الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فمن العادات المتبعة عند كثير من الخطباء أنهم يقولون بعد الخطبة يوم الجمعة
( هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ) بعد الخطبة الأولى ،
حتى صار من عادة العامة الاستغفار بين الخطبتين
والحق أنني لم أقف خبر واضح يدل على هذا الفعل فعامة الأحاديث الآثار فيها
( وأستغفر الله لي ولكم ) وليس فيها ( فاستغفروه ) ولا تخصيص ذلك فيما بعد الخطبة الأولى
وإليك التفصيل
قال ابن حبان في صحيحه 3828 - أَخْبَرَنَا مَكْحُولٌ بِبَيْرُوتَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ
الْقَصْوَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَمَا وَجَدَ
لَهَا مُنَاخًا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْرِجَتْ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، فَأُنِيخَتْ،
ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ: أَمَا بَعْدَ، أَيُّهَا
النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا
النَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى رَبِّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ
عَلَى رَبِّهِ ثُمَّ تَلَا: {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا} حَتَّى قَرَأَ الْآيَةَ
ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
وقد وجدته في عدد من المصادر من حديث ( موسى بن عبيدة ) الضعيف وليس موسى
بن عقبة
وقال ابن حجر في الفتح :
رواية عبد الله بن رجاء عن موسى بن عقبة؛
وَهْمٌ فِي قوله موسى بن عقبة، إنمَا هو موسى بن عبيدة، وابن عقبة ثقة وابن عبيدة ضعيف،
وهو معروف برواية موسى بن عبيدة، كذلك أخرجه ابن أبِي حاتِم وغيره. اهـ. الفتح
(6/527) [ مستفاد من أحد الاخوة ]
وهذا الخبر كما ترى في خطبة الحج وليس في خطبة الجمعة وليس فيه ذكر ( فاستغفروه
) وليس ثم إلا خطبة واحدة
قال الحاكم في المستدرك 4879 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ
، وَعَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ ، قَالَا: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، ثنا الْحُمَيْدِيُّ
، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ: خَطَبَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بِالنَّخْلَةِ حِينَ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ ، فَقَامَ فَحَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى
، وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفَتْ
فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَقٌّ لِامْرِئٍ ، وَكَانَ أَحَقَّ بِحَقَّهِ مِنِّي أَوْ
حَقٌّ لِي فَتَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ اسْتِضْلَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنَ
دِمَائِهِمْ ، وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ، وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ،
أَقُولُ قُولِي هَذَا وَاسْتَغْفَرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ "
وهذا فيه مجالد بن سعيد ضعيف وهو موقوف على الحسن بن علي وليست هذه خطبة
الجمعة فيما يظهر وليس فيها ( فاستغفروه )
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال 8 - وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ، وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ،
وَلَكِنَّهُ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَسَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَعَلَّمَنَا فَعَمِلْنَا، وَاعْلَمُنَّ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ
الْهُدَى أَوْ قَالَ: التُّقَى- شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ: التُّقَى - وَأَنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ
وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ
حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ
مِنْهُ الْحَقَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ،
فَإِنْ أَنَا أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَنَا زُغْتُ فَقَوِّمُونِي أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
أقول : عروة لم يدرك أبا بكر ، ولا أدري إن كانت هذه خطبة جمعة أم غيرها
وليس فيها ( فاستغفروه )
والخلاصة أن التزام هذا القول في آخر الخطبة الأولى ليس من السنن الثابتة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أو السلف - فيما أعلم - والتزامه والحال هذه يقرب من أن
يكون بدعة إن لم يكن بدعة جزماً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم