مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الكلام على زيادة ( رب الملائكة والروح ) في الدعاء بعد الوتر

الكلام على زيادة ( رب الملائكة والروح ) في الدعاء بعد الوتر



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد ركعة الوتر : [ سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد بها صوته في الأخيرة ]
وجاء عند الدارقطني (2/31) زيادة :" رب الملائكة والروح " في الثالثة وصححها صاحب حصن المسلم !، وقلده بعض من قل تحقيقه من طلبة العلم وأصبح يجهر بها أمام الناس
والحق أنها زيادة شاذة ظاهرة الشذوذ
فالحديث مروي من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب
وقد انفرد بهذه الزيادة علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن فطر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن به

ورواه جماعة عن سعيد ولم يذكروا هذه الزيادة
1- ذر بن عبد الله وحديثه عند أبي داود ( 1430) و ابن حبان (2450)
2- زبيد اليامي
وقد رواه عنه جمع
أ - سفيان بن سعيد الثوري وحديثه عند النسائي
ب- عبد الملك بن أبي سليمان وحديثهما عند ابن أبي شيبة في المصنف (2/198)
ج- شعبة بن الحجاج وحديثه عند أحمد (15390 ) والبغوي في مسند علي بن الجعد (487 )والنسائي ولم يذكر فيه أبي بن كعب
د- مالك بن مغول وحديثه عند النسائي في الكبرى (10568) ولم يذكر فيه أبي بن كعب وقد رواه عن زبيد عن زر
ه- جرير بن عبد الله وحديثه عند النسائي (10567) ولم يذكر فيه أبي بن كعب أيضاً وقد رواه عن زبيد عن ذر
و- فطر بن خليفة وقد وقعت الزيادة في روايته ولا يخفى في انفراده عن جبلي الحفظ سفيان الثوري وشعبة فكيف إذا انضاف إليهما غيرهما - علماً بأن العلة قد لا تكون منه بل قد تكون من الراوي عنه وهذا الأرجح -
ز- محمد بن جحادة وحديثه عند النسائي في الكبرى (10569)
ح- مسعر بن كدام وحديثه عند البيهقي (5059)

3- عزرة بن عبد الرحمن وحديثه أحمد (15391) و النسائي ومسند عبد بن حميد (312) ولم يذكر أبي بن كعب

4- سلمة بن كهيل وحديثه أحمد (15390 ) والبغوي في مسند علي بن الجعد (487 )والنسائي ولم يذكر أبي بن كعب وقد رواه الطيالسي عن شعبة عنه عن زبيد عن سعيد

وهذا الحديث في أسانيده اختلاف كثير ليس هذا محل تحرير الكلام غير أنني أردت بيان شذوذ تلك الزيادة وحسب
وقد أعرضت عن ذكر الكثير من التخريجات طلباً للاختصار

وقد اضطرب عيسى بن يونس في سند هذه الزيادة

قال الطبراني في 8346 : حدثنا موسى بن هارون ، نا إسحاق بن إبراهيم ، أنا عيسى بن يونس ، نا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ب سبح اسم ربك الأعلى ، و قل يا أيها الكافرون ، و قل هو الله أحد  .
وإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ، ومد بالأخيرة صوته ، ويقول :   رب الملائكة والروح .
لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد بن أبي عروبة ، تفرد به : عيسى بن يونس .انتهى
وسعيد اختلط

وقد صح الخبر عن قتادة بدون هذه الزيادة مع مخالفة في السند
قال أحمد في مسنده 15355 : حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَكَانَ إِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ "، يُطَوِّلُهَا ثَلَاثًا

وقال أحمد في مسنده 15356 : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى:
 أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ "، يَقُولُهَا ثَلَاثًا

فدل على شذوذ هذه الزيادة من حديث قتادة أيضاً

وقد نبه أبو داود على نكارة رواية عيسى بن يونس عن سعيد

قال أبو داود في سننه تحت حديث رقم 1427 :" قال أبو داود: روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبيّ بن كعب:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَنَتَ -يعني: في الوتر- قبل الركوع.
قال أبو داود: روى عيسى بن يونس هذا الحديث أيضاً عن فِطْر بنِ خليفة عن زُبَيْد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبْزَى عن أبيه، عن أبيّ بن كعب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله، ورُوِي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبيّ بن كعب:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت في الوتر قبل الركوع.
قال أبو داود: وحديث سعيد عن قتادة رواه يزيدُ بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عَزْرَة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر القنوت ولا ذكر أُبَيّاً.
قال أبو داود: وكذلك رواه عبد الأعلى ومحمد بن بشر العبدي، وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس ولم يذكروا القنوت.
وقد رواه أيضاً هشام الدستوائي وشعبة عن قتادة، ولم يذكرا القنوت "

أقول : فهؤلاء جميعاً خالفوا عيسى مما يدل على نكارة روايته

ولكي لا يأتي من يقول :" هو ثقة والزيادة من الثقة مقبولة "
 أقول :
قال ابن خزيمة في صحيحه فيما نقله عنه ابن حجر  في النكت (2/689) :   لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ ، ولكنا نقول : إذا تكافأت الرواة في الحفظ والاتقان فروى حافظ بالأخبار زيادة في خبر قبلت زيادته . فإذا تواردت الأخبار ، فزاد وليس مثلهم في الحفظ زيادة لم تكن تلك الزيادة مقبولة .انتهى

ونقل ابن حجر  بعد ذلك عن ابن عبد البر قوله :  إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبت عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ ، لأنه كأنه حديث آخر مستأنف وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ، ولا متقن ، فإنها لا يلتفت إليها .انتهى

وفي ص (429) من شرح العلل نقل ابن رجب عن الدارقطني في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان وخالفهما الثوري، فلم يذكره قال: لولا أن الثوري خالف لكان القول قول من زاد فيه؛ لأن زيادة الثقة مقبولة.
 قال ابن رجب: وهذا تصريح بأنه إنما يقبل الزيادة إذا لم يخالفه من هو أحفظ منه.

وقال ابن حجر  في النكت (2/613) :
والحق في هذا أن زيادة الثقة لا تقبل دائماً ، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين ، فلم يصب .
وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظاً ولا معنى .
وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين وابن الأيباري شارح البرهان وغيرهما  .انتهى

وقال ابن السمعاني :   إذا كان راوي الناقصة لا يغفل أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة وكان المجلس واحداً فالحق أن لا يقبل رواية راوي الزيادة هذا الذي ينبغي . انتهى.انتهى

وقال البيهقي :  العدد أولى بالحفظ من الواحد .انتهى  نقله عنه في التلخيص الحبير (2/25)

وقال الخطيب البغدادي في كتاب القنوت :  الحكم للجماعة على الواحد .انتهى  نقله ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (9/194)
وقال العلائي في نظم الفرائد (ص201) :
 ويترجح هذا أيضاً من جهة المعنى ، بأن مدار قبول خبر الواحد على غلبة الظن وعند الخلاف فيما هو مقتضٍ لصحة الحديث أو لتعليله يرجع إلى قول الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط والسهو ذلك عند التساوي في الحفظ والإتقان فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قول الأحفظ والأكثر اتقاناً وهذه قاعدة متفقٌ على العمل بها عند أهل الحديث .انتهى
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي