مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الإجماع القديم على أن جلد الخنزير إذا دبغ لا يطهر ...

الإجماع القديم على أن جلد الخنزير إذا دبغ لا يطهر ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :



فقد رأيت فتيا لبعضهم يسأل عن رجل يلبس جلد خنزير ، فأجاب بأن ذلك جائز إذا كان جلد الخنزير مدبوغاً واحتج بعموم حديث ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )

والحق أن القول ( أعني القول بطهارة جلد الخنزير المدبوغ ) لم يقل به أحد من أهل العلم ولا من أهل الرأي

فالناس مذاهبهم ملخصة في عدة أقوال

الأول : أن جلد لا يطهر لا قبل الدباغ ولا بعده وهذا المشهور من مذهب أحمد

الثاني : أن جلد مأكول اللحم فقط هو الذي يطهر بالدباغ وهذا قول عامة التابعين وهو مروي عن ابن مسعود

الثالث : أن كل جلد يطهر بالدباغ عدا الكلب والخنزير وهذا مشهور قول الشافعية

الرابع : أن كل جلد يطهر بالدباغ إلا جلد الخنزير

قال ابن المنذر في الأوسط (3/201) :" وقد أجمع عوام من احتج بخبر ابن وعلة ( يعني إذا دبغ الإهاب فقد طهر ) على المنع من الانتفاع بجلد الخنزير ، وإن دبغ ، وقال بعضهم كذلك في جلد الكلب"

والقول بأن جلد الخنزير يطهر بالدباغ حكي عن أهل الظاهر والله أعلم ولا يتعبر بهم إذا شذوا

وقال علي ملا قاري في شرح مسند أبي حنيفة :" واستثنى العلماء جلد الخنزير لنجاسة عينه ، والآدمي لكرامته ، وفي الكلب خلاف "

وقال عياض في إكمال المعلم :" إلا ان قوله عليه السلام : " كل إِهاب دُبِغَ فقد طَهُرَ ثا ، وقد دخَلَ فيه كُل جلد ، إلا أن جُمهورَ السلف أجمعوا أن جلد الحنرير لا يدخُل فى ذلك فخرج بإجماعهم "

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 295) :" ولا أعلم خلافا أنه لا يتوضأ في جلد خنزير وإن دبغ فلما كان الخنزير حراما لا يحل أكله وإن ذكي وكانت السباع لا يحل أكلها وإن ذكيت كان حراما أن ينتفع بجلودها وإن دبغت قياسا على ما أجمعوا عليه من الخنزير إذ كانت العلة واحدة "

وقد ادعى بعضهم أن هذا مذهب أبي يوسف يعني طهارة جلد الخنزير بالدباغ غير أنني وجدت أهل الرأي لا ينسبون له هذا القول ولا يذكرونه فنسبته له ضعيفة

بل نقل عنه ابن الهمام الحنفي خلاف

قال ابن الهمام في فتح القدير (1/165) :" ( قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ) يَتَنَاوَلُ كُلَّ جِلْدٍ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ ، فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ بِهِ كَاللَّحْمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَوْ أَصْلَحَ مَصَارِينَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ أَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ وَأَصْلَحَهَا طَهُرَتْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : هِيَ كَاللَّحْمِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ فَيَدْخُلُ جِلْدُ الْفِيلِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي قَوْلٍ إنَّ الْفِيلَ نَجِسُ الْعَيْنِ "

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (20/34) :" 5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَطْهُرُ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ بِالدِّبَاغِ وَلاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لأَِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَالدِّبَاغُ كَالْحَيَاةِ، فَكَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ لاَ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْهُ، فَكَذَا الدِّبَاغُ. وَوَجَّهَ الْمَالِكِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِعَدَمِ طَهَارَةِ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ بِالدِّبَاغِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّذْكِيَةِ إِجْمَاعًا فَلاَ تَعْمَل فِيهِ فَكَانَ مَيْتَةً فَلاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَلاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ.
وَيَتَّفِقُ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ مِنْ أَيِّ حَيَوَانٍ لاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَلَكِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ الاِنْتِفَاعَ بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمَائِعَاتِ كَذَلِكَ مَعَ الْيَابِسَاتِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ الْخِنْزِيرَ فَلاَ تَتَنَاوَلُهُ الرُّخْصَةُ. (&# x661 ;)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ.
وَيُقَابِل الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا شَهَرَهُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ مِنْ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ كَجِلْدِ غَيْرِهِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ إِذَا دُبِغَ سَوَاءٌ ذُكِّيَ أَمْ لاَ"

أقول : وهذه مسألة فيها كلام للصحابة والتابعين وأتباع التابعين لا يختلف قولهم في استثناء الخنزير كما نقل غير واحد فاتفاقهم حجة على من جاء بعدهم والله أعلم

والصواب في المسألة أن الدباغ بدل عن الذكاة فيحتص ذلك بمأكول اللحم ويكون مخصصاً لعموم حديث ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) فإن المقصود في الحديث الإهاب المعهود عندهم كان ما يذكى في غالب أحوالهم

وهذا التخصيص جاء في حديث ( ذكاة الجلود دباغها )

وهذه فتيا ابن مسعود

قال ابن أبي شيبة في المصنف [  25276]:
 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ ، عَنْ صَدَقَةَ ، عَنْ جَدِّهِ ريَاحِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ ذَكَاتُهُ دِبَاغُهُ.

وهذا قول قول عامة أهل الحديث القائلين بجدوى الدباغ في تطهير جلد الميتة

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الركوب على جلود النمور ، وأن لبس جلود السباع ولم يفرق بين المدبوغ وغيره بل الأصل في الناس أنهم لا يستخدمونه إلا بعد الدباغ لأنه قبله يكون نتناً

فهذا يؤيد أن جدوى الدباغ خاصة بميتة أكول اللحم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي