الأحد، 26 يناير 2014

هل صح عن الإمام الشافعي أنه قال ( قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب )؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

مما اشتهر بين الناس أن الإمام الشافعي كان يقول :"قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " وقد بحثت كثيراً عن هذه العبارة فلم أجدها مسندةً إلى الشافعي ولعل الإخوة يمدونا بما عندهم من العلم


غير أن المهم هنا أن يعلم أن هذه العبارة إن صحت لا ينبغي أن تقتطع من سير الإمام الشافعي وغيره من الأئمة الذين ثبت عنهم الإنكار في مسائل الفقه فضلاً عن مسائل الاعتقاد


قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 7) :" قال الشافعي قدس الله تعالى روحه أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعه لقول أحد من الناس "



قال العلامة عبد اللطيف آل الشيخ في كتابه النفيس: [إتمام المنة والنعمة في ذم اختلاف الأمة
ص 56_ 57]: [ثم اعلم أن المحققين منعوا من قول: لا إنكار في مسائل الإجتهاد].
وأوردوا عن الصحابة فمن بعدهم، من الأئمة وعلماء الأمة، من الإنكار في مسائل الإجتهاد
ما لا يمكن حصره.
قال شيخ الإسلام، أبو العباس - رحمه الله -: قولهم: مسائل الإجتهاد لا إنكار فيها , ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم، أو العمل.
أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنةً أو إجماعاً قديماً، وجب إنكاره وفاقاً.
وإن لم يكن كذلك، فإنه ينكر. بمعنى: بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد , وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل إذا كان خلاف سنةٍ أو إجماع، وجب إنكاره أيضاً: بحسب درجات الإنكار، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف السنة.


وأما إذا لم يكن في المسألة سنةٌ ولا إجماع، وللإجتهاد فيها مساغ , فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً. انتهى [الفتاوى (19/ 122)]


وقال في الفروع: وفي كلام الإمام أحمد وبعض الأصحاب ما يدل على أنه إن ضعف الخلاف أنكر فيها، وإلا فلا وللشافعية أيضاً خلاف، ولهم وجهان في الإنكار على من كشف عن فخذيه.
وقال ابن هبيرة في قول حذيفة، وقد رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده: ما صليت، ولو مت على هذا مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم،:- فيه أن إنكار المنكر في مثل هذا، يغلظ له لفظ الإنكار. " انتهى كلام الشيخ عبد الطيف رحمه الله تعالى.


أقول: وعدم وجوب الطمأنينة في الصلاة مذهبٌ لجماعة من أهل الرأي والمتأخرون يرفعون شأنهم ، ومع ذلك فالإنكار على من فعل ذلك مشروع اقتداءً بحذيفة - رضي الله عنه -.


وقال ابن تيمية كما في [الفتاوى الكبرى 2/ 367]:" فقد نقل ابن حزم في المحلي عن عطاء بن أبي رباح: أنه لا يجوز الصلاة في مسجد إلا على الأرض، ولما قدم عبد الرحمن بن مهدي من العراق، وفرش في المسجد , أمر مالك بن أنس بحبسه تعزيرًا له، حتى روجع في ذلك.
فذكر أن فعل هذا في مثل هذا المسجد بدعة يؤدب صاحبها.
وعلى الناس الإنكار على من يفعل ذلك، والمنع منه، لاسيما ولاة الأمر الذين لهم هنالك ولاية على المسجد، فإنه يتعين عليهم رفع هذه السجاجيد، ولو عوقب أصحابه بالصدقة بها، لكان هذا مما يسوغ في الاجتهاد". انتهى



أقول: فانظر كيف أفتى مالك بسجن ابن مهدي في هذه المسألة، والطريف أن عبد الرحمن بن مهدي مترجمٌ في طبقات المالكية وإن كانت هذه دعوى غير مسلمة أيضاً فقد زعم الشافعية أن شافعي لأنه سأل الشافعي تصنيف الرسالة، وترجموا له في طبقات الحنابلة على أنه من شيوخ أحمد الذين رووا عنه، وقد يكون على مذهب سفيان في الفقه لأنه كان لصيقاً به.


وقال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام كما في [المنتقى لابن المقريء ص 885]: " أخبرنا محمد بن موسى حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول قيل لابن أبي ذئب مالك بن أنس يقول ليس البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فقال يستتاب مالك فإن تاب وإلا ضربت عنقه " اهـ
وقال أيضاً: " [886] أخبرنا الحسن بن يحيى أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا عبد الله بن محمد سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول كان ابن أبي ذئب رجلا صالحا قوالا بالحق ".اهـ
أقول: وهذا وإن لم يوافق عليه ابن أبي ذئب إلى أنه يدل على أن الإنكار عندهم في هذه المسائل منتشر معروف.


قال شيخ الإسلام في [ الاستقامة ص59 ] :" إن قال قائل مسائل الاجتهاد والخلاف في الفقه كثيرة جدا في هذه الأبواب , قيل له مسائل القطع والنص والإجماع بقدر تلك أضعافا "


وهذا والفقهيات مضرب مثلٍ في الخلاف


وقد ثبت عن الصحابة الإنكار في المسائل الفقهية التي ثبت فيها النص عندهم


وقال مالك في الموطأ 783 - عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله انه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر انه مر به قوم محرمون بالربذة فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسا أحلت يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك فقال بم أفتيتهم قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال عمر لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك.


أقول : أوردته هنا لأن فيه الإنكار على من أفتى مخالفاً للسنة



قال عبد الرزاق في المصنف 14032 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ حَسَنًا، وَعَبْدَ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: وَبَلَغَهُ أَنَّهُ يُرَخِّصُ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ»


فيه الإنكار بشدة على من خالف السنة ، وإن كان فاضلاً ، وفيه الرد على من يقول ( لا إنكار في مسائل الخلاف )


وقال أبو الشيخ في جزء ما روى أبو الزبير عن غير جابر
14 - حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا عتيق بن يعقوب ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، قال : سمعت أبا أسيد ، وابن عباس يفتي : « الدينار بالدينارين » فأغلظ له أبو أسيد فقال ابن عباس : « ما كنت أظن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا يا أبا أسيد » فقال أبو أسيد : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، وصاع حنطة بصاع حنطة ، وصاع شعير بصاع شعير ، وصاع ملح بصاع ملح ، لا فضل بين ذلك » فقال له ابن عباس : « هذا الذي كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه بشيء »


وقال عبد الرزاق في المصنف 3226 - عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: إِنَّ عُبَيْدَةَ لَآخِذٌ بِيَدِي إِذْ سَمِعَ صَوْتَ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَمَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ عُبَيْدَةُ: «مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ نَعَّارٌ بِالْبِدَعِ»


عبيدة السلماني تابعي مخضرم ، وهذا فيه إنكار البدع العملية


واستقصاء هذا يطول ، والمراد هنا بيان أن السلف كانوا ينكرون في المسائل الخلافية ، إذا صح عندهم النص ولم يعتبروا خلاف من خالف كائناً من كان ، والاحتجاج بالخلاف بعد ورود النص عندهم جهل


قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص19:"الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم