مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الدفاع عن أحاديث الصحيحين والرد على الزنديق عدنان إبراهيم

الدفاع عن أحاديث الصحيحين والرد على الزنديق عدنان إبراهيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فقال الله عز وجل : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )

قال البخاري في صحيحه 7311 : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ

هذان النصان يقضيان بأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وقد كان من خصائص هذه الأمة علم الإسناد ، وقد قيض الله عز وجل لهذا العلم رجالاً قاموا به إجماعهم حجة على من بعدهم

قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )

فدلت هذه الآية بدلالة القياس على أن المرجع في كل علم إلى أهله الذين عرفوا به واستفاض ذلك عنهم

وقد رأيت مقاطع سيئة للمدعو عدنان إبراهيم - عامله الله بعدله -  يطعن فيها في عدد من أحاديث الصحيحين وقد قدم أن جماعة من العلماء قد طعنوا في بعض أحاديث الصحيحين ثم يقيس طعنه على طعنهم

وهذا من قياس البيض على الباذنجان !

فإن المحدثين لهم قواعد ينطلقون منها عند المناقشة ولم يكونوا عقلانيين كمثلك .
ثم إن الأحاديث التي سلمت من نقد كل أولئك الأئمة الذين زعمت أنهم لا يحصيهم إلا الله على اختلاف ملكاتهم ومشاربهم هذا برهان صحتها والاتفاق عليها ، والخبر الذي تلقته على مدى عشر قرناً بالقبول فإن ذلك يفيد القطع بصحته ولا يقاس عليه الخبر الذي اختلف الأئمة فيه

ومثل عدنان ابراهيم كمثل رجل أنكر أن الظهر تصلى أربع ركعات فلما احتجوا عليه بالإجماع قال ( قد اختلفوا في وجوب الوتر )!

فيقيس المتفق عليه على المختلف فيه

ولا تعارض بين الإجماعات المنقولة على قطعية صحة أحاديث الصحيحين وبين بين انتقاد بعض الأئمة لبعض أخبارهما فإن الاتفاق محمول على معظم الصحيحين ويخرج من ذلك ما اختلفوا في صحته

قال ابن حجر في النكت :"
ثم بعد تقرير ذلك كله جميعاً لم يقل ابنالصلاح ولا من تقدمه أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواترلأن المتواتر يفيد العمل الضروري الذي لا يقبل التشكيك وما عداه مما ذكر يفيد العلمالنظري الذي يقبل التشكيك . ولهذا تختلف إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت فيالصحيحين ـ والله أعلم . وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح (( والعلم اليقيني النظريحاصل به )) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام "

ومن الأحاديث المجمع عليها التي طعن فيها هذا الزنديق ، حديث ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده )

محتجاً بأن هناك قياصرة ظهروا بعد قيصر الذي سقطت دولته على يد الصحابة

ولو رجع إلى شروح أهل العلم لأغناه ذلك عن هذه الفلسفة

قال الطحاوي في بيان مشكل الآثار (1/444) :" فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الْمُزَنِيَّ قَدْ حَكَى لَنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي تَأْوِيلِهِ قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا، وَكَانَ كُثْرُ مَعَاشِهِمْ مِنْهُ وَتَأْتِي الْعِرَاقَ فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَوْفًا مِنِ انْقِطَاعِ مَعَاشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَفَارَقَتِ الْكَفَرَةَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ خِلَافِ مَلِكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: " إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ " فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى يَثْبُتُ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ وَقَالَ: " إذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ "، فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرُ بَعْدَهُ فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا قَالُوا فَكَانَ كَمَا كَانَ إلَى الْيَوْمِ وَقَطَعَ اللهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قَامَ بَعْدَهُ بِالشَّامِ وَقَالَ فِي قَيْصَرَ: ثَبَتَ مُلْكُهُ بِبِلَادِ الرُّومِ وَيُنَحَّى مُلْكُهُ عَنِ الشَّامِ، وَكُلُّ هَذَا مُتَّفِقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَجَابَنِي بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ "، قَالَ فَهَلَكَ كِسْرَى كَمَا أَعْلَمَنَا أَنَّهُ سَيَهْلِكُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ كِسْرَى، وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ كِسْرَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " إذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ " إعْلَامًا مِنْهُ إيَّاهُمْ أَنَّهُ سَيَهْلِكُ وَلَمْ يَهْلِكْ إلَى الْآنَ , وَلَكِنَّهُ هَالِكٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخُولِفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِسْرَى فِي تَعْجِيلِ هَلَاكِ كِسْرَى وَتَأْخِيرِ هَلَاكِ قَيْصَرَ لِاخْتِلَافِ مَا كَانَ مِنْهُمَا عِنْدَ وُرُودِ كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا"

واختار توجيه الشافعي وأن الخبر خاص في قيصر الشام ابن حبان وذلك أنه هو قيصر المعروف عند العرب

وهناك توجيه ثالث ذكره ابن الجوزي

قال ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى ص227:" عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله: «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَه، وإذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَه، وَايْمُ الله لتُنْفَقَنَّ كَنْزَهُمَا فِي سَبِيْلِ الله» .
أخرجاهما في الصحيحين.
قال المصنف : وربما أشكل هذا الحديث وقال قائل: فقد مَلَك بعد كسرى وقيصر جماعة سُمُّوا بهذا الاسم، فإنَّ كلَّ ملِك كان لفارس يسمَّى كسرى، وكل ملك كان للروم يسمى قيصر.
فالجواب: أنه ما مَلَك مَن كان لمِلْكه طائل ولا ثبوت، وما زال مُلْكهم متزلزلاً حتى انمحق"

وقال ابن الجوزي في كشف مشكل الصحيحين (1/448) :" فَإِن قَالَ قَائِل: قدرُوا صِحَة هَذَا فِي كسْرَى، فَكيف بقيصر ومملكة الرّوم إِلَى الْيَوْم بَاقِيَة؟ فقد أجَاب عَن هَذَا أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فَقَالَ: كَانَت الْعَرَب بَين هذَيْن الْملكَيْنِ كالكرة يلعبان بهم، ويحملون إِلَيْهِمَا الْهَدَايَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام صَارَت كلمة الْعَرَب الْعليا، فَلَا كسْرَى وَلَا قَيْصر من حَيْثُ الْمَعْنى، إِنَّمَا هُوَ اسْم فارغ من الْمَعْنى"

وقد عد أهل العلم هذا الحديث من أعظم دلائل النبوة فذكره في دلائل النبوة أبو نعيم الأصبهاني ، وشيخ الإسلام في الجواب الصحيح وغيرهم

وكل العلماء الذين تكثر بهم عدنان إبراهيم في مسألة تضعيف أحاديث الصحيحين يصححون هذا الحديث

والعجيب أن المعتزلة على كثرة شغبهم على الأحاديث ما شغب أحد منهم على هذا الحديث

والعجب أنه يتكثر بأحمد الغماري ويطريه ويثني عليه لأنه طعن في أحاديث الصحيحين مع العلم أن أحمد الغماري من أجسر الناس على تصحيح البواطيل فقد صنف جزءً في تصحيح حديث ( من عشق فعف فمات مات شهيداً ) ، وصنف جزء في تصحيح حديث ( اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ) وصنف جزءً في تصحيح حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها )

فمثل هذا أنى له أن يكون حاكماً على أحاديث الصحيحين

والعجيب أن عدنان إبراهيم لم يكتف بتكذيب الأخبار الصحيحة قد اخترع خبراً مكذوباً من عند نفسه زعم أنه مروي وهو قوله ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ولكن الروم أهل القرون كلما هلك قرن جاء بعده قرن)

وهذا كذب صريح لا أصل له ، وقد انقرض القياصرة فالواقع يهدم حديثك هذا أيضاً !

وإنما ورد خبر بلفظ ( فَارِسُ نَطْحَةٌ أَوْ نَطْحَتَانِ ، ثُمَّ لَا فَارِسَ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا. وَالرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ كُلَّمَا هَلَكَ قَرْنٌ خَلْفَهُ  قرن) وهو خبر مرسل عند الحارث بن أبي أسامة وهو يتكلم عن نفس الروم وفعلاً ملك فارس زال ولم يعد أحد يحمل اسمهم ويعلي شأن ملوك فارس  ولكن الروم لا زالوا يقاتلون المسلمين ويؤذونهم وإن كان ذلك في غير قيصرية على بلاد العرب 

ومن سفه عدنان إبراهيم طعنه في حديث : ( وْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ)

زاعماً أن دعوى كون حواء هي التي أقنعت آدم بالأكل من الشجرة أسطورة إسرائيلية وأن ظاهر القرآن يبطل هذا فالوسوسة كانت من إبليس لآدم

وهذا اجتزاء منه للنصوص فالله عز وجل نص على أن الوسوسة كانت لآدم وحواء فقال تعالى : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ )

وكون إبليس قد وسوس فإن ذلك لا ينافي أن حواء قد شاركت في تزيين الأمر

قال ابن حجر في المطالب العالية 215 - قال أحمد بن منيع : حدثنا عباد بن العوام ، ثنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : « قال الله تبارك وتعالى لآدم : يا آدم ، ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها ؟ قال : فاعتل آدم ، فقال : يا رب ، زينته لي حواء ، قال : فإني عاقبتها بأن لا تحملها إلا كرها ، ولا تضعها إلا كرها ، ودميتها في كل شهر مرتين ، قال : فرنت حواء عند ذلك فقيل لها : عليك الرنة وعلى بناتك » هذا موقوف صحيح الإسناد

فهل عدنان إبراهيم أعلم أم ترجمان القرآن وحبر الأمة ؟

وأعلم جيداً أن تلقيبي لعدنان إبراهيم بالزنديق لا يروق لمحمد الددو

وهذا من بردوه فإن الإمام أحمد قال فيمن طعن في أهل الحديث ( زنديق زنديق زنديق )

فكيف بمن يطعن في أم المؤمنين والصحابة الكرام والأحاديث المتواترة

هذا لا ينكر زندقته إلاجاهل لا حمية عنده على العقيدة التي هي معقد الولاء والبراء
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي