مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: قاعدة في باب البدعة الفعل المشروع إذا أدى إلى اعتقاد بدعي عند العامة ترك

قاعدة في باب البدعة الفعل المشروع إذا أدى إلى اعتقاد بدعي عند العامة ترك



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال أبو شامة في الباعث ص79 : ( وجرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك إلى خروج الإمام ، وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة ، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقهة منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها ، كما يصلون السنة قبل الظهر ، ويصرِّحون في نيتهم بأنها سنة الجمعة )

وقال الشاطبي في الاعتصام (2/31) :" وبالجملة : فكل عمل أصله ثابت شرعًا ، إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يُخاف أن يعتقد أنه سنة ؛ فتركه مطلوب في الجملة من باب سد الذرائع "

وهذا التنبه له واجب ، ومثال هذا مسألة ما يسمى ب( صلاة التهجد ) في العشر الأواخر فبعض الناس يبحث المسألة بظاهرية عجيبة وكأنك تنكر جواز تأخير الصلاة وبعضهم يقحم التعقيب في المسألة

وليس الأمر من هذا كله

فليس تأخير الصلاة في أول الشهر أو آخره منكراً

وإنما الشأن في كونك تخصص العشر الأواخر بصلاة تخصها باسم مستقل وصفة ووقت ، حتى أن كثيراً من العامة يعتقدون أن الصلاة في أول عشرين يوماً أفضل أول الليل ، وفي العشرة الأواخر آخر الليل لمداومة الناس على هذا الفعل الذي لم يعرفه المسلمون في القرون الثلاثة الفاضلة وما والاها من القرون

فالمشكلة في هذا الاعتقاد الذي تم زرعه في عقول العامة ولو بدون قصد ، حتى إن بعضهم ليظن أنه إن لم يصل الصلاة التي في آخر الليل لا يدرك ليلة القدر ، وبعضهم يظن أنه لو صلى أول الليل وما صلى تلك التي في آخر الليل لا يسمى قائماً

ولا بد من التفريق بين الفعل العارض والفعل الراتب

فإن إباحة التأخير أو التعقيب لا تعني إباحة تخصيص أيام محددة بهذا الفعل بشكل راتب

وقد سئل الإمام أحمد : تكره أن يجتمع القوم ، يدعون الله ويرفعون أيديهم ؟ قال : ( ما أكرهه للإخوان ؛ إذا لم يجتمعوا على عمد ، إلا أن يكثروا )

ففرق بين الفعل العارض والفعل الراتب المتكرر على جهة التعمد

والفقهاء على قولين لا ثالث لهما

الأول : أن الصلاة أول الليل أفضل

الثاني : أن الصلاة آخر الليل أفضل

بدون تمييز بين أول الشهر وآخره ، والتخصيص دليل اعتقاد فلا يداوم شخص على فعل معين ويحرص عليه ثم يقول ( أنا لا أعتقد أفضيلته ) فلو كنت كذلك فلماذا تحرص عليه ؟

فإذا كنت تعتقد أن الصلاة آخر الليل أفضل مطلقاً فلماذا تصليها أكثر الشهر أول الليل

وإذا كنت تعتقد أن الصلاة أول الليل أفضل فلماذا تخص العشر الأواخر بالتأخير

ودع عنك الأجوبة العامية بأننا نريد إدراك الثلث الأخير من الليل فهذا يحرص عليه في كل الأيام ولا خصوصية للعشر بذلك ، إنما خصوا العشر بمزيد عبادة وهذا أمرُ مطلق لا يجوز استفادة عبادة خاصة منه بغير دليل
والخلاصة أنك لا تجد فقيهاً في القرون الثلاثة الفاضلة بل العشرة الأولى كلها يقول ( ويستحب أن يقوم أول الليل في العشرين الأولى ، ثم في بقية الشهر يؤخر الصلاة إلى ثلث الليل الآخر ويطيل في الصلاة وتسمى صلاة التهجد )!

والمنصف يذهب ويسأل العامة حوله عن اعتقادهم بما يتعلق بالأفضل في قيام الليل وسيجد جزماً عامتهم قد انصرفوا إلى اعتقاد ما قال به أحد من فقهاء الإسلام من كون تقديم الصلاة وتأخيرها يختلف فضله باختلاف أيام الشهر وساعتئذ عليه أن يتأمل في كلام الشاطبي وأبي شامة جيداً

ولم نذهب بعيداً أنا نفسي كنت أعتقد هذا الاعتقاد قبل أن بحث المسألة !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي