مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على من أنكر استخدام لفظة ( بذاته ) عند إثبات العلو لله عز وجل

الرد على من أنكر استخدام لفظة ( بذاته ) عند إثبات العلو لله عز وجل



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد : 
                          

فقال عبد الله الغنيمان في تقريظه لرسالة التنبيهات العلمية على منهج الجمعية لجاسم الفهيد وحاكم العبيسان وهو يعدد الملاحظات على منهج الجمعية :
" وكذلك قوله في الموضع المذكور قوله (( وأنه سبحانه فوق عباده بذاته وأنه مستو على عرشه بذاته )) ، فإن هذه اللفظة أعني( بذاته ) لم ترد في النصوص ولهذا أنكرها من أنكرها من السلف ولا يحتاج إليها ومن قواعد أهل السنة أن أسماء الله وصفاته توقيفية "

أقول : هذا الكلام فيه نظر شديد من وجهين

أولها : أن لفظة بذاته لفظة تكلم بها عدد من السلف بل نقل غير واحد الإجماع عليها ولم ينكر عليهم غيرهم كما ادعى الشيخ وهي كقولهم ( غير مخلوق ) وقولهم ( بائن من خلقه ) ومن أنكرها لزمه إنكار هذه الألفاظ أيضاً وتضليل السلف ، وإنما أنكر ذلك الذهبي وهو متأخر ولا أعلم أحداً سبقه إلى هذا الإنكار إلا أن يكون جهمياً والذهبي لم يقل أنها بدعة بل قال ( تركها أولى )

1_ قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه العرش (1/291) :" ثُمَّ تَوَافَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ بِذَاتِهِ ثُمَّ خلق الأرض والسموات، فَصَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِنَ السَّمَاءِ إلى العرش.
فَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ مُتَخَلِّصًا"

2_ قال قوام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (2/109) :" قَالَ يَحْيَى بن عمار: لَا نحتاج فِي هَذَا الْبَاب إِلَى قَول أَكثر من هَذَا أَن نؤمن بِهِ، وننفي الْكَيْفِيَّة عَنهُ، ونتقي الشَّك فِيهِ، ونوقن بِأَن مَا قَالَه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا نتفكر فِي ذَلِكَ وَلَا نسلط عَلَيْهِ الْوَهم، والخاطر، والوسواس، وَتعلم حَقًا يَقِينا أَن كل مَا تصور فِي همك ووهمك من كَيْفيَّة أَو تَشْبِيه. فَالله سُبْحَانَهُ بِخِلَافِهِ وَغَيره، نقُول: هُوَ بِذَاتِهِ عَلَى الْعَرْش، وَعلمه مُحِيط بِكُل شَيْء"

3_ قال شيخ الإسلام في درء التعارض (6/250) :" قال الشيخ أبو نصر السجزي في كتاب الإبانة له فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن ويد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وأن علمه بكل مكان وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خاف شيئا من ذلك فهو منهم برئ وهم منه براء
وأبو نصر هذا كان مقيما بمكة في أثناء المائة الخامسة"

فهذا نقل الاتفاق

4_ وقال شيخ الإسلام كما في المصدر السابق :" وقال قبله الشيخ أبو عمر الطلمنكي المالكي أحد أئمة وقته بالأندلس في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول قال وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله { وهو معكم أين ما كنتم } سورة الحديد 4 ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء"

فهذا أيضاً نقل الاتفاق

5_ قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 412) :" قَالَ ابْنُ الزَّاغونِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:
إِنِّيْ سَأَذْكُرُ عَقْدَ دِيْنِي صَادِقاً ... نَهْجَ ابْنِ حَنْبَلٍ الإِمَامِ الأَوْحَدِ
منهَا:
عالٍ عَلَى العَرْشِ الرَّفِيْعِ بِذَاتِهِ ... سُبْحَانَهُ عَنْ قول غاوٍ ملحد"

وعلق الذهبي بأن تركها أولى وسيأتي بيان وجه تصويب هذه الكلمة


وهناك غيرهم كثير ذكر الذهبي طائفة منهم في كتابه العلو وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية

6_ قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (2/ 326) :" فالأشعري وقدماء أصحابه كانوا يقولون إنه بذاته فوق العرش وهو مع ذلك ليس بجسم"

فحتى الأشاعرة المتقدمون يقولون بهذه اللفظة



ثانيها : إن سأل سائل ما الفائدة من هذه الألفاظ ( بائن من خلقه ) و ( بذاته ) و ( غير مخلوق ) مع أنها لم ترد بهذا اللفظ في النصوص

فالجواب : أن هذه الألفاظ ليس فيها إثبات صفة زائدة على ما في النصوص فقولهم في القرآن ( ليس بمخلوق ) يريدون به تحقيق أن لله صفة هي صفة الكلام ، وصفات الله ليست مخلوقة اتفاقاً ، وقولهم ( بائن من خلقه ) و ( بذاته ) يريدون بها تحقيق العلو وقد تواترت النصوص في إثبات العلو

وأما فائدة هذه العبارات ، فيدرك هذه الفائدة من عرف قدر السلف وقوة فهمهم ، فهم يريدون بهذه العبارات التمايز عن مذهب الجهمية وألا تحمل أقوالهم على أقوال الجهمية

فإن قلت : كيف ذاك ؟

قلت لك : الجهمي يقول ( القرآن كلام الله ) ويريد بكلام الله خلق من خلق الله كقولك ( ناقة الله ) و ( بيت الله ) فإذا قال القائل ( غير مخلوق ) علم أنه أراد أن القرآن كلام الله وأن الكلام صفة من صفات الله عز وجل

والجهمي ربما قال ( الله فوق العرش ) وأراد أنه فوق العرش بعلمه وقدرته ، أو أراد أنه فوق العرش وتحت العرش أيضاً فإذا قال القائل ( بائن من خلقه ) أو ( بحد ) أو ( بذاته ) دفع هذا أن يريد ما أراد الجهمي لهذا الجهمية المتأخرون عجزوا عن تأويل كلام السلف لأنه غاية في الوضوح في الدلالة على الإثبات ومباينة أقوال الجهمية

لهذا لم يكن استخدامهم لهذه العبارات من باب ( فضول الكلام ) بل من كان من فقه عميق

فلا يجوز إنكار هذه اللفظة بعد ثبوت استخدام السلف لها بدون نكير ، وقد أبنت لك المأخذ في استخدامها

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي