الخفية دون الجلية بمسألة قيام الحجة وعلى هذا النص عول الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناؤه في تحرير مذهب الشيخ وقد نص ابن القيم في طريق الهجرتين أن الإسلام حقيقة من لم يتصف بها كان كافراً معانداً أو جاهلاً فأين دعوى أن أتباع ابن تيمية لا يطلقون الكفر على المشرك إلا بعد قيام الحجة وإن كانوا يسمونه مشركاً !

وقال ابن تيمية في الفرقان ص18 :" والمقصود هنا أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر ومن يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقا وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم إما عنادا أو جهلا كما أن كثيرا من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله وأن محمدا رسول الله لكن يقولون : إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب وإنه لا يجب علينا اتباعه لأنه أرسل إلينا رسلا قبله فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون }"

فصرح بتكفير الجاهل

وقال في الرد على الأخنائي ص22 :" فلا يتصور أن يقصد مجرد القبر إلا من يكون جاهلا بهذا أو بهذا أو بهذا وإن كان عالما بذلك كله ومع هذا ليس قصده إلا السفر الى القبر كما يسافر إلى قبر من يعظمه من الصالحين وغيرهم والسفر إلى المسجد ليس له عنده حرمة ولا يعتقد فضيلته ولا يقصد السفر إليه مع علمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في ذلك وبين فضل مسجده فهذا لا يكون إلا كافرا بالرسول ومثل هذا يقع من المشركين الذين يرون قصد القبور المعظمة أولى من قصد المساجد والحج اليها أفضل من الحج إلى مكة ودعاء الخلق أفضل من دعاء الخالق والدعاء عندها أفضل من الدعاء في المساجد والمشاعر ومنهم من يجعل استقبالها في الصلاة أولى من استقبال الكعبة ويقول هذه قبلة الخاصة والكعبة قبلة العامة ومعلوم أن هذا من الكفر بالرسول وبما جاء به الرسول ومن الشرك برب العالمين لا يفعل هذا من يعلم أن الرسل جاء بخلافه وأن الرسول جاء بالحق الذي لا يسوغ خلافه بل إنما يفعل هذا من كان جاهلا بسنة الرسول أو من يجعل له طريقا إلى الله غير متابعة الرسول مثل من يجعل الرسول مبعوثا إلى العامة وأنه أو شيخه من الخاصة الذين لا يحتاجون إلى متابعة الرسول أو أن لهم طريقا أفضل من طريقة الرسول ونحو ذلك وهؤلاء كلهم كفار وان عظموا قبر الرسول كما يعظمون قبور شيوخهم"

فصرح بتسمية المشركين عباد القبور كفاراً وبأعيانهم

وقال في اقتضاء الصراط المستقيم :" كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين قد يتقربون إلى الكواكب، بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان.
حكم ذبائح الجن المزعومة
ومن هذا الباب ما قد يفعله الجاهلون بمكة -شرفها الله- وغيرها من الذبح للجن"

فسماهم مرتدين مع كونهم جهال عنده

وقال الشيخ كما في مجموع الفتاوى (3/422) :" فمن اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتا أو طلب منه الرزق والنصر والهداية وتوكل عليه أو سجد له فإنه يستئاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه
 ومن فضل أحدا من المشائخ على النبي صلى الله عليه و سلم أو اعتقد أن أحدا يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه
 وكذلك من اعتقد أن أحدا من أولياء الله يكون مع محمد كما كان الخضر مع موسى عليه السلام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه لأن الخضر لم يكن من أمة موسى عليه السلام ولا كان يجب عليه طاعته بل قال له إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وكان مبعوثا إلى بني إسرائيل كما قال نبينا وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ومحمد مبعوث إلى جميع الثقلين إنسهم وجنهم فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله"

وقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يستدل بهذا النص على أن ابن تيمية يكفر مثل هذا بعينه إذ أن الاستتابة من أحكام الأعيان كما أنها لا تكون إلا بعد الحكم بالكفر

وهذا كنصه في الوصية الصغرى :" وَجَعَلَ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِلَهِيَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : كُلُّ رِزْقٍ لَا يَرْزُقُنِيهِ الشَّيْخُ فُلَانٌ مَا أُرِيدُهُ أَوْ يَقُولَ إذَا ذَبَحَ شَاةً : بِاسْمِ سَيِّدِي ، أَوْ يَعْبُدُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَدْعُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : يَا سَيِّدِي فُلَانُ اغْفِرْ لِي أَوْ ارْحَمْنِي أَوْ اُنْصُرْنِي أَوْ اُرْزُقْنِي أَوْ أَغِثْنِي أَوْ أَجِرْنِي أَوْ تَوَكَّلْت عَلَيْك أَوْ أَنْتَ حَسْبِي ؛ أَوْ أَنَا فِي حَسْبِك ؛ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ؛ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ هَذَا شِرْكٌ وَضَلَالٌ يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَجْعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ "

وقد حمل الشيخ ابن سحمان وأبو بطين كلام ابن تيمية الذي استدل به ابن جرجيس وعلوي الحداد على المسائل الخفية لأن نصوصه السابقة واضحة في الدلالة على المقصود ، ولو فرضنا أنه تكلم بالغلط في المسألة فقد جلاها وتكلم بالحق في عامة تقريراته والمتأخر منها

وقد نقل ابن تيمية في الصارم المسلول على جهة الإقرار قول ابن سحنون: "أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر"

فلم يكتف بتكفيره حتى شهد عليه بالعذاب الأخروي وجعل المنكر لذلك كالمنكر لكفره

بل لما قال ابن تيمية في غلاة الرافضة في الصارم :" بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين"

علق الشيخ أبو بطين بأن الشاك جاهل ومع ذلك لم يعذره الشيخ هنا بجهله 

وقال الشيخ كما في مجموع الفتاوى (13/207) :"  فاذا أعرض عن الأصل كان أهل العربية بمنزلة شعراء الجاهلية أصحاب المعلقات السبع ونحوهم من حطب النار "

فوصف شعراء المعلقات الذين هم من أهل الفترة عند عامة الناس بأنهم حطب النار ، مما يدل على أنه لا يعذر مثلهم لتمكنهم من الحنيفية واشتهار شركهم وكان الواجب استثناء لبيد بن ربيعة الذي أسلم وصار صحابياً جليلاً، وعامة المشركين اليوم حالهم أسوأ من حال أصحاب المعلقات بل يظهر في شعر أصحاب المعلقات من إثبات الخالق والقدر والصفات ما لا يوجد في كثير من المنتسبين للإسلام 

وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى  (20/38) :" فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ: جَاهِلِيَّةً وَجَاهِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ وَأَمَّا التَّعْذِيبُ فَلَا"

وهذا من أصرح كلامه رحمه الله في أن اسم المشرك يثبت قبل قيام الحجة 

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (1/351) :"  وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ. وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ: - إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ فَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي. وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ. وَالْمُسْتَغِيثُ بِالْمَخْلُوقَاتِ قَدْ يَقْضِي الشَّيْطَانُ حَاجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا وَقَدْ يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي صُورَةِ الَّذِي اسْتَغَاثَ بِهِ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ كَرَامَةٌ لِمَنْ اسْتَغَاثَ بِهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ دَخَلَهُ وَأَغْوَاهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الشَّيْطَانُ فِي الْأَصْنَامِ وَفِي الْمَصْرُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا وَاقِعٌ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِهِ وَأَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ فِي قَوْمٍ اسْتَغَاثُوا بِي أَوْ بِغَيْرِي وَذَكَرُوا أَنَّهُ أَتَى شَخْصٌ عَلَى صُورَتِي أَوْ صُورَةِ غَيْرِي وَقَضَى حَوَائِجَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَرَكَةِ الِاسْتِغَاثَةِ بِي أَوْ بِغَيْرِي وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَضَلَّهُمْ وَأَغْوَاهُمْ وَهَذَا هُوَ أَصْلُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَاِتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ الْمُشْرِكِينَ"

فجمع بين وصفهم بالجهل ووصفهم بالشرك 

وقال في بغية المرتاد :"  وإنما القصد هنا التنبيه على أن عامة هذه التأويلات مقطوع ببطلانه وأن الذي يتأوله أو يسوغ تأويله فقد يقع بالخطأ في نظيره أو فيه بل قد يكفر من يتأوله ونحن قد بسطنا الكلام في هذه الأبواب في غير هذا الموضع وإنما الغرض في هذا الجواب التنبيه على مخالفة أقوال هؤلاء المتفلسفة لدين الإسلام وأن أقوالهم هذه التي أدخلها من أدخلها من المتكلمة والمتصوفة في دين الإسلام ليست موافقة لأقوال الرسل بل نقطع بمخالفتها وأنا أنبه على نكت فيما ذكره"

فهنا صرح أن بعض التأويلات تصير كفراً فليس كل تأويل يدرأ الكفر وهذا أصل في المسائل الظاهرة أن التأويل فيها لا ينفع كما قال ابن تيمية في مانعي الزكاة أن تأويلهم لم يكن سائغاً 

وقال ابن تيمية أيضاً كما في مجموع الفتاوى  (27/269) :" وَأَمَّا قَبْرُ غَيْرِهِ فَالْمُسَافِرُونَ إلَيْهِ كُلُّهُمْ جُهَّالٌ ضَالُّونَ مُشْرِكُونَ وَيَصِيرُونَ عِنْدَ نَفْسِ الْقَبْرِ؛ وَلَا أَحَدَ هُنَاكَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ"

فصرح بأنهم مشركون مع وصفه لهم بالجهل وهذا تكفير لمعينين مشاهدين 

وقال في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة :" وأعظم من ذلك أن يقول: اغفر لي وتب عليَّ، كما يفعله طائفة من الجهال المشركين. وأعظم من ذلك أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة إليه أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام"

فوصفهم بالمشركين مع مع اعترافه بجهلهم 

وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (7/326) :" وَالْجَهْلُ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ كُفْرٌ قَبْلَ الْخَبَرِ وَبَعْدَ الْخَبَرِ" فصرح باجتماع الجهل والكفر 

ولا شك أنه يقصد الجهل بتوحيده 

وجاء في مجموع الفتاوى (11/401) :" سُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَنْ قَوْمٍ دَاوَمُوا عَلَى " الرِّيَاضَةِ " مَرَّةً فَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ تجوهروا فَقَالُوا: لَا نُبَالِي الْآنَ مَا عَمِلْنَا وَإِنَّمَا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي رُسُومُ الْعَوَامِّ وَلَوْ تجوهروا لَسَقَطَتْ عَنْهُمْ وَحَاصِلُ النُّبُوَّةِ يَرْجِعُ إلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا ضَبْطُ الْعَوَامِّ وَلَسْنَا نَحْنُ مِنْ الْعَوَامِّ فَنَدْخُلُ فِي حِجْرِ التَّكْلِيفِ لِأَنَّا قَدْ تجوهرنا وَعَرَفْنَا الْحِكْمَةَ. فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ؟ أَمْ يُبَدَّعُ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ. وَهَلْ يَصِيرُ ذَلِكَ عَمَّنْ فِي قَلْبِهِ خُضُوعٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ .
فَأَجَابَ:
لَا رَيْبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَأَغْلَظِهِ. وَهُوَ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَإِنَّ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرَ بِبَعْضِ. وَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا كَمَا ذُكِرَ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّ لِلَّهِ أَمْرًا وَنَهْيًا وَوَعْدًا وَوَعِيدًا وَأَنَّ ذَلِكَ مُتَنَاوِلٌ لَهُمْ إلَى حِينِ الْمَوْتِ. هَذَا إنْ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْيَهُودِيَّةِ والنصرانية الْمُبَدَّلَةِ الْمَنْسُوخَةِ. وَأَمَّا إنْ كَانُوا مِنْ مُنَافِقِي أَهْلِ مِلَّتِهِمْ - كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى مُتَكَلِّمِهِمْ وَمُتَفَلْسِفِهِمْ - كَانُوا شَرًّا مِنْ مُنَافِقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ كَانُوا مُظْهِرِينَ لِلْكُفْرِ وَمُبْطِنِينَ لِلنِّفَاقِ فَهُمْ شَرٌّ مِمَّنْ يُظْهِرُ إيمَانًا وَيُبْطِنُ نِفَاقًا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِجُمْلَةِ مَنْسُوخَةٍ فِيهَا تَبْدِيلٌ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ سُقُوطَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ خَارِجُونَ فِي هَذِهِ الْحَالِ عَنْ جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ"


فكفر هؤلاء بأعيانهم ولم يشترط إقامة حجة 

وقال أيضاً كما في الفتاوى :"  . وَإِنَّمَا يَصِيرُ الرَّجُلُ مُسْلِمًا حَنِيفًا مُوَحِّدًا إذَا شَهِدَ: أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فَعَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْرِكُ مَعَهُ أَحَدًا فِي تَأَلُّهِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ وَعُبُودِيَّتِهِ وَإِنَابَتِهِ إلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ لَهُ وَدُعَائِهِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَمُوَالَاتِهِ فِيهِ؛ وَمُعَادَاتِهِ فِيهِ؛ وَمَحَبَّتِهِ مَا يُحِبُّ؛ وَبُغْضِهِ مَا يُبْغِضُ وَيَفْنَى بِحَقِّ التَّوْحِيدِ عَنْ بَاطِلِ الشِّرْكِ"

فحصر المسلم بهذا يخرج عباد القبور 

وقال أيضاً كما في الفتاوى :"  والكفر بعد قيام الحجة موجب للعذاب، وقبل ذلك ينقص النعمة ولا يزيد"

فأثبت الكفر قبل قيام الحجة 

وقال رحمه الله: "فلا ينجون من عذاب الله، إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصاً له الدين، ومن لم يشرك به ولم يعبده، فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره، كفرعون وأمثاله، فهو أسوأ حالاً من المشرك، فلا بد من عبادة الله وحده، وهذا واجب على كل أحد، فلا يسقط عن أحد البتة، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله ديناً غيره، ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولاً، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه. فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان، فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب الله بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً، فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه، كالصغير، والمجنون، والميت، في الفترة المحضة، فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار  اهـ.

وكل ما نرى اليوم من آثار التوحيد في العالم هو من فضل الله عز وجل على الأمة بما يسره من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، التي هي امتداد لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وقد أنقذ الله عز وجل بهذين الرجلين فئاماً من الناس من الشرك والتعطيل وما ينبغي أن تؤخذ مذاهب الرجلين من دعاوي بعض الناس عليهما بل مما قرراه وكتباه

وبعض الناس لو سكت عن الكلام فيما لا يحسن لكان خيراً له ، فمن غرائب القول أن يقال بأن المشرك تطلق على من أشرك ظاهراً والكافر لا تطلق إلا على من كفر ظاهراً وباطناً

وليست هذه دعوة للتقليد ولكنها دعوة للإنصاف فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، والجاهل عليه أن يسكت ويدعو لأهل التوحيد بالتوفيق
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي