الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فينشر أهل التخذيل تأصيلاً عجيباً ما سمعت به من أهل العلم ، وهو أن تكرار
التحذير من المبتدع لا أجر فيه ، وأن صاحبه ربما أثم ، هكذا مطلقاً دون تفصيل ، فإن
التكرار ربما يكون لتوكيد المعلومة لئلا ينساها الناس .
أو للتذكير للربط بمناسبة ما
وهذا التأصيل مخالفٌ للأدلة الشرعية ولهدي السلف الصالح
قال عبد الله بن أحمد في السنة 1414 : حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، نا
عمر بن يونس الحنفي ، نا عكرمة بن عمار ، نا شداد بن عبد الله ، قال : وقف أبو أمامة
وأنا معه على رءوس الحرورية بالشام عند باب مسجد حمص أو دمشق فقال لهم : كلاب النار
مرتين أو ثلاثا شر قتلى تظل السماء وخير قتلى من قتلوهم ودمعت عينا
أبي أمامة قال رجل : أرأيت قولك لهؤلاء القوم شر قتلى تظل السماء وخير قتلى من قتلوهم
أشيء من قبل رأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من قبل رأيي
؟ إني إذا لجريء ، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين حتى
عد سبع مرات ما حدثتكم . فقال له رجل : رأيتك دمعت عيناك فقال : رحمة رحمتهم كانوا
مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم ثم قرأ هذه الآية ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من
بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت
وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم )
فتأمل قوله (، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو
مرتين حتى عد سبع مرات ما حدثتكم)
فهذا دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر التحذير من الخوارج
وقال عبد الله بن أحمد في السنة 1412 : حدثني أبي ، نا عبد الرزاق ، نا
معمر ، قال : سمعت أبا غالب ، يقول : لما أتي برءوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق جاء
أبو أمامة رضي الله عنه فلما رآهم دمعت عيناه قال :
كلاب النار . كلاب النار . كلاب
النار ، ثلاث مرات ، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى تحت أديم السماء
الذين قتلهم هؤلاء قلت : فما شأنك دمعت عيناك ؟
قال : رحمة لهم ، لأنهم كانوا
من أهل الإسلام . قلت : أبرأيك قلت هم كلاب النار أو شيئا سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؟ قال : إني إذا لجريء . بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة
ولا مرتين ولا ثلاثا . قال : فعد مرارا ثم تلا هذه الآية ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)
حتى بلغ ( هم فيها خالدون ) ثم ذكر الحديث إلى آخره
وهذا في الدلالة كالأول
ثم إن أهل البدع لا حرمة لهم ولا غيبة
قال ابن أبي الدنيا في الصمت 231 : حدثني محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن همام ، عن قتادة ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه : ليس لفاجر حرمة
وكان رجل قد خرج مع يزيد بن المهلب
فكان الحسن إذا ذكره هرته
وقوله (فكان الحسن إذا ذكره هرته) يدل على استمرار هذا الحال من التحذير
وتكرره
قال الهروي في ذم الكلام وأهله : لَيْسَ لِأَهْلِ الْبِدَعِ غَيْبَةٌ
684 : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ
التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا شكّرُ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ سَمِعْتُ
أَبَا مُسْهَرٍ
يُسْأَلُ عَنِ الرجل يغلظ وَيَهِمْ وَيُصَحِّفُ فَقَالَ بَيِّنْ أَمْرَهُ
وَقُلْتُ لَهُ أَتَرَى ذَلِكَ مِنَ الْغَيْبَة قَالَ لَا.
وقد رواه ابن حبان في مقدمة المجروحين وهو أبو حاتم التميمي الذي في السند
وقال الذهبي في الميزان :" 4232 : عبد الله بن أبي بكر المقدمي، أخو
محمد.
يروى عن جعفر بن سليمان، وحماد.
قال ابن عدي: ضعيف، حدثناه عنه الحسن بن سفيان، وأبو يعلى، وكان أبو يعلى
كلما ذكره ضعفه"
فتأمل قوله ( كلما ذكره ) وما فيه من الدلالة على التكرار
وقال العقيلي في الضعفاء (2076) يعقوب بن الوليد المديني أبو يوسف حدثنا
عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول يعقوب بن الوليد أبو يوسف من أهل المدينة وكان
من الكذابين الكبار يحد ث عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يأكل البطيخ بالر ب وسمعت أبي مرة أخرى وذكره فقال كتبت عنه وخرقت حديثه منذ دهر كان
يضع الحديث عن هشام بن عروة وأبي حازم وابن أبي ذئب وسمعت أبي غير مرة فذكره فقال كذاب
يضع الحديث"
فتأمل قوله ( غير مرة ) وما فيه من الدلالة على التكرار ، وما يذكره أهل
التخذيل محض تهويل فإن أهل السنة لا يتكلمون في أهل البدع إلا لداعي شرعي ، والكلام
لداعي الرياء في أهل البدع مذمومٌ ابتداءً أو تكراراً
ولا يترك العمل المشروع خوفاً من الرياء
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23/ 174_ 175) :
" ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه
من وجوه
أحدها :
أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها
خوفا من الرياء بل يؤمر بها وبالاخلاص فيها ونحن اذا رأينا من يفعلها أقررناه وان جرمنا
أنه يفعلها رياء فالمنافقون الذين قال الله فيهم :"ان المنافقين يخادعون الله
وهو خادعهم " "واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون
الله الا قليلا" فهؤلاء كان النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقرونهم على ما
يظهرونه من الدين وان كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر لأن الفساد فى ترك اظهار
المشروع أعظم من الفساد فى اظهاره رياء كما أن فساد ترك اظهار الايمان والصلوات أعظم
من الفساد فى اظهار ذلك رياء ولان الانكار انما يقع على الفساد فى اظهار ذلك رئاء الناس
الثانى :
لأن الانكار انما يقع على ما أنكرته
الشريعة وقد قال رسول الله :"انى لم أومر أن انقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم
" وقد قال عمر بن الخطاب :"من أظهر لنا خيرا أحببناه وواليناه عليه وان كانت
سريرته بخلاف ذلك ومن أظهر لنا شرا أبغضناه عليه وان زعم أن سريرته صالحة "
الثالث:
أن تسويغ مثل هذا يفضى الى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير
والدين اذا رأوا من يظهر أمرا مشروعاً مسنوناً قالوا هذا مراء فيترك أهل الصدق والاخلاص
اظهار الأمور المشروعة حذرا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون
الشر ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد
الرابع :
أن مثل هذا من شعائر المنافقين وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة
قال الله تعالى:" الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون
الا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم " فان النبى لما حض على
الانفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز من حملها فقالوا هذا مراء وجاء
بعضهم بصاع فقالوا لقد كان الله غنيا عن صاع فلان فلمزوا هذا وهذا فأنزل الله ذلك وصار
عبرة فيمن يلمز المؤمنين المطيعين لله ورسوله والله أعلم "
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم