الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد نقل بعض أهل العلم الاتفاق على جواز طلب الدعاء من الأخ الحي القادر
، غير أن بعض السلف كان يكره أن يطلب منه الدعاء إذا ترتب على هذا التزام فكلما كلمه
«ادع لي يا شيخ» أو اعتقاد في هذا الرجل الذي يطلب منه الدعاء.
قال أبو نعيم في الحلية (1/
277) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُإِسْحَاقَ،
ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ:
أَتَى رَجُلٌ حُذَيْفَةَ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ
فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: " لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ، إِنِّي لَوِ اسْتَغْفَرْتُ
لِهَذَا الْآتِي بِسَيِّئَاتِهِ.
فَقَالَ: اسْتَغْفَرَ لِي حُذَيْفَةُ
، أَتُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ حُذَيْفَةَ؟ اللهُمَّ اجْعَلْهُ مَعَ حُذَيْفَةَ".
وهذا إسناد صحيح ( أعني الثاني ) ، وقد فاتني في ( الصحيح المسند من آثار
حذيفة ) ، وقول حذيفة ( إِنِّي لَوِ اسْتَغْفَرْتُ لِهَذَا الْآتِي بِسَيِّئَاتِهِ)
يعني به نفسه.
وقال ابن سعد في الطبقات [ 9207] قَالَ
:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ الأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، قَالَ :
كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ فَجَاءَ
رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عِمْرَانَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي فَرَأَيْتُ أَنَّهَ
كَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً حَتَّى رَأَيْتُنَا عَرَفْنَا كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ فِي
وَجْهِهِ أَوْ حَتَّى عَرَفْتُ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ
ثُمَّ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ
أَنْ يَغْفِرَ لِي .
قَالَ : لاَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ
قَالَ : فَتَنَحَّى الرَّجُلُ نَاحِيَةً فَجَلَسَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ
قَالَ : أَدْخَلَكَ اللَّهُ مَدْخَلَ
حُذَيْفَةَ أَقَدْ رَضِيتَ الآنَ ؟
قَالَ : وَيَأْتِي أَحَدُكُمُ
الرَّجُلَ كَأَنَّهُ قَدْ أَحْصَى شَأْنَهُ , كَأَنَّهُ كَأَنَّهُ , فَذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ
السُّنَّةَ فَرَغَّبَ فِيهَا وَذَكَرَ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ فَكَرِهَهُ وَقَالَ فِيهِ.
وهذا إسناد صحيح ، وإبراهيم النخعي
تابعي جليل.
وقال الشاطبي في الاعتصام (1/501):
"فَخَرَّجَ الطَّبَرِيُّ
عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عِمْرَانَ؛ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ): فَادْعُ اللَّهَ لِي، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ،
وَلَكِنْ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ؛ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِذَنْبِكَ.
فَإِبَايَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ
مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الدُّعَاءِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَإِلَّا تَعَارَضَ
كَلَامُهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا
عَلَى الدُّعَاءِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: لَسْتُ بِنَبِيٍّ.
وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ؛ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ
لِي، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرٌ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي،
فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلَا لِذَاكَ، أَنَبِيٌّ أَنَا؟!
فَهَذَا أَوْضَحُ فِي أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا،
وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أَنَّهُ مِثْلُ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى
أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ، أَوْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ تُلْزَمُ، أَوْ يَجْرِي فِي
النَّاسِ مَجْرَى السُّنَنِ الْمُلْتَزِمَةِ".
وعلى هذا ينبغي لمن كان معدوداً من أهل الصلاح وجاءه أحد العوام يسأله
الدعاء وفهم من الطلب أمراً زائداً على مجرد طلب الدعاء ، وهو الاعتقاد في هذا الداعي
أن يسد الذريعة كما روي عن السلف، وهذا يكثر في الذين يتصلون على برامج الافتاء فتجده
يبادر بقوله للمفتي (ادع لي يا شيخ بكذا وكذا)، وأما إن كان طلب الدعاء من الشخص من
باب حثه على الدعاء وتذكيره بهذه العبادة فلا بأس كما بينه شيخ الإسلام.
وتأمل رحمك الله كيف أن السلف كرهوا أن يسألهم شخص أن يدعوا الله عز وجل
له ، لما فهموا من ذلك أنهم سيتم تشبيههم بالأنبياء فكيف لو أدركوا ما يسألهم وهم قبورهم
وقد انقطعت أعمالهم ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، بما مضمونه تشبيهم بالخالق ،
بل أهل القبور يحسنون الظن بمقبورهم ، ويسيئون الظن برب العالمين.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم