مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تباين معنى الذات بين إطلاق السلف وإطلاق المتكلمين

تباين معنى الذات بين إطلاق السلف وإطلاق المتكلمين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
            
               
فاشتهر بين طلبة العلم قولهم ( الذات ) و ( الصفات ) على أن الذات بمعنى ( حاملة الصفات ) ، وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية أن إطلاق الذات في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام السلف يختلف عن إطلاق الذات في كلام المتكلمين

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/ 342) :" فَلَمَّا وَجَدُوا اللَّهَ قَالَ فِي الْقُرْآنِ { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } وَ { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } : وَصَفُوهَا ، فَقَالُوا : نَفْسٌ ذَاتُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ وَرَحْمَةٍ وَمَشِيئَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ حَذَفُوا الْمَوْصُوفَ وَعَرَّفُوا الصِّفَةَ . فَقَالُوا : الذَّاتُ . وَهِيَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ ؛ لَيْسَتْ قَدِيمَةً وَقَدْ وُجِدَتْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ لَكِنْ بِمَعْنَى آخَرَ مِثْلَ قَوْلِ خبيب الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ * * * يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ } " وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ : كُلُّنَا أَحْمَقُ فِي ذَاتِ اللَّهِ . وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ : أُصِبْنَا فِي ذَاتِ اللَّهِ . وَالْمَعْنَى فِي جِهَةِ اللَّهِ وَنَاحِيَتِهِ ؛ أَيْ لِأَجْلِ اللَّهِ وَلِابْتِغَاءِ وَجْهِهِ ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّفْسَ . وَنَحْوُهُ فِي الْقُرْآنِ { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } وَقَوْلُهُ : { عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أَيْ الْخَصْلَةِ وَالْجِهَةِ الَّتِي هِيَ صَاحِبَةُ بَيْنِكُمْ وَعَلِيمٌ بِالْخَوَاطِرِ وَنَحْوِهَا الَّتِي هِيَ صَاحِبَةُ الصُّدُورِ . فَاسْمُ " الذَّاتِ " فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ : بِهَذَا الْمَعْنَى . ثُمَّ أَطْلَقَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى " النَّفْسِ " بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا صَاحِبَةُ الصِّفَاتِ . فَإِذَا قَالُوا الذَّاتُ فَقَدْ قَالُوا الَّتِي لَهَا الصِّفَاتُ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعٍ " { تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ ؛ وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ } " فَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ أَوْ نَظِيرُهُ ثَابِتًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ "

أقول : يتخلص من كلام الشيخ أن قول السلف ( ذات الله ) يعني في جهة الله ولوجهه

وأما إطلاقها بمعنى حاملة الصفات فهذا أطلقه المتكلمون وورد في خبر ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله ) وهذا الخبر الصواب ضعفه كما حققه أخونا عبد الله التميمي في بحث مطول منشور في هذه الشبكة

فإن قيل : نسمع في العادة قاعدة ( الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ) وهذا الإطلاق يوافق اصطلاح المتكلمين

فيقال : هذا أطلقه أهل العلم في باب المناظرة والتنزل مع المخالفين فإن هذه القاعدة أصل في الرد على أهل البدع وإظهار تناقضهم ، والذي نريده هنا بيان المعنى السلفي لهذه الكلمة وإلا فإن بعض المتكلمين رفض تسمية ( الصفات الذاتية ) وقال الذات لفظ مؤنث لا يطلق على الرب ، وهذا الاعتراض لا يحفل به أمام النصوص خصوصاً بعد بيان المعنى السلفي للكلمة فإنها بمعنى ( جهة الله ) أو ( لوجه الله ورجاء ثوابه )

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي