مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: كاد الخيران أن يهلكا ...

كاد الخيران أن يهلكا ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
قال البخاري في صحيحه 4845 : حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ :
 كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي قَالَ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ } الْآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.

الله أكبر أبو بكر وعمر مع كل حسناتهما ومع كل ما بذلاه في الإسلام كادا أن يهلكا لما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يخابطهم ب( أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )

فكيف بالمبتدع الذي أحدث في دين الله عز وجل فشركه في تشريعه وخون نبيه إذ اتهمه بالتقصير ، وسفه السلف الصالحين

قال ابن القيم في الصواعق المرسلة ص996 :" السابع والستون: إن الله سبحانه نهى المؤمنين أن يتقدموا بين يدي رسوله وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض وحذرهم من حبوط أعمالهم بذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فإذا كان سبحانه قد نهى عن التقديم بين يديه فأي تقدم أبلغ من تقديم عقله على ما جاء به قال غير واحد من السلف ولا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر ومعلوم قطعا أن من قدم عقله أو عقل غيره على ما جاء به فهو أعصى الناس لهذا النبي وأشدهم تقدما بين يديه وإذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه وما جاء به ومن المعلوم قطعا أنه لم يكن يفعل هذا في عهده إلا الكفار والمنافقون فهم الذين حكى الله سبحانه عنهم معارضة ما جاء به بعقولهم وآرائهم وصارت تلك المعارضة ميراثا في أشباههم كما حكى الله عن المشركين معارضة شرعه وأمره بقضائه وقدره وورثهم في هذه المعارضة طائفتان إحداهما إخوانهم المباحية الذين خلعوا ربقة الشريعة من أعناقهم ودانوا بالقدر"

وهذا الكلام ينطبق على مبتدع وينطبق على كل أشعري جهمي بغيض

وقد قال أبو بكر الصديق :" فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ "

الصديق مع كل ما له من الفضائل من الهجرة والسابقة في الإسلام مواساة النبي صلى الله عليه وسلم والنفقة ولزوم التقوى في كل أحواله يخشى إن ترك شيئاً من أمر الله أن يزيغ

فإن هذا الفقه ممن يهون من شأن الطوام في العقيدة فيقول عنها ( أخطاء ) ، أو من يقول ( الأشاعرة إنما خالفوا أهل السنة في بعض الصفات )

وهل بعض الصفات هين إن صدقت يا هذا ؟

وهي صفات رب العالمين وفي صفة واحدة صفة الكلام قد جهمت وكفرت ثلاث فرق المخلوقية والواقفة واللفظية

الصديق في أمر الميراث يقول ( أخاف أن أزيغ ) فكيف بأمر الاعتقاد وقد أوضحه الله عز وجل أعظم الإيضاح

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )

نعم ( لا يزيغ إلا هالك ) هذا هو الأصل هالك اسماً أو حكماً

فمن خالف اعتقاد السلف في الصفات أو القدر أو الإيمان أو النبوات فهو ضال فكيف بمن خالفهم فيها كلها

فأين هذا البلاء المبين من مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الميراث أو رفع الصوت في مجلسه مع امتلاء القلب بتعظيمه وتوقيره ؟

ومن في الأمة له ما للشيخين من الفضائل حتى تجعل فضائله مسقطة لجرحه لنفسه بالزيغ في العقيدة

فمن زاغ في العقيدة فقد رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فلا يؤمن عليه أن يكون قد حبط عمله البتة ، وتلك الحسنات التي توازن تكون في حقيقة الأمر لا شيء

فأين ما كاد يهلك الخيرين من تجهم الجهمية وجبر الجبرية وإرجاء المرجئة ؟

أين ما كاد يهلك الخيرين من إنكار علو الله على خلقه الذي اتفق عليه المسلمون واليهود والنصارى وتواطأت عليه الأدلة حتى أن جامعها ربم بلغ بها الألف مع دلالة الفطرة ، فكيف إذا أضيف تعطيل بقية الصفات إلا القليل مع الجبر والإرجاء والإيغال في قاذورات المتكلمين

فإن لم تصف هذا بأنه ضلال وهلكة وابتداع بل وتصف الكفر منها بالكفر فقد هونت من شأن العقيدة وشأن حتى تجعله أرق من ثوب سابري

وقد ظهرت فلسفة غريبة خبيثة خرقوا فيها إجماع المصنفين في الملل والنحل وهي قولهم أن المرء لا ينسب لفرقة حتى يوافقها في جميع أصولها

والإمام أحمد وغيره جهموا اللفظية والواقفة ولم يقولوا بجميع أصول الجهمية في الإيمان والقدر والغيبيات

وكذا حكم ابن عبد الهادي على ابن حزم بأنه جهمي مع أنه يكفر الجهمية ويخالفهم في القدر والإيمان

وحكم ابن سعد على مسعر بن كدام بأنه مرجيء مع أنه يقول الإيمان قول وعمل ولكنه لا يستثني

وكذا قالوا في شبابة بن سوار

وهذا بشر المريسي يخالف بقية المعتزلة في مسائل الإيمان ويقول بمذهب مرجئة الفقهاء ومع ذلك هو معتزلي

وعامة أهل البدع من سمتهم الفرقة والاختلاف حتى ليكفر بعضهم بعضاً كما هو الحال في فرق الخوارج والمعتزلة والشيعة ومع ذلك يجمعهم اسم واحد هو حكم في الابتداع والضلال ، وكذا فرق اليهود والنصارى مع أنها يكفر بعضها بعضاً وتختلف اختلافاً عظيماً ومع ذلك يجمعها اسم الكفر

والرافضي السكاكيني الذي بعث لشيخ الإسلام بقصيدة ( أيا علماء الدين ذمي دينكم ) خالف الرافضة في مسائل عديدة حتى قال فيه شيخ الإسلام ( مما يتسنن به الرافضي ويترفض به السني )

وقد سمى أهل العلم المعتزلة قدرية مع أن كثيراً لا يوافقون القدرية الأولى في قولهم أن الله لا يعلم الأشياء بعد وقوعها فهناك قدرية غلاة وقدرية متوسطة

وقد قال شيخ الإسلام في الرازي ( الجهمي الجبري ) والرازي أشعري ولا يوافق الجهمية على القول بعدم تسلسل الحوادث في المستقبل وفناء الجنة والنار

والسنة عزيزة يا أخوة فما أكثر الهالكين وما أقل الناجين ولا تشهد لأحد بالسنة حتى تجتمع فيه خصال السنة كما قال البربهاري رحمه الله
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي