الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال ابن كثير في البداية والنهاية (18/54):
"ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّ الشَّيْخَ جَمَالَ الدِّينِ الْمِزِّيَّ الْحَافِظَ
قَرَأَ فَصْلًا فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ
الْعِبَادِ " لِلْبُخَارِيِّ - تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ، بَعْدَ قِرَاءَةِ مِيعَادِ
" الْبُخَارِيِّ " بِسَبَبِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَغَضِبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ
الْحَاضِرِينَ، وَشَكَاهُ إِلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّابْنِ صَصْرَى
وَكَانَ عَدُوَّ الشَّيْخِ، فَسَجَنَ
الْمِزِّيَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَتَأَلَّمَ لِذَلِكَ، وَذَهَبَ
إِلَى السِّجْنِ فَأَخْرَجَهُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَرَاحَ إِلَى الْقَصْرِ فَوَجَدَ
الْقَاضِيَ هُنَاكَ، فَتَقَاوَلَا بِسَبَبِ. الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ
فَحَلَفَ ابْنُ صَصْرَى وَلَا
بُدَّ أَنْ يُعِيدَهُ إِلَى السِّجْنِ، وَإِلَّا عَزَلَ نَفْسَهُ
فَأَمَرَ النَّائِبُ بِإِعَادَتِهِ
تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْقَاضِي، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي الْقُوصِيَّةِ أَيَّامًا ثُمَّ
أَطْلَقَهُ، وَلَمَّا قَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ ذَكَرَ لَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ مَا جَرَى فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أَصْحَابِهِ فِي غَيْبَتِهِ، فَتَأَلَّمَ النَّائِبُ
لِذَلِكَ، وَنَادَى فِي الْبَلَدِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْعَقَائِدِ، وَمَنْ
تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَنُهِبَتْ دَارُهُ وَحَانُوتُهُ، فَسَكَنَتِ
الْأُمُورُ".
فتأمل كيف غضب الأشاعرة على المزي لمجرد قراءته خلق أفعال العباد للبخاري
، لأن البخاري يثبت فيه الصفات ويرد على الجهمية ، وقد علموا في أنفسهم أنهم جهمية
لهذا غضبوا من قراءة خلق أفعال العباد للبخاري -رحمه الله-.
وما ينبغي للسني أن يتشبه بهم فمن تشبه بقومٍ فهو منهم ، وليعلم أن الحافظ
المزي قد جرت عليه محن بسبب بذله للعلم.
قال ابن حجر في الدرر الكامنة (6/233): "وكان
مأمون الصحبة حسن المذاكرة خير الطوية محبا للآثار معظما لطريقة السلف جيد المعتقد
وكان اغتر في شبيبته وصحب العفيف التلمساني فلما تبين له ضلاله هجره وتبرأ منه وكان
أوذي مرة واختفى بسبب إسماعه لتاريخ الخطيب، وأوذي أخرى بسبب قراءته كتاب خلق أفعال
العباد كما تقدم مرض أياما يسيرة ولم ينقطع وعرض له".
ولعل الذين آذوه بسبب قراءته لتاريخ الخطيب هم متعصبة الحنفية لما ورد
في التاريخ من ذكر إمامهم بما لا يرضون ، وهذا يدلك على عسورة الأمر في تلك الأيام.
ولما قال الكوثري في ترجمة ابن الشرايحي من لحظ الألحاظ :" لما بلغه
أنه أقرأ الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي والنقض له بدمشق وعزر القاريء عليه
بكلام وهو البرهان إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الدمشقي ثم بالضرب ثم بالطواف
به والحبس كما في الضوء اللامع".
علق ابن مانع -كما في تعليقاته على كتب الكوثري- ص254: "انظر
لأي شيء ينفرون من قراءة الرد على الجهمية ، ذلك لأنهم جهمية أهل بدعة وعقيدة خبيثة".
أقول: وانظر إلى تلك الحرب الخسيسة على كتب السلف وعلى معتقدهم الصافي
آنذاك والله المستعان ، والحمد لله الذي من علينا بزمان أمنا فيه هذا كله ، لولا بعض
الجهلة الذين يغيضهم النظر في كتب السلف.
ويجعلون ذلك سبباً للوقيعة في المعاصرين ، وهذا غلط عظيم فإن النصح بكتب
السلف لا يلزم منه أبداً الطعن في العلماء السلفيين المعاصرين ، فإذا كانت العقيدة
واحدة فلا ضير من طلب علو الإسناد على هدي السلف في ذلك ، ولا تعني الاستفادة من كتب
السلف هجر علم المعاصرين لا يفهم هذا إلا حمار أو ثور مركوس في الجهل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المناظرة على العقيدة الواسطية :" أما
الإعتقاد فلا يؤخذ عنى ولا عمن هو اكبر منى بل يؤخذ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وما أجمع عليه سلف الأمة فما كان فى القرآن وجب إعتقاده وكذلك ما ثبت فى الأحاديث الصحيحة
مثل صحيح البخارى ومسلم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية :" ثم رد عثمان بن
سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما كان عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة
لطريقهم، وضعف حجة من خالفهم".
وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص108 وهو يتحدث عن كتابي الدارمي
:" وكتاباه من أجلّ الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده
الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدا وفيهما من تقرير
التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما".
وقال قوام السنة الأصبهاني في كتاب الحجة في بيان المحجة :" أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ أَشْتَهْ، أَنا أَبُو مَنْصُور مَعْمَر بْن
أَحْمَد قَالَ: "وَلما رَأَيْت غربَة السّنة، وَكَثْرَة الْحَوَادِث وَاتِّبَاع
الْأَهْوَاء أَحْبَبْت أَن أوصِي أَصْحَابِي وَسَائِر الْمُسلمين بِوَصِيَّة من السّنة
وموعظة من الْحِكْمَة، وَأجْمع مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الحَدِيث والأثر، وَأهل الْمعرفَة
والتصوف من السّلف الْمُتَقَدِّمين، والبقية من الْمُتَأَخِّرين، فَأَقُول وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق".
ومما قاله في هذه الوصية :" فَكل هَؤُلَاءِ سرج الدّين، وأئمة السّنة،
وَأولُوا الْأَمر من الْعلمَاء، فقد اجْتَمعُوا عَلَى جملَة هَذَا الْفَصْل من السّنة،
وجعلوها فِي كتب السّنة، وَيشْهد لهَذَا الْفَصْل الْمَجْمُوع من السّنة كتب الْأَئِمَّة،
فَأول ذَلِك: كتاب السّنة عَن عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل وَكتاب السّنة
لأبي مَسْعُود وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم، وَكتاب السّنة لعبد الله بن مُحَمَّد بن
النُّعْمَان، وَكتاب السّنة لأبي عبد الله مُحَمَّد ابْن يُوسُف الْبَنَّا الصُّوفِي
رَحِمهم اللَّه أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ كتب السّنَن للآخرين مثل أَبِي أَحْمَد الْعَسَّال، وَأبي إِسْحَاق
إِبْرَاهِيم ابْن حَمْزَة الطَّبَرَانِيّ، وَأبي الشَّيْخ، وَغَيرهم مِمَّن ألفوا كتب
السّنة، فَاجْتمع هَؤُلَاءِ كلهم عَلَى إِثبات هَذَا الْفَصْل من السّنة، وهجران أهل
الْبِدْعَة والضلالة".
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في مسائل الجاهلية :" ومن
بصره الله تعالى ونوّر قلبه, أعرض عن أخذ عقائده من كتب هؤلاء الطوائف, وتلقى معرفة
إلهه من كتب السلف المشتملة على نصوص الكتاب والسنة".
وخذ هذا الإلزام
وخذ هذا الإلزام
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :" السؤال الأول من الفتوى رقم
(7034):
س1: إنني متحير في العقيدة الإسلامية من ناحية الأسماء والصفات لما أجده
في مجلة (المجتمع) من الخصومات بين الشيخين ( الفوزان - الصابوني ) من الردود والرد
عليها. فجزاكم الله خيرا أريد أن أعرف الأسماء والصفات وما هو الخلاف وكذلك ما هو طريقة
أهل السنة والجماعة ؟
ج1: أولا : اقرأ كتب السلف في توحيد الأسماء والصفات، لتعرف منها أسماء
الله وصفاته، وكل ما يجب اعتقاده من أمور التوحيد مثل [مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية
والمعطلة ]، وكتاب [اجتماع الجيوش الإسلامية] كلاهما لابن القيم ، وكتاب [ العقيدة
الواسطية ]، وكتاب [السنة] لعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل ، فإن السلف أعلم بالدين
ممن بعدهم، وأقوى دليلا، وأهدى سبيلا، مع وضوح العبارة والبعد عن تحريف الكلم عن مواضعه،
وأسأل الله أن يبصرك بالحق ويهديك سواء السبيل مع الإخلاص في القول والعمل وألزم طاعة
الله وطاعة رسوله فذلك مع الدراسة والتعلم أقوى سبب في الوصول إلى الصواب والاطمئنان
إليه، وزوال الحيرة ودحض الباطل، وأكثر من قراءة القرآن فإنه الأصل، والسنة بيان".
وهذه وصية لرجل حائر في باب الصفات ، وليس لطالب علم سلفي فتأمل.
فهذه وصايا من تقدم ومن تأخر فما يريد الصعافقة؟
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم