مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من حذق الإمام الشافعي في الرد على أهل الرأي ...

من حذق الإمام الشافعي في الرد على أهل الرأي ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :     
 
                    
قال الإمام الشافعي - رحمه الله - في الرسالة وهو يثبت حجية خبر الواحد
(1172) قلت أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب " ان عمر بن الخطاب كان يقول الدية للعاقلة ولا ترث المراة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر
 (1173) وقد فسرت هذا الحديث قبل هذا الموضع
 (1174) سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاوس عن طاوس " أن عمر قال أذكر الله امرأ سمع من النبي في الجنين شيئا فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال كنت بين جارتين لي يعني ضرتين فضربت إحداهما الاخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله بغرة فقال عمر لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره "
(1175) وقال غيره إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا
(1176) فقد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك إلى أن خالف حكم نفسه وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه بغيره وقال إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا

أقول : وهذان الخبران فيهما إبطال ثلاثة أصول فاسدة لأهل الرأي

الأصل الأول : رد خبر الواحد إذا خالف القياس فإن عمر بن الخطاب قبل خبر الواحد الذي يخالف القياس عنده فقال ( لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره)

وفي الخبر الذي قبله أن يقضي عمر بأن المرأة لا ترث من دية زوجها فرأي عمر من نظره لأدلة الشريعة العامة أن المرأة ما ينبغي أن ترث من دية زوجها فلما جاءه الخبر صار إليه وترك رأيه

فالشافعي كأنه يقول لأهل الرأي كان ينبغي عليكم أن تتركوا قياسكم ورأيكم وألا يأخذكم الغرور وأن تفعلوا كما فعل عمر فأنى لكم بمثل فقه عمر

فإن قيل : الخبر الثاني مرسل فالطاوس لم يسمع عمر فكيف يحتج به الشافعي ؟

فيقال : أهل الرأي يقبلون مرسل طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيلزمهم قبوله عن عمر من باب أولى

الأصل الفاسد الثاني : قولهم بأن خبر الواحد لا يقبل فيما عمت به البلوى

وتوريث المرأة من دية زوجها مما تعم به البلوى

الأصل الفاسد الثالث : قولهم خبر الصحابي غير الفقيه لا يقبل إذا خالف القياس

وإذا تجرأ السفلة على أبي هريرة ووصفوه بأنه غير فقيه فمن باب أولى يصفون الضحاك بن سفيان وحمل بن النابغة بضعف الفقه وقد قبل عمر والعامة من الفقهاء خبرهم في هذا

وقد يقال ينقض بهذه الأخبار أصل رابع من أصولهم وهو قولهم أن خبر الواحد في الحدود لا يقبل

فالخبر الأول في الديات وهي شقيقة الحدود والثاني في أمر الحدود

والشافعي في عامة كتابه الرسالة كان ينقض على القوم فمن تصدى لشرح كتابه أو حتى قراءته ولم يفهم حقيقة الخلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي لم ينتفع بالكتاب تمام الانتفاع

ومن الغلط أن نحمل كلام السلف على مفاهيمنا نحن الذين رسخ في عقولنا أنه لا كبير فرق بين أهل الحديث وأهل الرأي ، فإن أهل الحديث في ذلك الزمان كانوا قد قاموا على أهل الرأي ونافروهم تمام المنافرة ، ولما اشتهر الشافعي بالرد عليهم سموه ناصر السنة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي