الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فيذكر بعض الوعاظ والمشتغلين بالقصص أبياتاً تنسب لأبي نواس وبعضهم ينسبها
لأبي العتاهية ويزعمون أن الإمام أحمد كان علقها عنه
وهذه الأبيات
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهونا عن الأيام حتى تتابعت ... علينا ذنوبا بعهدهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب
أقول إذا ضافت علي مذاهبي ... وحل بقلبي للهموم ندوب
لطول جناياتي وعظم خطيئتي ... هلكت ومالي في المتاب نصيب
وأغرق في بحر المخافة آيسا ... وترجع نفسي تارة فتتوب
وتذكر عفوا للكريم عن الورى ... فأجني وأرجو عفوه فأنيب
وأخضع في قولي وأرغب سائلا ... عسى كاشف البلوى علي يتوب
وهذه أبيات جميلة جداً
قال العلائي في إثارة الفوائد :" مشيخة شيخنا العدل زين الدين أبي
إسحاق
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن
الشيرازي في ثلاثة أجزاء خرجتها له عن خمسين شيخا بالسماع وسمعتها عليه بقراءة الحافظ
أبي مُحَمَّد البرزالي في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة وسبع مائة، وكانت وفاته في
شهر جمادى الآخرة من هذه السنة، ومولده في أول يوم من سنة أربع وثلاثين وست مائة، ومما
خرجته فيها: أخبرنا إسماعيل بن أحمد العرفي، أنا أحمد بن منصور في كتابه، أنا أبو سهل
بن أبي الفتح البيع، أنا عبد الله بن مُحَمَّد الشافعي، أنا علي بن أحمد، أنا مُحَمَّد
بن الحسن النقاش، قال لي أحمد بن يحيى ثعلب: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل يوما
فسمعته يقول: كنت بالبصرة في مجالس الفقهاء فرأيت شيخا، فسألت عنه، فقيل: أبو نواس،
فقلت: له: أنشدني شيئا من شعرك، فأنشأ يقول:
ثم ذكر الأبيات "
أقول : في سند هذا الخبر محمد بن الحسن النقاش كذاب
قال أبو نعيم في الحلية (9/220) : حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ
مُحَمَّدٍ الْجُرَيْجِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ النَّحْوِيُّ، قَالَ:
كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي:
«فِيمَ تَنْظُرُ؟» فَقُلْتُ: فِي النَّحْوِ وَالْعَرِبِيَّةِ وَالشِّعْرِ فَأَنْشَدَنِي
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: «
[البحر الطويل]
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ
قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يُخْلِفُ مَا مَضَى ... وَأَنَّ الَّذِي يَخْفَى
عَلَيْهِ يَغِيبُ
لَهَوْنَا عَنِ الْأَيَّامِ حَتَّى تَتَابَعَتْ ... ذُنُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ
ذُنُوبُ
فَيَالَيْتَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ مَا مَضَى ... وَيَأْذَنَ لِي فِي تَوْبَةٍ
فَأَتُوبُ»
عيسى بن محمد هو الطوماري يحتمل في هذا ، وفيه أن أحمد _ رحمه الله _ كان
يحب هذه الأبيات ويذكرها ، ومن عجيب فقهه أنه لما جاءه مشتغل بالعربية محب للشعر أنشده
هذه الأبيات التي تتضمن وعظاً قوياً ، وذلك أن المشتغلين باللغة يغلب عليهم تطلب الغرائب
والأسمار والأمور التي إن لم يكن ذكرها محرماً فهو مكروه لما فيه من الإشغال
وليس في هذا الخبر أن الأبيات لأبي نواس ، والذي يبدو أنها للشافعي
قال البيهقي في الشعب 6909 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، رَحِمَهُ اللهُ يُنْشِدُ:"
[البحر الطويل]
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا ... فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ
قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً ... وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى
عَلَيْهِ يَغِيبُ
غَفَلْنَا الْعُمُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ ... عَلَيْنَا ذُنُوبٌ
بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ
فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى ... وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا
فَنَتُوبُ"
وقد أورد ابن عساكر من أسانيد لا تعتمد أن الأبيات لأبي نواس ، ونسبها
بعضهم للحجاج بن يوسف التيمي ، وأما النسبة لأبي العتاهية فوهم محض
والخلاصة أنه ثبت عن الإمام أحمد ذكره لهذه الأبيات ويبدو أنها للشافعي
أو الحجاج التيمي وأما نسبتها لأبي نواس فلا تثبت وأما لأبي العتاهية فبعيدة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم