مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بحث في تعيين سنن الفطرة

بحث في تعيين سنن الفطرة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد : 

                 
قال مسلم في صحيحه 525- [56-261] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالسِّوَاكُ ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ ، وَنَتْفُ الإِبِطِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ.
قَالَ زَكَرِيَّا : قَالَ مُصْعَبٌ : وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.
زَادَ قُتَيْبَةُ ، قَالَ وَكِيعٌ : انْتِقَاصُ الْمَاءِ : يَعْنِي الاِسْتِنْجَاءَ.

هذا الحديث وإن كان في صحيح مسلم إلى أنه قد تكلم فيه عدد من الحفاظ

وسبب الكلام أن مصعب بن شيبة ضعفه جمع
قال المزي في تهذيب الكمال :" قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل : روى أحاديث مناكير .
و قال إسحاق بن منصور ، عن يحيى بن معين : ثقة .
و قال أبو حاتم : لا يحمدونه ، و ليس بقوى .
و قال محمد بن سعد : كان قليل الحديث .
و قال النسائى فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث .
و قال فى موضع آخر : فى حديثه شىء .
روى له الجماعة سوى البخارى . اهـ "

وزاد في التهذيب :" و قال الدارقطنى : ليس بالقوى ، و لا بالحافظ .
و روى عن طلق بن حبيب ، عن ( ابن ) الزبير ، عن عائشة ، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان يأمر بالغسل من الجنابة ، و الحجامة ، و ( من ) غسل الميت ، و يوم الجمعة " .
قال أبو داود بعد تخريجه : ضعيف .
و قال ابن عدى : تكلموا فى حفظه .
و قال العجلى : ثقة . اهـ "

وقد استنكر العقيلي هذا الحديث بعينه على مصعب

ولهذا قال في التقريب :" لين الحديث " ، ومع ضعفه هذا فقد خولف فروي الخبر مقطوعاً على طلق بن حبيب

وجاء في العلل للدارقطني :" 3443 - وسُئِل عَن حَدِيثِ عَبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ ، عَن عائِشَة ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم : عَشرٌ مِن الفِطرَةِ ، قَصُّ الشّارِبِ الحَدِيث.
فَقال : يَروِيهِ طَلقُ بن حَبِيبٍ ، واختُلِفُ عَنهُ فَرَواهُ مُصعَبُ بن شَيبَة ، عَن طَلقِ بنِ حَبِيبٍ ، عَن عَبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ ، عَن عائِشَة ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم وخالَفَهُ سُلَيمانُ التَّيمِيُّ ، وأَبُو بِشرٍ جَعفَرُ بن إِياسٍ ؛
فَرَوياهُ عَن طَلقِ بنِ حَبِيبٍ ، قال : كان يُقالُ : عَشرٌ مِن الفِطرَةِ ، وهُما أَثبَتُ مِن مُصعَبِ بنِ شَيبَة وأَصَحُّ حَدِيثًا"

وقال الدارقطني في الإلزامات والتتبع ص339 :" 182- وأخرجا جميعاً حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) : "عشر من الفطرة".قال أبو الحسن: خالفه رجلان حافظان: سليمان وأبو بشر روياه عن طلق بن حبيب من قوله.
قاله معتمر عن أبيه وأبو عوانة عن أبي بشر، ومصعب منكر الحديث، قاله النسائي"

قول الدارقطني ( أخرجا جميعاً ) فيه نظر فإن مسلماً هو الذي خرج مسلم ، ولم يخرجه البخاري

قال النسائي في سننه 5056 : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ طَلْقًا يَذْكُرُ عَشْرَةً مِنْ الْفِطْرَةِ السِّوَاكَ وَقَصَّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَغَسْلَ الْبَرَاجِمِ وَحَلْقَ الْعَانَةِ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَأَنَا شَكَكْتُ فِي الْمَضْمَضَةِ
4956 : أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ عَشْرَةٌ مِنْ السُّنَّةِ السِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَوْفِيرُ اللِّحْيَةِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالْخِتَانُ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَغَسْلُ الدُّبُرِ قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَجَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ وَمُصْعَبٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ

وقال ابن عبد البر في التمهيد :" روت عائشة وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم عشر من الفطرة منها قص الشارب وفي إسناديهما مقال"

قال ابن التركماني في الجوهر النقي :" تركه البخاري وهو حديث معلول رواه سليمان التيمي عن طلق عن طلق مرسلا كذا قال ابن مندة ومصعب وان وصله لكنه متكلم فيه وان اخرج له مسلم * قال ابن حنبل روى احاديث مناكير وقال أبو حاتم لا يحمدونه وليس بقوى والتيمي اتفق عليه الشيخان قال شعبة ما رأيت احدا اصدق منه فهو أجل من مصعب بلا شك ثم ذكر (حديث عمار ابن ياسر عشر من الفطرة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وقد تقدم في باب منع التطهير بالنبيذ انه ذكر تضعيفه"

فتحصل عندنا أن هذا الجمع من الحفاظ وغيرهم يضعفون هذا الخبر ويجعلونه من كلام طلق ، ومن تعقبهم بأن مصعباً صدوق ، تعقبه متعقب بأنه حتى الصدوق إذا خالف الثقات تستنكر روايته وقال الإمام مسلم نفسه في التمييز ص189:" الزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في الحفظ "

وليس هذا حال مصعب بن شيبة

وللخبر شاهد من حديث عمار بن ياسر

قال أحمد في مسنده 18327 : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ ، أَوِ الْفِطْرَةُ، الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَالسِّوَاكُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَالِاخْتِتَانُ ، وَالِانْتِضَاحُ "
وهذا سندٌ ضعيف جداً
قال ابن حبان في المجروحين :" 424 - سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ بْن يَاسر كنيته أَبُو عُبَيْدَة روى عَنْهُ عَلِي بْن زَيْد مُنكر الْحَدِيث يَرْوِي عَن جده عمار بْن يَاسر وَلَمْ يره وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ إِذَا وَافق الثِّقَات لإرساله الْخَبَر فَكيف إِذَا انْفَرد سَمِعْتُ الْحَنْبَلِيَّ يَقُولُ سَمِعت أَحْمَد بْن زُهَيْر يَقُول سُئِلَ يَحْيَى بْن معِين عَن سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَن عمار الْفطْرَة الْمَضْمَضَة قَالَ مُرْسل"

وفيه أيضاً علي بن زيد بن جدعان وقد انفرد بذكر الانتضاح ولم يذكر قلص الماء ولا إعفاء اللحية

وحتى لو كان ضعفه محتملاً فلا يصلح لتقوية خبر طلق بن حبيب إذ أنه لم يرسله بل جعله من كلامه ، ولو أرسله فهو مرسل تابعي صغير

وقال البخاري في صحيحه 5889 : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ

وقال أيضاً 5890 : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ

لم يذكر هنا السواك ولا غسل البراجم ولا إعفاء اللحية ولا قلص الماء ولا الانتضاح

فخلاصة البحث أننا إذا وافقنا من ضعف الحديث الذي في صحيح مسلم من الحفاظ فإننا نقول سنن الفطرة الثابتة

1- الختان
2- حلق العانة
3- نتف الإبط
4- تقليم الأظافر
5- قص الشارب

وأما ما لم يثبت أنه من سنن الفطرة
1- السواك
2- إعفاء اللحية
3- الانتضاح
4- قلص الماء ( الاستنجاء )
5- غسل البراجم

وقولي أنه لم يصح أنها من سنن الفطرة لا يعني أنني أنكر مشروعيتها بل وجوب بعضها كإعفاء اللحية ، وقولي أنه لا يثبت يعني في المرفوع وإلا الخمس الأخيرة ثبتت من قول طلق
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي