الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الله تعالى : (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ
رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
استشكل بعض الناس هذه الآية وظن
أن فيها نسبة التحسر لله عز وجل .
ولو رجعوا إلى تفاسير السلف لدفع
الاستشكال
قال الطبري في تفسيره (20/511) :" القول في تأويل قوله تعالى : {
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
(30) }
يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندّما وتلهفا في استهزائهم
برسل الله( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ) من الله( إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
) وذكر أن ذلك في بعض القراءات(يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( يَاحَسْرَةً عَلَى
الْعِبَادِ ) أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضَيَّعت من أمر الله، وفرّطت في
جنب الله. قال: وفي بعض القراءات:(يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( يَاحَسْرَةً
عَلَى الْعِبَادِ ) قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس،
قوله( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) يقول: يا ويلا للعباد. وكان بعض أهل العربية
يقول: معنى ذلك: يا لها حسرة على العباد "
فيكون معنى الآية ( وقعت الحسرة على العباد ) فمعنى ( حسرة على العباد
) كقولك ( اللعنة على العباد ) فالتحسر فعل العباد وليس فعل الرب
وقال البغوي في تفسيره (7/16) :" { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ
} قال عكرمة: يعني يا حسرتهم على أنفسهم، والحسرة: شدة الندامة، وفيه قولان: أحدهما:
يقول الله تعالى: يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل.
والآخر: أنه من قول الهالكين. قال أبو العالية: لما عاينوا العذاب قالوا:
يا حسرة أي: ندامة على العباد، يعني: على الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم، فتمنوا
الإيمان حين لم ينفعهم.
قال الأزهري: الحسرة لا تدعى، ودعاؤها تنبيه المخاطبين. وقيل العرب تقول:
يا حسرتي! ويا عجبًا! على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فكأنه يقول:
أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟
حقيقة المعنى: أن هذا زمان الحسرة والتعجب. ثم بين سبب الحسرة والندامة،
فقال: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }"
إذا فهمت هذا علمت تبين لك ما
في قول عبد الرحمن السعدي في تفسيره تيسير الكريم الرحمن ص659:" قال اللّه
متوجعا للعباد: { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: ما أعظم شقاءهم، وأطول عناءهم، وأشد جهلهم، حيث
كانوا بهذه الصفة القبيحة، التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكال"
ولا أعلم أحداً من السلف نسب صفة التوجع لله عز وجل ، وكلامه مدفوع بما تقدم عن السلف .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم