الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فمن كرامة العبد المؤمن عند الله عز وجل أن يحفظه في ذريته في الدنيا ،
ويكرمهم لأجله في الآخرة
قال الله تعالى : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ
فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ
رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
)
قال الطبري في تفسيره (18/19) : حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو
أسامة، عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسره، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس، في قوله(
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) قال: حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاح.
قال ابن أبي شيبة في المصنف 35374- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ
، عَنِ الْعَلاَءِ ، عَنْ خَيْثَمَة ، قَالَ : قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ : طُوبَى لِوَلَدِ الْمُؤْمِنِ ، طُوبَى لَهُ يُحْفَظُونَ مِنْ بَعْدِهِ
، وَقَرَأَ خَيْثَمَةُ : {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.
وهذا إسناد صحيح إلى خيثمة وهو تابعي جليل
وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
قال الطبري في تفسيره (21/ 466) : حدثني يونس، قال: أخبرنا يحيى بن حسان،
عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ
أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) قال: لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا
تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله.
ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند السفر ( اللهم أنت الصاحب
في السفر والخليفة في الأهل )
وقال ابن المبارك في الزهد 331 - أخبرنا محمد بن سوقة ، عن محمد بن المنكدر
قال : « إن الله ليصلح بصلاح العبد ولده ، وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ، والدويرات
التي حوله ما دام فيهم »
وهذا إسناد صحيح إلى ابن المنكدر التابعي الجليل
وقال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ
مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )
قال الطبري في تفسيره (22/ 467) : حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن،
قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، في هذه الآية:(والَّذين
آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ) فقال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن
ذريته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ الله بهم عينه.
وهذا إسناد صحيح
وقد يكرم الوالد بشفاعة ابنه كما ورد في الخبر أنه يبلغ في الجنة منزلة
لا يبلغها عمله بدعاء ولده له ، وكما ورد في شفاعة الأفراط
قال مسلم في صحيحه 6792- [152-2633] حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ
فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
، قَالَ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ ، فَاجْعَلْ لَنَا
مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ ،
قَالَ : اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ
قَالَ : مَا مِنْكُنَّ مِنِ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا ، مِنْ وَلَدِهَا
ثَلاَثَةً ، إِلاَّ كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : وَاثْنَيْنِ
، وَاثْنَيْنِ ، وَاثْنَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: وَاثْنَيْنِ ، وَاثْنَيْنِ ، وَاثْنَيْنِ.
و قال ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق 214 - حدثنا خلف بن هشام ، نا حماد
بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : « إن العبد ليرفع بدعاء ولده من
بعده »
وقد ورد في الحديث الثابت أن هذا يحصل لمن فقد ولداً واحداً أيضاً
قال النسائي في سننه 2087 - أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ
أَبِي الزَّرْقَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَيْسَرَةَ
قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ
ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي
رَأَيْتَهُ هَلَكَ فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ
عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ
أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا
إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ
لَكَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا
لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ فَذَاكَ لَكَ
فهذا بشره بالفضل ولم يفقد إلا واحداً
واليوم قد طاشت أحلام الكثير من الناس وطلبوا الحرام ، من أجل إطعام الذرية
وما علموا أنهم ما يحفظون ذريتهم بشيء أحسن من الصلاح وطيب المطعم وإن قل فكل جسد نبت
من سحت فالنار أولى به ، فبئس ما اخترت لذريتك أن أطعمتهم ناراً !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم