مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الكلام على حديث ( الخمر أم الفواحش و أكبر الكبائر )

الكلام على حديث ( الخمر أم الفواحش و أكبر الكبائر )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
قال الطبراني في الكبير 3134 : حدثنا بكر قال نا عبد الله بن يوسف قال نا بن لهيعة عن عبد الكريم ابي أمية عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
 الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر من شربها وقع على أمه وخالته وعمته

عبد الكريم متروك والشواهد ليس فيها ( أكبر الكبائر ) ، وهو معلول بالوقف على ضعفه

قال سعيد بن منصور في سننه 824: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ :
 أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ.
وهذا موقوف ، ولم يذكر أم الفواحش ولا الوقوع على الأم والخالة

وقال في الأوسط 3667 : حدثنا شباب بن صالح قال نا محمد بن حرب النشائي قال نا محمد بن ربيعة الكلابي عن الحكم بن عبد الرحمن بن ابي نعم البجلي عن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و :
 سلم الخمر أم الخبائث فمن شربها لم تقبل منه صلاته اربعين يوما فان مات وهي في بطنه مات

الوليد مدني وتلميذه كوفي فهذه مظنة انقطاع ولم يقل ( أكبر الكبائر ) ، ولم يذكر الوقوف على الأم والخالة ، والحكم صدوق سيء الحفظ

وقد روي هذا الخبر من طرق موقوفاً على عبد الله بن عمرو وليس فيه ( أم الخبائث )

قال ابن أبي شيبة في المصنف 24565: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ ؟
 فَقَالَ : لاَ تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

وقال أيضاً 24564: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، قَالَ : أُرْسَلِنَا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو نَسْأَلُهُ عَنْ أَيِّ الْكَبَائِرِ أَكْبَرُ ؟ فَقَالَ : الْخَمْرُ ، فَأَعَدْنَا إِلَيْهِ الرَّسُولَ ، فَقَالَ : الْخَمْرُ ، إِنَّهُ مَنْ شَرِبَهَا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ سَبْعًا ، فَإِنْ سَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

وقال سعيد بن منصور في سننه 814: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ ، فَإِنْ سَكِرَ مِنْهَا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، فَإِنْ مَاتَ فِيهِنَّ مَاتَ كَافِرًا.

وقال النسائي في الكبرى 5159 : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ يَزِيدَ، وَأَخْبَرَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
 مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَعَلَهَا فِي بَطْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاةٌ سَبْعًا، إِنْ مَاتَ فِيهِنَّ مَاتَ كَافِرًا، فَإِنْ أَذَهَبَتْ عَقْلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
يزيد ضعيف وقد خولف فروي الخبر موقوفاً

قال الخلال في السنة 1277 : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَا: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُصْبِحًا، ظِلَّ مُشْرِكًا، وَإِنْ سَكِرَ مِنْهَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا، مَاتَ كَافِرًا.
فهذه تدل على نكارة لفظة أم الخبائث

وقال الدارقطني في سننه في كتاب الأشربة 4 : ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ثنا أبو حاتم الرازي نا أبو صالح كاتب الليث حدثني بن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الخمر أم الخبائث
وابن لهيعة ضعيف وقد تقدم أن ابن لهيعة روى هذا الخبر من غير هذا الوجه فيكون اضطرب فيه

قال الطبراني في الكبير 14737 : حدثنا عبدُ الملكِ بن يحيى بن بُكيرٍ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابنُ لَهِيعةَ، عن أبي صخرٍ ، عن عَتّابِ بن عامرٍ، قال:
 كنتُ عندَ عبدِالله بن عمرٍو في الحِجرِ بمكةَ، فسُئل عن الخمرِ؟ فقال سألني رجلٌ فقلتُ: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاذهبْ فاسألْهُ، ثم ارجعْ فأَخبرْني، فسأله ثم رجع، فأخبرني أنه سأله فقال: «هِيَ أَكْبَرُ الكَبَائِرِ، وَأُمُّ الفَوَاحِشِ، وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ تَرَكَ الصَّلاَةَ وَوَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ!!» .
وقد روى هذا الخبر ابن وهب عن ابن لهيعة موقوفاً

قال ابن وهب في جامعه 81-[78] حدثني ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة؛ أن رجلاً سأل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص عن أكبر الكبائر.
فقال: شرب الخمر، ثم قص عليه عبد الله بن عمرو خبر فتى من بني إسرائيل كان من أعبد الناس، ثم ذكر نحو حديث ابن شهاب هذا.

وهذا أصح ، على ضعفها كلها لضعف ابن لهيعة

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 5197 : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قِرَاءَةً، أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ أَنَّ رَجُلا حَدَّثَهُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ فِي الْحِجْرِ بِمَكَّةَ، وَسُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ عَظِيماً عِنْدَ اللَّهِ شَيْخٌ مِثْلِي يَكْذِبُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَ فَسَأَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَمْرِ فَقَالَ: هِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَأُمُّ الْفَوَاحِشِ، مَنْ شَرَبَ الْخَمْرَ تَرَكَ الصَّلاةَ وَوَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ
هذا فيه مبهم ، وهو موقوف

وقال ابن حبان في صحيحه 5348 : أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ خَطِيبًا، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  اجْتَنِبُوا أُمَّ الْخَبَائِثِ  وذكر قصة
وهذا معلول بالوقف

قال النسائي في سننه 5682 : أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ .
 5683 : أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ يَتَعَبَّدُ وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ وَالْإِيمَانُ أَبَدًا إِلَّا يُوشِكَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ
فرواية يونس وابن المبارك له موقوفاً يدل على صواب الوقف وهذا ما رجحه البيهقي في الشعب

وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/186) :
" "هذا الحديث قد أسنده عمر بن سعيد بن سريج عن الزهري كما ذكرنا وقد وقفه يونس ومعمر وشعيب وغيرهم عن الزهري قال الدارقطني والموقوف هو الصواب قال وقد روى عن الحسن بن عمارة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهم فيه الحسن في موضعين في رفعه وفي روايته إياه عن سعيد والذي قبله أصح"

قال ابن وهب في جامعه 83-[80] أخبرني الحارث بن نبهان، عن محمد بن عبيد الله، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: لقد قرأت في ثلاث كتب أن الخمر محرمة، في التوراة والإنجيل وفي الفرقان، وإنها في التوراة أم الخبائث.
الحارث متروك وهذا موقوف

والخلاصة أن قوله ( الخمر أم الخبائث ) لا يصح مرفوعاً وإنما صح من قول عثمان .
 وكذلك قوله في الخمر ( أكبر الكبائر ) لا يصح مرفوعاً إنما هو من قول ابن عباس .
 وأما لفظة ( أم الفواحش ) فمنكرة، وأما ذكر الأم والخالة والعمة فلا يصح أيضاً

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي