مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بماذا يذكرك هذا الكلام؟

بماذا يذكرك هذا الكلام؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
قال عبد الله القصيمي في كتابه « الثورة الوهابية » المطبوع ضمن رسائله ما قبل الإلحاد ص 314:
" قام في العالم كله ثورات نجحت أو كادت ، نقلت أوضاع الحكم والسلطة من يد إلى يد أخرى ومن وضع إلى وضع آخر ، من ملكية إلى جمهورية ، ومن جمهورية إلى ملكية ، ومن ملكية إلى دكتاتورية ...إلخ
 ولكن هذه الثورات كلها لم تكن منها واحدة مثل هذه الثورة التي سنكتب عنها لا في الوسيلة ولا في الغاية ولا في الثمرة.
إن هذه الثورات كلها قائمة على الظلم والفساد والتمرد وعلى الفوضى الثائرة ، لم يكن ثورة واحدة منها قائمة لأجل الفضيلة أو الأدب الحر أو المعاني الإنسانية السامية ، ولم يكن أحد من القائمين بهذه الثورات يريد بها العدل والإصلاح وهداية الضالين إلى سبيل الصواب
 أو يريد بها تخفيف ويلات الإنسانية ، ولم كذلك أحد منهم ألهب نار الثورة نصرة لضعيف أضيع حقه ، أو لحق طورد وعذب أو لأدب حر امتهن ، بل كان غرض هذه الثورات أجمع في أنفس موقديها ينحصر في مصلحة شخصية خاصة لا تتجاوز نفس صاحبها وابن بجدتها
زعيم ينقم من زعيم آخر أو يحسده على سلطة نالتها يده ، فينهض مشعلاً جحيم الثورة ، على نده وخصمه حسداً وبغياً ، أو صعاليك تهبط على أنفسهم معاني التمرد والعصيان والتوحش فيفزعون إلى الثورة فيكسون الأرض دماءً وأشلاءً ، لا لمعنى يزيد عن أن واحداً أو أكثر غضب لنفسه لمنفعة خاصة في الغالب مادية اقتصادية ، وليس في هذه الثورات ثورة واحدة اندلعت وكان المقيم لها شيئاً انسانياً كغضب لفضيلة أو عزة أو دين أو شيء آخر من معاني الإنسان الكامل.
هذه مثلاً ثورة فرنسا الشهيرة التي كان شعارها الحرية والإخاء والمساواة ، والتي قام لها العالم وقعد ، والتي يقدس الناس فرنسا من أجلها إلى اليوم ويسمونها أم الحرية ، ونصيرة الضعفاء والعدالة والمساواة.
هذه الثورة الفرنسية التي يراها الغالون اللبنة الأولى في أساس الديمقراطية المشهودة اليوم في الأرض
كانت قائمة ولا محاباة على الظلم والتوحش والفتك بالأبرياء وقتل الأطفال الذين لم يكن لهم من الذنوب سوى أن كانوا يمتون إلى نبيل من النبلاء بصلة نسب أو قرابة
 كان يقتل يومياً في باريس بسكين المقصلة عشرات الألوف أشنع القتلات بأيدي الثوار المنادين بالحرية والمساواة والإخاء !
 وكان أولئك الثوار نصراء الحرية الإخاء والمساواة يلهون بمشاهدة الرؤوس تطاح من فوق الأعناق في ميادين باريس وطرقها صبراً
 وكانوا يجدون في ذلك فرجة وملهاة وسلوة وكانوا يقهقهون ويغردون عند رؤية هذه المناظر الدامية المزعجة ، كانت ثورة هوجاء ، ثورة دامية وحشية همجية ليس فيها معنى من معاني الإنسانية
 استمرت هذه الثورة مدة طويلة تجز تحت سكين المقصلة في اليوم الواحد عشرات الألوف من أشراف فرنسا المعرقة في الحضارة والنضوج الإنساني
 وكان سبب هذه الثورة المدمرة هو الواقع انتقاماً بحتاً من الأشراف والنبلاء ، ولم يكن السبب غرضاً إنسانياً ألبتة ،
 ولم يكن الحامل عليها الفضيلة أو الإخاء أو الحرية أو المساواة كما يدعون ، ولكنه الحقد بعينه
 ثم ماذا كانت نتيجة هذه الثورة المزعومة ثورة الإخاء والحرية والمساواة ؟!
 وماذا جنى طلاب الحرية والمساواة والإخاء من وراء فرنسا الثائرة ؟!
 إن سوريا ومراكش والجزائر وغير هذه البلاد من مغتصبات فرنسا تعرف جواب هذه الأسئلة !!
 تجاوب عن هذه الأسئلة بأن هذا كله زور في زور ، وفجور في فجور ، وصفاقة في صفاقة".

أقول : القصيمي أدبر عن الحق وهلك غير أن في كلامه هذا الذي كتبه قبل الإلحاد حقاً وفيراً
 وقد استخدم مصطلحات أصلها ماسوني أجنبية عن الشرع مثل ( الإنسانية ) والذي يبدو أنه كان يكلم القوم بلسانهم، ولما قرأت هذا الكلام للقصيمي ، أثار شجوني وذكرني بأمور كثيرة رأيتها اليوم ، وأترك الجواب للقاريء (بماذا يذكرك هذا الكلام ؟!).

اليوم قد كفر أهل الديمقراطية بديمقراطيتهم وصاروا يقولون الشعوب الجاهلة لا ينفع معها الانتخابات لما هزموا المرة تلك الأخرى في الانتخابات
 وهذا نقض لأصل الديمقراطية القائمة على المساواة بين الناس بغض النظر عن دينهم فضلاً عن مستواهم العلمي والثقافي
 وكفر الغلاة في الحاكمية بحاكميتهم وأقروا بأنه للوصول للحكم الشرعي إلا عن طريق الديمقراطية فلسان حالهم (قد أنزل الله إلينا شريعة ولكن لم يعلمنا كيف نصل إلى تحكيمها)، وأقروا بلسان الحال بأن الشريعة لا تصلح الآن والوقت الآن وقت الديمقراطية
فوافقوا العلمانيين بأن الشريعة لا تصلح اليوم والفرق بينهم أنهم حصروا عدم الصلاحية في زمن معين، والعلمانيون أطلقوا غير أنهم ما جعلوا لهذه الفترة الزمنية أمداً فاتفق القولان!

وخادعوا بخدعة (التدرج في تحكيم الشريعة) وقد كانت الحاكمية بالأمس (توحيداً مستقلاً) وهل في التوحيد تدرج؟
النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى أقوام يعبدون الأصنام وتلبسوا بالكثير من الرذائل ففي ثلاث وعشرين عاماً انتهى تنزيل الشريعة الكاملة
 وأنتم لا أظن أنكم ستأخذون في الدعوة إلى التوحيد ثلاثة عشر عاماً ففي القول في حرية المعتقد مندوحة لكم عن هذا الأمر كله، فبقي عشر سنين ، ولن تدعوا المسلمين إلى الصلاة والزكاة والصيام والحج
 فالمسلمون يعرفون هذا جيداً.

وأما الجهاد فعلى ما رسم القرضاوي والزحيلي جهادنا اليوم دبلوماسي!
 وهذا راجع للاجتهاد فأنتم أعلم بأمور دنياكم! وعامة المسلمين يقرون بحرمة شرب الخمر والزنا والقتل وغيرها من الفواحش، في المعاملات الشخصية الناس من غير شيء على أحكام الشريعة، فماذا بقي من الشريعة الإسلامية غير الحدود ومنع المنكرات؟

فهذه على أقصى تحديد تحتاج ثلاث سنوات فقط ، إذا كنا ندعو كفاراً أصليين وأما إذا كنا ندعو مسلمين صوتوا بـ(الأغلبية) للإسلاميين تشوفاً للإسلام فالأمر يحتاج إلى أقل من ذلك بكثير
 إذا صدقت العزيمة!
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي