الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/386) :" وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي
دَاوُد فِي كِتَابِ التَّفَرُّدِ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَزَادَ فِي الْمَتْنِ
: { أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا } وَقَالَ بَعْدَهُ : لَيْسَ يُرْوَى فِي حَدِيثٍ
صَحِيحٍ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ أَرْبَعًا
إلَّا هَذَا ، فَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ
لَكِنَّ أَبَا حَاتِمٍ إمَامٌ
لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ ، وَأَظُنُّ
الْعِلَّةَ فِيهِ عَنْعَنَةَ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَعَنْعَنَةَ شَيْخِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ
إنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ هُوَ الْوُحَاظِيَّ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ "
تأمل قول ابن حجر ( لَكِنَّ أَبَا حَاتِمٍ إمَامٌ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ
بِالْبُطْلَانِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ)
فهذه مكانة أبي حاتم في نفس ابن حجر ، لأنه خبر سعة علم هذا الرجل وقوة
نقده ، وكيف أنه يستظهر من متون الأخبار وأسانيدها ما يدفعه للحكم عليها بالبطلان بما
لا يفهمه كثيرون
قال ابن رجب في شرح علل الحديث (1/499) :" قال أبو حاتم : (( وجرى
بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته ، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها ، وكنت
أذكر أحاديث خطأ وعللها ، وخطأ الشيوخ ، فقال لي : يا أبا حاتم قل من يفهم هذا ، ما
أعز هذا ، إذا رفعت هذا عن واحد واثنين ، فما أقل ما تجد من يحسن هذا ! )) "
وأضرب مثالين لدقة نقد هذا الإمام الجبل
قال ابن أبي حاتم في العلل :" 1410/أ- وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ ؛ رواهُ
يعقُوبُ بن سُفيان ، عن سُليمان بن عَبدِ الرّحمنِ الدِّمشقِيِّ ، حدّثنا مُعاوِيةُ
بن صالِحٍ ، عن مُحمّدِ بن حربٍ ، عن بحِيرِ بن سعدٍ ، عن خالِدِ بن معدان ، عن كثِيرِ
بن مُرّة ، عن نُعيمِ بن همّارٍ ، عنِ المِقدامِ بن معدِي كرِبٍ ، عن أبِي أيُّوب الأنصارِيِّ
، عن عوفِ بن مالِكٍ الأشجعِيِّ ، قال : خرج علينا رسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ
وَسَلَّمَ بِالهجِيرِ ، وهُو مرعُوبٌ ، فقال : أطِيعُونِي ما دُمتُ بين ظهرانيكُم ،
وعليكُم بِكِتابِ اللهِ ، وأحِلُّوا حلالهُ ، وحرِّمُوا حرامهُ.
فقال : هذا حدِيثٌ باطِلٌ"
وهذا السند رجاله ثقات ولكن المتن فيه ( أطيعوني ما كنت بين أظهركم ) ومفهومه
أنني إذا زلت من بين أظهركم فلا تطيعوني
وفي سنده غرابة شديدة ففيه أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض
وقال ابن أبي حاتم في العلل :" 652- وسألتُ أبِي ، وأبا زُرعة ، عَن
حدِيثٍ ؛ رواهُ عبدُ الرّزّاقِ ، عن جعفرِ بن سُليمان ، عن ثابِتٍ ، عن أنسٍ أنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كان يُفطِرُ على التّمرِ ، فإِن لم يجِد فعلى الماءِ
الحدِيث.
فقالا : لاَ نعلمُ روى هذا الحدِيث غير عَبدِ الرّزّاقِ ، ولاَ ندرِي مِن
أين جاء عبدُ الرّزّاقِ ؟.
قلت : وقد رواهُ سعِيدُ بن سُليمان النّشِيطِيُّ ، وسعِيدُ بن هُبيرة ؟.
فقال أبِي : لاَ يُسقى بِالنّشِيطِيِّ ، وسعِيدِ بن هُبيرة شربةٌ مِن ماءٍ
مثلا.
قال أبُو زُرعة : لاَ أدرِي ما هذا الحدِيثُ ، لم يرفعهُ إِلاَّ مِن حدِيثِ
عَبدِ الرّزّاقِ"
وعبد الرزاق نص الذهبي في تاريخ الإسلام على أنه إذا انفرد بأصل مرفوع
فهو منكر
وجعفر عن ثابت تكلم فيها ابن المديني ، وانتقد ابن عمار مسلماً على تخريجه
حديثاً من هذه السلسلة
غير أن متن الخبر أيضاً فيه غرابة إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
بيته يخلو من التمر فإن جيرانه من الأنصار أهدوا إليه نخلات ، تركها لهم لما فتح الله
عليه خيبر
قال البخاري في صحيحه 2567 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ
لِعُرْوَةَ ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ
ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ فَقُلْتُ يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ
قَالَتْ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ
مَنَائِحُ وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا
وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 161) :" فما له علة سوى الانقطاع،
فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل، ولا يقال: اكتفى بالمعاصرة، لأن محل
ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع مثل ابن
المديني، والله أعلم"
فهنا ينص على أنه لا يكتفى بالمعاصرة إذا نفى إمام واسع الاطلاع كابن المديني
السماع
فيقال : أليس يحتمل أن يكون نفيه راجعاً إلى مذهبه المتشدد في السند المعنعن
فيجاب بأن هذا المذهب ليس مدفوعاً يقيناً وهؤلاء الأئمة لهم ألفاظ دقيقة
فإذا قال ( لا أعلمه سمع ) فهذا توقف قد يكون مبنياً على هذا المذهب ، وأما إذا قال
( لم يسمع ) فهذا جزم لا يقدم عليه إمام إلا ببينة والمعاصرة لا يجهلها مثلهم
والبينة كأن يروي عنه بواسطة ولا يصرح بالسماع في موطن آخر
أو يعرف من التباعد القطري عدم السماع أو من سيرة الراويين يعلم متى دخل
هذا البصرة ومتى خرج هذا منها مثلاً
جاء في ترجمة إسماعيل بن عبد الكريم من التهذيب :" ثقة رجل صدق والصحيفة
التي يرويها عن وهب عن جابر ليست شيء إنما هو كتاب وقع إليهم ولم يسمع وهب من جابر
شيئا "
ثم قال ابن حجر :" وقد روى بن خزيمة في صحيحه عن الذهلي عنه عن إبراهيم
بن عقيل عن وهب قال هذا ما سألت جابر بن عبد الله فذكر حديثا قال فهذا إسناد صحيح
وفيه رد على من قال أنه لم يسمع من جابر وصحيفة همام عن أبي هريرة مشهورة
ووفاته قبل وفاة جابر فكيف يستنكر سماعه منه وكانا جميعا في بلد واحد
قلت أما إمكان السماع فلا ريب
فيه ولكن هذا في همام فأما أخوه وهب الذي وقع فيه البحث فلا ملازمة بينهما ولا يحسن
الاعتراض على ابن معين بذلك الإسناد فإن الظاهر أن ابن معين كان يغلط إسماعيل في هذه
اللفظة عن وهب سألت جابر أو الصواب عنده عن جابر والله أعلم"
فتأمل قوله ( ولا يحسن الاعتراض على ابن معين بذلك الإسناد فإن الظاهر
أن ابن معين كان يغلط إسماعيل في هذه اللفظة)
وهذه منهجية عند ابن حجر أنه لا يتعقب الأئمة بالأمور التي لا تخفى عليهم
وهذا كله ذكرته إلزاماً لأولئك الذين يعظمون ابن حجر ويجعلونه محنة مع كل ما عنده من التجهم والقبوريات والإرجاء والجبر ثم لا يتبعونه في أمور أصاب فيها فسبحان الله
وهذا كله ذكرته إلزاماً لأولئك الذين يعظمون ابن حجر ويجعلونه محنة مع كل ما عنده من التجهم والقبوريات والإرجاء والجبر ثم لا يتبعونه في أمور أصاب فيها فسبحان الله
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم