مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: يا أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي : ذم الجدل الخصومات في الدين

يا أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي : ذم الجدل الخصومات في الدين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فإن المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يرى من سماتها البارزة الجدل في أمر الدين ، وكثر ذلك من السلفيين فضلاً عن غيرهم

وليعلم أن أمر الدين عظيم في النفوس لا ينبغي لأحد أن يتكلم فيه إلا بالدليل الشرعي بالفهم السلفي لا بالرأي المحض أو التحليلات أو الفلسفات ، فالأمر ليس كتحليل كرة القدم أو التحليلات السياسية ! الكل يدلي بدلوه ، بل الجاهل يجب أن يسكت ويحال بينه وبين الكلام ويوعظ إذا تكلم بجهل

وليس كل مبطل ترد عليه وتناقشه وسأذكر مجموعة من الآثار السلفية في هذا الباب عسى أن ينفع الله عز وجل بها

قال ابن بطة في الإبانة 404 : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، قال : حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن هارون ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، قال : قال رجل لابن سيرين : إن فلانا يريد أن يأتيك ، ولا يتكلم بشيء قال : قل لفلان : لا ما يأتيني ، فإن قلب ابن آدم ضعيف ، وإني أخاف أن أسمع منه كلمة ، فلا يرجع قلبي إلى ما كان

فهذا ابن سيرين في علمه وورعه يخاف على نفسه فما بال كثير من الشباب يحسنون الظن بأنفسهم إلى درجة لم يصلها من خير منهم بل خير من كل أهل عصرهم

وقال ابن بطة في الإبانة 652 : حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر قال : حدثنا أبو حاتم ، قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : سمعت محمد بن سيرين   ينهى عن الجدال إلا رجلا إن كلمته يرجع  

فهذا شرط مهم إن جوزنا المناظرة وهي كأكل الميتة لا تجوز إلا في أضيق الحدود .
 ومن أين لك اليوم أن تعرف أن هذا الذي تكلمه يريد الحق ؟

وأنت بينك وبينه مفاوز وإنما الأمر من خلال تلك الأجهزة الحديثة


قال اللالكائي في السنة (1/15) : "ثم أنه من حين حدثت هذه الآراء المختلفة في الإسلام وظهرت هذه البدع من قديم الأيام وفشت في خاصة الناس والعوام واشربت قلوبهم حبها حتى خاصموا فيها بزعمهم تدينا او تحرجا من الآثام لم تر دعوتهم انتشرت في عشرة من منابر الإسلام متوالية ولا أمكن أن تكون كلمتهم بين المسلمين عالية أومقالتهم في الإسلام ظاهرة بل كانت داحضة وضيعة مهجورة وكلمة أهل السنة ظاهرة ومذاهبهم كالشمس نايرة ونصب الحق زاهرة وأعلامها بالنصر مشهورة وأعداؤها بالقمع مقهورة ينطق بمفاخرها على أعواد المنابر وتدون مناقبها في الكتب والدفاتر وتستفتحبها الخطب وتختم ويفصل بها بين الحق والباطل ويحكم وتعقد عليها المجالس وتبرم وتظهرعلى الكراسي وتدرس وتعلم ومقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر أو بشيطان معاند فاجر يضل الناس خفيا ببدعته أو يقهر ذاك بسيفه وسوطه أو يستميل قلبه بماله ليضله عن سبيل الله حمية لبدعته وذبا عن ضلالته ليرد المسلمين على أعقابهم ويفنهم عن أديانهم بعد أن استجابوا لله وللرسول طوعا وكرها"

وقد ذكر قوام السنة الأصبهاني كلاماً نحواً من هذا فاحذر أن تكون بمناظرتك قد شهرت مبتدعاً مغموراً ومكنته من أسماع الناس بعد أن كان الناس بمعزل وأمان من بلائه

وقال الخلال في السنة (4/ 23) : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّرَسُوسِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَرَّاحِ الْجُوزَجَانِيُّ , قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْنَا وَإِلَيْكَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا , وَسَلَّمَكَ وَإِيَّانَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِرَحْمَتِهِ , وَاتَّفَقَا مِنْ هَاهُنَا , أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَا يُذْكَرُ مِنَ احْتِجَاجِ مَنِ احْتَجَّ مِنَ الْمُرْجِئَةِ , وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الدِّينِ لَيْسَتْ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَأَنَّ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ بِلاَ سُنَّةٍ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهَا أَوْ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ أَثَرٍ , قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : أَوْ أَثَرٍ عَنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ أَصْحَابِهِ , فَهُمْ شَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشَهِدُوا تَنْزِيلَهُ , وَمَا قَصَّهُ لَهُ الْقُرْآنُ , وَمَا عُنِيَ بِهِ , وَمَا أَرَادَ بِهِ , وَخَاصٌّ هُوَ أَوْ عَامٌّ , فَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى ظَاهِرٍ بِلاَ دَلاَلَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ , فَهَذَا تَأْوِيلُ أَهْلِ الْبِدَعِ , لأَنَّ الآيَةَ قَدْ تَكُونُ خَاصَّةً وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمًا عَامَّا , وَيَكُونُ ظَاهِرُهَا عَلَى الْعُمُومِ , فَإِنَّمَا قَصَدَتْ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ , وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعَبِّرُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

فتأمل قوله ( وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الدِّينِ لَيْسَتْ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ السُّنَّةِ) يعني بذلك مناظرة كل أحد في أي شيء كما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم وهذا لا يجيزه أحد

وقال الخلال في السنة 1793: وَأَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الْمُطَوِّعِيُّ , قَالَ : حَضَرْتُ بَابَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , فَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ وَانِ الْقُطْنِ , فَقَالُوا : إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً قَدْ عَلِقَ بِقَلْبِهِ مَذْهَبُ ابْنِ الأَشْعَثِ , وَقَالَ : إِنَّهُ مَا قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَأَنَا أَصِيرُ إِلَيْهِ . فَقَالَ : جِيئُوا بِهِ . فَجَاءَ الرَّجُلُ , فَقَالَ أَحْمَدُ : مَا لَكُمْ وَلِلْجَدَلِ ؟ مَا لَكُمْ وَلِلْكَلاَمِ ؟ مَا لَكُمْ وَلِلْخُصُومَةِ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا , تَنْهَى عَنِ الْجِدَالِ وَعَنِ الْكَلاَمِ وَعَنِ الْخُصُومَةِ . فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاؤُوا بِهِ : إِنَّ هَذَا السَّاعَةَ يَذْهَبُ فَيَقُولُ : ذَهَبْتُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَنَهَانِي عَنِ الْجِدَالِ , وَالْكَلاَمِ , وَالْخُصُومَةِ , وَيَسْكُتُ عَلَى الشَّكِّ , فَقَالَ أَحْمَدُ : مَنْ شَكَّ فَهُوَ كَافِرٌ.

وقال الإمام أحمد في مسنده 6741 : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَدَارَءُونَ، فَقَالَ:  إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا، وَمَا جَهِلْتُمْ، فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ.

فالجدل في الدين على وجه المغالبة مظنة هلاك ، فالجاهل يسأل ولا يناظر والعالم يتكلم بما عنده والناس عالم وجاهل لا ثالث لهما

وقال عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد 1425: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ : قَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ : إِيَّاكُمْ وَالْمِرَاءُ فَإِنَّهَا سَاعَةُ جَهْلِ الْعَالِمِ وَبِهَا يَبْتَغِي الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُ.

نعم هي ساعة جهل العالم فقد يحمله الانتصار لنفسه على أن يحرف بعض المعاني الشرعية أو يستكبر عن الرجوع عن الخطأ لئلا يفرح مناظره

والمرجئة اضطرهم إلى رأيهم الخصومات

كما ورد عن بعض السلف أن المرجئة اضطرهم إلى رأيهم الخصومات ، أي أنهم كانوا يناظرون الخوارج فحملتهم الخصومة على أن ابتدعوا مذهباً مناقضاً لمذهب الخوارج عناداً وفجوراً في الخصومة

وهذا الجهم بن صفوان اضطره إلى مذهبه السوء الذي فتن به خلقاً كثيراً من هذه الأمة إلى يومنا هذا ، أنه ناظر السمنية وهو جاهل فلم يستطع الرد عليهم حتى ابتدع بدعته في نفي الصفات

وهذه مغبة المناظرة على جهل

وما وقع للسلف من مناظرات لا يخرج عن اجتماع عدة أمور فيه

الأول : أن يكون ذلك في حالة اضطرار كالمناظرة عند السلطان كما حصل للإمام أحمد

الثاني : أن يكون المناظر من أهل السنة عالماً أو متمكناً من مادته فإن المناظرة بمنزلة المبارزة التي تكون قبل التحام الجيشين لنتجيتها أثر نفسي على الجيش فلا يخرج إليها إلا القوي الصنديد

الثالث : أن يكون المناظر من أهل البدع ممن يرجى رجوعه كما نبه على هذا المعنى ابن سيرين

الرابع : أن يكون المناظر من أهل السنة سالماً من حظوظ النفس

الخامس : أن يكون المرجع عند المناظرة إلى الكتاب والسنة ، ولهذا كان الشافعي يكره محاورة أهل الكلام بل يكره التصنيف في الرد عليهم ، مع أنه كان يناظر أهل الرأي الذين هم مع بعدهم عن الأثر يقرون بالاحتجاج بالسنة في الجملة على منهج لهم غريب في ذلك أظهر الشافعي تناقضه وضعفه في كتابه الرسالة

السادس : لم يكن من ديدن السلف المناظرة في مسائل الاعتقاد والثوابت السنية ، ومن كان ديدنه المناظرات في العقيدة أو غيرها لا يسلم من حظوظ في الغالب وقل أن تجد رجلاً مثل الشافعي يقول ( ما ناظرت أحداً وتمنيت أن يخطيء ) بل اليوم يتمنى له العطب ليظهر الانتصار عليه

فإن كان الأمر على غير ما ذكرت فحال المناظرة كما وصف البربهاري

قال البربهاري في شرح السنة [10] والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشك في القلب، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة.
قال أبو نعيم في الحلية [ 4/222 ]: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } [المائدة: 14] قَالَ: أَغْرَى بَيْنَهُمْ فِي الْخُصُومَاتِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ .

وقال ابن سعد في الطبقات [ 9181 ] : قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ : مَا خَاصَمْتُ رَجُلاَّ قَطُّ .

والشباب السلفي أحوج ما يكونون اليوم إلى طلب العلم وتأصيل أنفسهم والعاقل لا يحاول إصلاح الناس بإفساد نفسه

والعمر قصير والوقت نفيس فيا خسران من أنفقه بالخصومات وانشغل بذلك عن العلم النافع

وأخيراً أنبه على نقطة التعصب للشيوخ فإن بعض الناس ينافح عن شيخه أمام كل من تكلم فيه دون النظر إلى الكلام هل هو حق أم باطل .
 فإن كان حقاً فالبر كل البر بالشيخ أن تذهب إليه وتنصحه بالأسلوب المناسب وإن لم يعجبك أسلوب المنتقد أو شككت في نيته فإن الحق لا يترك لباطل .
وأما إن كان الشيخ مظلوماً فدافع عنه بالحق والإنصاف لأنه مظلوم لا لأنه شيخك .
 فكما أن عندك شيخ تحبه فغيرك كذلك وإذا تعصب كل شخص لشيخه انتهينا إلى فرقة وحزبية مقيتة .
 وهكذا دافع عن كل مسلم تحققت أنه مظلوم عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) ، ونصرة الظالم بأن تأخذ على يده وإن كان شيخك أو أخاك الذي تحب وما سوى ذلك جاهلية وحزبية لا تجتمع مع السلفية
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي