مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من نفائس شيخ الإسلام : لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى اسْمٌ يَتَضَمَّنُ الشَّرَّ

من نفائس شيخ الإسلام : لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى اسْمٌ يَتَضَمَّنُ الشَّرَّ



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (8/96) :" وَلِهَذَا لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى اسْمٌ يَتَضَمَّنُ الشَّرَّ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الشَّرُّ فِي مَفْعُولَاتِهِ كَقَوْلِهِ { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } وَقَوْلُهُ { إنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَوْلُهُ { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَوْلُهُ { إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } { إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ بَطْشَهُ شَدِيدٌ وَأَنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ .
وَاسْمُ " الْمُنْتَقِمِ " لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مُقَيَّدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } وَقَوْلِهِ { إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي عَدَدِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ الْمُنْتَقِمُ فَذُكِرَ فِي سِيَاقِهِ { الْبَرُّ التَّوَّابُ الْمُنْتَقِمُ الْعَفُوُّ الرَّءُوفُ } لَيْسَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هَذَا ذَكَرَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ إلَّا التِّرْمِذِيُّ"

كلام شيخ الإسلام هذا غاية في النفاسة

يبين لك طرفاً من بلاغة القرآن ففي قوله (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ )

ذكر سبحانه لنفسه اسمين مشتقين فالغفور من المغفرة والرحيم من الرحمة ، ولما ذكر العذاب لم يجعل في أسمائه المعذب

وكذلك في قوله تعالى :( إنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

لم يجعل في أسمائه المعاقب ، وإنما جعل في أسمائه الغفور الرحيم

وكذلك لم يجعل في أسمائه الباطش سبحانه وتعالى

ثم إنه سبحانه أخبر أن رحمته وسعت كل شيء وما قال ذلك في عقابه ، وأخبر أن رحمته سبقت غضبه بل كتب على نفسه كتاباً في نفسه ومن أسمائه الرحمن والرحيم وليس من أسمائه الغاضب أو الغضوب أو الغضبان

وهذا ظاهر في التشريعات فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة لا يجزى العبد إلا بمثلها ولو شاء لجعل الأمر متساوياً ولكن رحمته سبحانه وسعت كل شيء

ومن رحمته أن جعل دائرة المباحات أوسع من دائرة حتى إنك لتجد في القرآن المحرمات لما ذكرت في سورة الأعراف سبقت بأداة الحصر ( إنما ) تقليلاً لها

قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

ولو شاء الله لجعل دائرة المحرمات مساوية لدائرة المباحات أو أعظم ليعظم الاختبار وتعظم المحنة ولكنه سبحانه رحمته سابقة لغضبه

ولما قلل سبحانه فرض الصلوات من خمسين إلى خمس أثبت الأجر خمسين ولو شاء لجعله أجر خمس فقط وما يريد العبد وحسنته أصلاً مضاعفة ، ولكنه سبحانه رحمته وسعت كل شيء

ومن رحمته سبحانه أن جعل التشريعات فيها سماحة ويسر ، فمن كل مال المزكي يؤخذ ربع العشر فقط ، ولو شاء لجعله شطر المال أو معظمه فالمال كله لله ولكنه سبحانه رحم عباده وخفف عنهم

ومن رحمته أن جعل الصيام شهراً واحداً فقط من اثني عشر شهراً ، وجعل فيه ليلة خيراً من ألف شهر ، ولو شاء سبحانه لجعل أكثر من شهر ولما من علينا بليلة القدر ولكنه سبحانه رحمته وسعت كل شيء

وهذا باب يطول والمراد هنا الإشارة والتنبيه

تأمله أخي المسلم فإنه عظيم فإنك لن ترزق شيئاً أعظم من محبتك لله عز وجل ورجائك لثوابه وخوفك من عقابه

وهذا سفيان بن عيينة لما فهم سعة رحمة الله عز وجل أدرك وجه الرحمة من خلق النار

قال أبو نعيم في الحلية (7/ 275) : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْعَبَّاسِ , وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يحيى بْنِ أَبِي عمر، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: «خُلِقَتِ النَّارُ رَحْمَةً يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ ليِنْتَهُوا»

وهذا إسناد قوي وقد غلط محقق الحلية في قراءة الإسناد

ولعلي خرجت شيئاً عما وضعت له المقال أصلاً ، وكلام شيخ الإسلام لعله يصلح أن يكون شرحاً لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي