مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: إدامة النظر مفتاح المحبة فاحفظ بصرك

إدامة النظر مفتاح المحبة فاحفظ بصرك



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
قال ابن أبي الدنيا في كتاب العلم ( 73 ) حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المرزوي قال سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول :
 لا تملاوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالانكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة .

( 74 ) حدثني محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا كثير بن هشام قال :
 كان سفيان الثوري قاعد بالبصرة فقيل له هذا مساور بن سوار يمر وكان على شرطة محمد بن سليمان فوثب فدخل داره وقال أكره أن أرى من يعصي الله ولا أستطيع أن أغير عليه .

( 75 ) حدثني علي بن الحسن قال قال فضيل بن عياض :
 لا تنظروا إلى مراكبهم فإن النظر إليها يطفئ نور الانكار عليهم.

( 76 ) حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا الحسن بن الربيع عن يحيى بن يمان قال :
 كنت مع سفيان الثوري فرأى دارا فرفعت رأسي أنظر إليها فقال سفيان لا تنظر إليها فإنما بنيت لكي ينظر إليها مثلك

أقول : وأخبار سفيان صحيحة وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)

ولكثرة النظر إلى المترفين والفساق من أهل الدنيا مفاسد

الأولى : أن المرء ربما سخط نعمة الله عليه ودخل في قلبه الحسد

قال مسلم في صحيحه 7540- [9-...] وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ.
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَلَيْكُمْ.

الثانية : دخول محبة أحوالهم في القلب وتمني مثلها وهذا يجعلك تشركهم في الإثم

قال أحمد في مسنده 18031 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» ، قَالَ: " فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ [ص:562]، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ، وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ "، فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ "، قَالَ: «فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ» قَالَ: «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا؟» قَالَ: " فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ " قَالَ: «فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ» ، قَالَ: «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ» قَالَ: " وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: هِيَ نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ "

وهذا الطاغي أو هذا الفاجر يستمتع بالدنيا وحسابه في الآخرة وأما أنت يا من تتمنى ما هو عليه فليس لك ملكه أو لك فجوره ثم إنك تشركه في الإثم فأي مغبون أنت

وليحذر الناس من تمني أحوال الفجار ، وقد ابتلي كثير من أبناء المسلمين بمتابعة الأفلام التي تصور الزنا وبعضهم أدمن ذلك ، وإذا تمنى هذه الحال فإنه يكون إثمه كإثم الزنا

بل إن مداومة النظر له أثر على النفس ربما كان أشد من الوقوع في الفاحشة

قال شيخ الإسلام في العبودية :" فإما من استعبد قلبه صورة محرمة امرأة أو صبي فهذا هو العذاب الذي لا ثوب فيه وهؤلاء من أقل الناس ثوابا وأعظمهم عذابا فإن العاشق لصورة إذا بقي متعلقا بها متعبدا بها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لم يحصه إلا رب العباد ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى فداوم تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضررا عليه ممن فعل ذنبا ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه وهؤلاء بالسكارى والمجانين كما قيل :
( سكران سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران ) وقيل في آخر ( قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين )"

وما أعظم غبنك يا أخي لا تقضي وطرك بالزنا ومع ذلك تأخذ إثمه

الثالثة : محبة هؤلاء والمرء مع من أحب

وهذا الحديث ( المرء مع من أحب ) من أعظم الوعد لمحب الصالحين ، ومن أعظم الوعيد لمحب الفجرة والمارقين

فضلاً عما ابتلي به كثير من أبناء المسلمين من محبة الكفار بفعل متابعة ما يسمى ب( الرياضة )

وعلى هذا المعنى يحمل قول بعض السلف ( النظر إلى الإمام العادل عبادة )

وذلك أن الإمام العادل من أولياء الله عز وجل والنظر إليه مفتاح للمحبة ، ومحبة الصالحين لصلاحهم عبادة بل من أعلى العبادات

وعليه يحمل قول بعض السلف ( النظر إلى المبتدع يحبط العمل ) وذلك أن النظر مفتاح المحبة .
 ومحبة المبتدع من قلة التقوى ومن قلة تعظيم الأمر والنهي في القلب فكيف تحب من يشرع مع الله عز وجل

واليوم الرائي ( التلفاز ) سبب لوقوع هذا البلاء من إدامة النظر إلى الفساق المجاهرين الأعلام على الفسق والمبتدعة

وهنا أنبه على أمر أخير ، وهو أن وضع صورة الشيخ في مواقع التواصل الاجتماعي ليس من هذا الباب ، بل هو أقرب إلى التشبه بالصوفية أصحاب ما يسمى بورد الرابطة وهو أن يغمض الصوفي عينيه ويتصور صورة الشيخ وهو يذكر الله ، والغلو في صور الصالحين كان مفتاح الشرك في الأمة وما قصة قوم نوح عن العاقل ببعيد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي