مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من تناقضات الأشاعرة

من تناقضات الأشاعرة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                  
قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (5/ 285) :
" ومن العجائب أنك تجد أكثر الغلاة في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم أبعد الطوائف عن تصديق خبره وطاعة مره وذلك مثل الرافضة والجهمية ونحوهم ممن يغلون في عصمتهم وهم مع ذلك يردون أخباره وقد اجتمع كل من آمن بالرسول على أنه معصوم فيما يبلغه عن الله فلا يستقر في خبره خطأ كما لا يكون فيه كذب فإن وجود هذا وهذا في خبره يناقض مقصود الرسالة ويناقض الدليل الدال على أنه رسول الله "

يريد شيخ الإسلام أن الأشاعرة يغلون في مسألة عصمة الأنبياء فيقولون ( معصومون حتى من الصغائر ) فيظن الظان أنهم يعظمون الأنبياء ، فإذا جاء الأمر إلى الإيمان بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن صفات الله عز وجل الذي هو معيار الإيمان ، قالوا ( هذه أخبار آحاد لا تعتمد في العقيدة ) أو ( قالوا هذه ظواهر لا يعتمد عليها في معارضة العقل ) فظهر عدم تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم لردهم لأخباره الذي هو أساس الإيمان بالرسالة

وأشر من هؤلاء الصوفية القبورية الذين يعبدون رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون الله عز وجل ، ثم هم بعد ذلك جهمية يردون أخباره في الصفات

فخالفوا مقتصى شهادة أنه عبد الله ورسوله فمقتضاها أنه عبد لا يعبد ، ورسول لا يكذب ، وهم عبدوه وكذبوه

قال شيخ الإسلام في الرد على الأخنائي ص227 :" وحينئذ فأعظم أحوال الناس مع الأنبياء وأفضلها وأكملها هو حال الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما أبو بكر وعمر وهو تصديقه في كل ما يخبر به من الغيب وطاعته وامتثال أمره في كل ما يوجبه ويأمر به .
وأن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وأهله وماله وأن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب اليه مما سواهما وأن يتحرى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيعبد الله بما شرعه وسنه من واجب ومستحب .
لا يعبده بعبادة نهى عنها وببدعة ما أنزل الله بها من سلطان وإن ظن أن في ذلك تعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما لقدره .
كما ظنه النصارى في المسيح وكما ظنوه في اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وكما ظن الذين اتخذوا الملائكة والنبيين أربابا 
فان الأمر بالعكس بل كل عبد صالح من الملائكة والأنبياء فانما يحب ما أحبه الله من عبادته وحده وإخلاص الدين له ويوالي من كان كذلك ويعادي من أشرك ولو كان المشرك معظما له غاليا فيه فان هذا يضره ولا ينفعه لا عند الله ولا عند الذي غلا فيه أشرك فيه واتخذه ندا لله يحبه كحب الله واتخذه شفيعا يظن أنه إذا استشفع به يشفع له بغير إذن أو اتخذه قربانا يظن أنه إذا عبده قربه إلى الله فهذه كلها ظنون المشركين قال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } وقال تعالى { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقال تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وقال تعالى { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } إلى قوله { يفترون } وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه { وأنذر عشيرتك الأقربين } فقال يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا سليني من مالي ما شئت وفي الصحيحين أنه قال ألا لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر أو رقاع تخفق يقول يا رسول الله أغثني أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك وهذا باب واسع "

وهذا كلام جليل لا مزيد في معنى الاتباع وحقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم

قال الزركشي في البحر المحيط (1/ 29) :" وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّلَائِلِ اللَّفْظِيَّةِ هَلْ تُفِيدُ الْقَطْعَ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : نَعَمْ .
وَحَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ " عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا لَا تُفِيدُ .
وَالثَّالِثُ : وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيَّ أَنَّهَا تُفِيدُ الْقَطْعَ إنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرَائِنُ مُشَاهَدَةٌ ، أَوْ مَعْقُولَةٌ كَالتَّوَاتُرِ وَلَا يُفِيدُ الْيَقِينَ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ أُمُورٍ عَشَرَةٍ : عِصْمَةِ رُوَاةِ نَاقِلِيهَا ، وَصِحَّةِ إعْرَابِهَا ، وَتَصْرِيفِهَا ، وَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ ، وَالْمَجَازِ ، وَالتَّخْصِيصِ بِالْأَشْخَاصِ ، وَالْأَزْمَانِ ، وَعَدَمِ الْإِضْمَارِ ، وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ اللَّفْظِيِّ ، قِيلَ : وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسْخَ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَهُ فِي التَّخْصِيصِ بِالْأَزْمَانِ ."

فانظر إلى هذه الشروط وضعها الرازي لإفادة الأدلة ( قرآناً وسنة) القطع ، لا تنطبق على أي نص

وهذا إسقاط منه للنصوص

وقال الرازي وهو يبحث في مسألة تكليف ما لا يطاق في كتابه المحصول (1/222) :" لأنك قد علمت أن القواطع العقلية لا تعارضها الظواهر النقلية بل تعلم أن تلك الظواهر مأولة ولا حاجة إلى تعيين تأويلها"

ويعني بالظواهر النقلية قوله تعالى ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، ولا يرى حاجةً إلى تأويل هذه النصوص ، لا لأنه يأخذ بها ولكن لأنه قد استغنى عنها بالقواطع العقلية التي تدل على جواز تكليف ما لا يطاق !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي