مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: فائدة في قوله تعالى : ( يا حسرة على العباد )

فائدة في قوله تعالى : ( يا حسرة على العباد )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
قال الله تعالى : (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
 استشكل بعض الناس هذه الآية وظن أن فيها نسبة التحسر لله عز وجل .
 ولو رجعوا إلى تفاسير السلف لدفع الاستشكال

قال الطبري في تفسيره (20/511) :" القول في تأويل قوله تعالى : { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) }
يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندّما وتلهفا في استهزائهم برسل الله( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ) من الله( إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وذكر أن ذلك في بعض القراءات(يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضَيَّعت من أمر الله، وفرّطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءات:(يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) يقول: يا ويلا للعباد. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: يا لها حسرة على العباد "

فيكون معنى الآية ( وقعت الحسرة على العباد ) فمعنى ( حسرة على العباد ) كقولك ( اللعنة على العباد ) فالتحسر فعل العباد وليس فعل الرب

وقال البغوي في تفسيره (7/16) :" { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } قال عكرمة: يعني يا حسرتهم على أنفسهم، والحسرة: شدة الندامة، وفيه قولان: أحدهما: يقول الله تعالى: يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل.
والآخر: أنه من قول الهالكين. قال أبو العالية: لما عاينوا العذاب قالوا: يا حسرة أي: ندامة على العباد، يعني: على الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم.
قال الأزهري: الحسرة لا تدعى، ودعاؤها تنبيه المخاطبين. وقيل العرب تقول: يا حسرتي! ويا عجبًا! على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فكأنه يقول: أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟
حقيقة المعنى: أن هذا زمان الحسرة والتعجب. ثم بين سبب الحسرة والندامة، فقال: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }"

إذا فهمت هذا علمت  تبين لك ما في قول  عبد الرحمن السعدي في تفسيره تيسير الكريم الرحمن ص659:" قال اللّه متوجعا للعباد: { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: ما أعظم شقاءهم، وأطول عناءهم، وأشد جهلهم، حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة، التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكال"


ولا أعلم أحداً من السلف نسب صفة التوجع لله عز وجل ، وكلامه مدفوع بما تقدم عن السلف .

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي