مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على «سليمان العلوان» في خلطه بين الخوارج والبغاة

الرد على «سليمان العلوان» في خلطه بين الخوارج والبغاة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           

سئل سليمان العلوان كما في شرحه على الواسطية: "سؤال: ما الفرق بين البغاة والخوارج؟

الإجابة: هناك فرق بين البغاة والخوارج، وهذا في الحقيقة من الأشياء التي وجدت في هذا العصر ووجد خلط فيها، فالخوارج هم الذين يكفرون بمطلق الذنوب كما تقدم الحديث عنهم ، أما البغاة فليسوا بخوارج؛ البغاة هم من يخرجون على الإمام بالسلاح، هؤلاء لا يسمون خوارج، يسمون بغاة، لذلك أجمع العلماء على أنه ينظر في شبههم وينظر في مطالبهم وتحقق إن كانت شرعية، الآن وجد في هذا العصر خلط للجهل أو للهوى، يسمون هؤلاء خوارج وهذا ليس بصحيح؛ ليس له أصل".

لم يجعل سليمان العلوان فرقاً بين الخوارج والبغاة سوى أن الخوارج يكفرون بالذنوب، ومعنى هذا حصر مسمى الخوارج في الذين يكفرون بالذنوب، ومع ذلك هو لا يحصر مسمى المرجئة في الذين يقولون (الإيمان لا يزيد ولا ينقص والعمل ليس من الإيمان).

قال البربهاري في شرح السنة: "ومن قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره.
ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره".

فاشترط للبراءة من قول الخوارج عدة خروج ليس منها عدم التكفير بالذنوب فتأمل.

فإن قلت : ما الفرق بين البغاة والخوارج ؟

قد صح التفريق من سيرة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ، فقد قال قتال من رآهم بغاة: "رأي رأيته"
وأما في قتال الخوارج فقد كان يذكر فضل قتالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغتبط لذلك ويرجو ثوابه
 قال ابن أبي شيبة في المصنف [ 39035]: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.
أقول : نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ، ولكن قال روايته عن علي وردت من وجهٍ ضعيف ، ولعله يعني المرفوع ، فإن السند هنا قوي إلى يزيد .
وجعفر بن برقان نص الإمام أحمد على أنه ثبت في حديث الأصم.

قال عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند [ 1271 ]: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ أَبُو مَعْمَرٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَلِيٍّ : أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ هَذَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ : مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا ؟ قُلْتُ : دِينَنَا دِينَنَا .
قَالَ : مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ .
أقول : هذا قاله علي في حربه مع معاوية ، أما حربه مع الخوارج فقد تقدم اغتباطه بذلك وذكره للأحاديث في فضل قتالهم ، وخبر ذي الثدية معروف مشهور .


وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية؛ قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (35/ 55):
"وكان علي رضي الله عنه مسرورا لقتال الخوراج و يروي الحديث عن النبى صلى الله عليه و سلم فى الأمر بقتالهم و أما قتال صفين فذكر أنه ليس معه فيه نص و إنما هو رأي رآه و كان أحيانا يحمد من لم ير القتال".

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 415) أيضاً:
 "وهؤلاء يجب قتالهم باجماع المسلمين كما قاتل الصديق ما نعى الزكاة بل هؤلاء شر منهم من وجوه وكما قاتل الصحابة أيضا مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الخوارج بأمر رسول الله حيث قال صلى الله عليه وسلم فى وصفهم: ((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية اينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة))، وقال: ((لو يعلم الذين يقاتلون ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل وقال هم شر الخلق والخليقة شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه))، فهؤلاء مع كثرة صيامهم وصلاتهم وقرائتهم أمر النبي بقتالهم
 وقاتلهم أمير المؤمنين علي وسائر الصحابة الذين معه ولم يختلف احد فى قتالهم كما اختلفوا فى قتال اهل البصرة والشام لأنهم كانوا يقاتلون المسلمين فان هؤلاء شر من اولئك من غير وجه وان لم يكونوا مثلهم في الاعتقاد فان معهم من يوافق رأيه في المسلمين رأي الخوارج".

وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (35/54):
 "ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مِثْلَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِ وَلَا فِسْقٍ؛ بَلْ مُجْتَهِدُونَ: إمَّا مُصِيبُونَ وَإِمَّا مُخْطِئُونَ. وَذُنُوبُهُمْ مَغْفُورَةٌ لَهُمْ. وَيُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْبُغَاةَ لَيْسُوا فُسَّاقًا فَإِذَا جُعِلَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ سَوَاءً لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْخَوَارِجُ وَسَائِرُ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْبَاقِينَ عَلَى الْعَدَالَةِ سَوَاءً؛ وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ بِفِسْقِ الْبُغَاةِ وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ".

وقد اجتهد أهل العلم في بيان الفروق بين الطائفتين وخلاصة كلام الأئمة أن البغاة لهم أربعة شروط:
الأول: أن يكون لهم تأويل سائغ ، ويعنون ألا يكون داعي خروجهم تكفير المسلمين أو نقض البيعة كالخوارج، قال صاحب البهجة الوردية: "خَرَجَ بِذَلِكَ الْمُخَالِفَةُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا ، أَوْ بِتَأْوِيلِ بَاطِلٍ قَطْعًا كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ ، وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ ، وَالْخَوَارِجِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ"، ويخرج قطاع الطريق الذين خرجوا للإفساد.

الثاني: أن يكون لهم شوكة ومنعة، وبهذا الشرط يخرج قطاع الطريق ، فالمراد بالشوكة أن يكون عندهم جيش يقارن جيش الإمام؛ قال في الروض المربع :" فإن كانوا جمعا يسيرا لا شوكة لهم أو لم يخرجوا بتأويل أو خرجوا بتأويل غير سائغ، فقطاع طريق".

الثالث: أن يكونوا خارج قبضة الإمام المسلم.

الرابع: أن يكون لهم إمام نصبوه (وهذا الشرط فيه خلاف).

قال الجويني في نهاية المطلب (17/ 126): "وقد قال الفقهاء: البغاة هم الذين يستجمعون أوصافاً: إحداها - التمسك بتأويل مظنون يزعمون أنه حاملهم على الخروج على الإمام والانسلال عن متابعته، هذا لا بد منه. والثاني - أن يرجعوا إلى شوكة ومَنعة، فهذان معتبران.
وقال معظم الأئمة في الطرق: يشترط أن ينصبوا إماماً بينهم، ويُسندوا إليه أحكامَهم، ويصدر عنه نصبُ القضاة والولاة، وذكر العراقيون هذا وحكَوْه عن بعض الأصحاب، ثم زيّفوه، وزعموا أنه لا يشترط أن ينتهى بَغْيُهم إلى نصب إمام.
وذكروا وصفاً آخر فقالوا: من أوصاف البغاة ألا يكونوا في قبضة الإمام، ثم فسروا ذلك بألا يكونوا بمكان يحيط بهم جند الإمام من جوانبهم، والشرط أن يكونوا على طرفٍ لا يحيط به نَجْدة الإمام. هذا ما ذكروه".

وقال الشيرازي في المهذب: "إذا خرجت على الامام طائفة من المسلمين ورامت خلعه بتأويل أو منعت حقا توجه عليها بتأويل، وخرجت عن قبضة الامام وامتنعت بمنعة، قاتلها الامام لقوله عزوجل (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله)".

والشيرازي والجويني ليسا من المعتد بهم عند أهل السنة ولكنهما لخصا كلام الفقهاء تلخيصاً جيداً ويعتد بهما المخالف 

وشروط البغاة لا تكاد تنطبق على أحد من الخارجين اليوم فعامتهم يخرجون بلا شوكة ولا منعة فيما يسمى بالمظاهرات السلمية وما سواها ، وعامتهم يخرجون تحت قبضة الحاكم ولا يكون عندهم حاكم مولى وعامتهم دخلت عليهم شبهات الخوارج أو شبهات الديمقراطية 

فالعلماني كافر ولا شك ولكن لا يخرج عليه باسم الديمقراطية أو بدون قدرة ليفتك بالمسلمين




هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي