مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على الدكتور سعيد الغامدي في مسألة إعانة الظالم على المبتدع

تعقيب على الدكتور سعيد الغامدي في مسألة إعانة الظالم على المبتدع



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال الدكتور سعيد الغامدي في حقيقة البدعة وأحكامها (2/ 352) :" ونصر المبتدع على الظالم وحمايته من الجائرين ، ورد شر الفاسقين والظلمة من الوالين ، عنه كان دأباً قديماً منذ عهد التابعين ، فقد نقل الذهبي في ترجمة عكرمة مولى ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أنه كان ( يرى رأي الخوارج فطلبه متولي المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده ) "

أقول : هذا مثال على ما يكتنف عدداً من الباحثين من المقدمات النفسية ، التي تحول بينهم وبين التحقيق العلمي

فهذا الاستدلال لا يتم للدكتور الغامدي من وجهين

الأول : أن داود بن الحصين كان خارجياً أيضاً ، فحمايته لعكرمة لرحم المذهب بينهما ، ولا يصلح أن يستدل بفعل خارجي على منهج السلف

قال ابن حبان في الثقات :" كان يذهب مذهب الشراة مثله ، و كل من ترك حديثه على الإطلاق وهم ; لأنه لم يكن داعية إلى مذهبه ، و الدعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال....الخ "

و قال الساجى : منكر الحديث ، يتهم برأى الخوارج .

على أن اتهام عكرمة برأي الخوارج محل خلاف بين أهل العلم ، وقد نافح عنه محمد بن نصر المروزي وابن جرير الطبري وابن حبان ولخص كلامهم ابن حجر في هدي الساري

الوجه الثاني : أن المبتدع مستحق للعقوبة خصوصاً إذا كان داعية

قال الشاطبي في الاعتصام (1/225) :" فَخَرَجَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: الْإِرْشَادُ، وَالتَّعْلِيمُ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ ; كَمَسْأَلَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ
حِينَ ذَهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ، فَكَلَّمَهُمْ، حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَسْأَلَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ غَيْلَانَ، وَشِبْهُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: الْهُجْرَانُ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ; حَسْبَمَا تَقَدَّمَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي هُجْرَانِهِمْ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِبِدْعَةٍ، وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قِصَّةِ صَبِيغٍ.
وَالثَّالِثُ: كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ صَبِيغًا، وَيَجْرِي مَجْرَاهُ السَّجْنُ، وَهُوَ:
الرَّابِعُ: كَمَا سَجَنُوا الْحَلَّاجَ قَبْلَ قَتْلِهِ سِنِينَ عِدَّةً.
وَالْخَامِسُ: ذِكْرُهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَإِشَاعَةُ بِدْعَتِهِمْ ; كَيْ يُحْذَرُوا; وَلِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِهِمْ; كَمَا جَاءَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ.
السَّادِسُ: الْقَتْلُ إِذَا نَاصَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ ; كَمَا قَاتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَوَارِجَ وَغَيْرُهُ مِنْ خُلَفَاءِ السُّنَّةِ.
وَالسَّابِعُ: الْقَتْلُ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا مِنَ الِاسْتِتَابَةِ، وَهُوَ قَدْ أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسَرَّهَا وَكَانَتْ كُفْرًا أَوْ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ; فَالْقَتْلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، وَهُوَ الثَّامِنُ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النِّفَاقِ، كَالزَّنَادِقَةِ.
وَالتَّاسِعُ: تَكْفِيرُ مَنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كُفْرِهِ ; كَمَا إِذَا كَانَتِ الْبِدْعَةُ صَرِيحَةً فِي الْكُفْرِ; كَالْإِبَاحِيَّةِ، وَالْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ; كَالْبَاطِنِيَّةِ، أَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، فَذَهَبَ الْمُجْتَهِدُ إِلَى التَّكْفِيرِ; كَابْنِ الطَّيِّبِ فِي تَكْفِيرِهِ جُمْلَةً مِنَ الْفِرَقِ، فَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ:
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا يُغَسَّلُونَ إِذَا مَاتُوا، وَلَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ; مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَتِرًا; فَإِنَّ الْمُسْتَتِرَ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَوَرَثَتُهُ أَعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِيرَاثِ.
وَالْحَادِي عَشَرَ: الْأَمْرُ بِأَنْ لَا يُنَاكَحُوا، وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْهُجْرَانِ، وَعَدَمِ الْمُوَاصَلَةِ.
وَالثَّانِي عَشَرَ: تَجْرِيحُهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا رِوَايَتُهُمْ، وَلَا يَكُونُونَ وَالِينَ وَلَا قُضَاةً، وَلَا يُنَصَّبُونَ فِي مَنَاصِبِ الْعَدَالَةِ مِنْ إِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ; إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ السَّلَفِ رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ لِيَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْكُ عِيَادَةِ مَرْضَاهُمْ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ.
وَالرَّابِعَ عَشَرَ: تَرْكُ شُهُودِ جَنَائِزِهِمْ كَذَلِكَ.
وَالْخَامِسَ عَشَرَ: الضَّرْبُ كَمَا ضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَبِيغًا.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَائِلِ بِالْمَخْلُوقِ: " أَنَّهُ يُوجَعُ ضَرْبًا وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ ".
وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَوَارِيخِ بَغْدَادَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: " حُكِمَ فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرَائِدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الْإِبِلِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَخَذَ فِي الْكَلَامِ; يَعْنِي: أَهْلَ الْبِدَعِ ".

وقال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية ص106 :" وجوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما : قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة ، وكذلك كثير من أصحاب مالك ، وقالوا : إنما جوز مالك وغيره قتل القدرية لأجل الفساد في الأرض ؛ لا لأجل الردة"

فإذا علم من الوالي وإن كان في نفسه فاسقاً أنه سيقيم العقوبة المستحقة على المبتدع بلا إفراط فلا ضير من إعانته فإن ذلك من التعاون على المعروف

أما إذا علم عنه البطش وتجاوز الحد فليس ذلك مشروعاً ولا يسمى هذا انتصاراً للمبتدع فإن المبتدع ليس له إلا الإذلال والإهانة حتى يرجع

قال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 50 - أخبرني إبراهيم بن الخليل ، أن أحمد بن نصر أبا حامد ، حدثهم أن أبا عبد الله سئل عن الرجل ، يرى منه الفسق والدعارة ، وينهى فلا ينتهي ، يرفعه إلى السلطان ؟ قال : « إن علمت أنه يقيم عليه الحد فارفعه »
51 - وقال : « كان لنا جار فرفع إلى السلطان ، كان قد تأذى منه جيرانه فرفعوه ، فضربوه مئتي درة ، فمات »
52 - أخبرني أبو بكر المروذي ، قال : قلت لأبي عبد الله : يستعان على من يعمل بالمنكر بالسلطان ؟ قال : « لا ، يأخذون منه الشيء ويستتيبونه . ثم قال : جار لنا حبس ذلك الرجل ، فمات في السجن . ثم قال : كيف حكى أبو بكر بن خلاد ؟ فذكرت له قصة ابن عيينة »
53 - فأخبرنا أبو بكر المروذي ، قال : سمعت أبا بكر بن خلاد ، يقول : كنا عند ابن عيينة فجاء الفضل ، فوقف عليه ، فقال لنا : « لا تجالسوه ، حبس رجلا في السجن ، ما يؤمنك أن يقع السجن عليه ، قم ، فأخرجه »

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي