أما
بعد :
فإن مقطع شريف جابر عن القرآن كان فتحاً مبيناً لعدد من الباحثين
ليوضحوا سقوط الشبهات الاستشراقية وسخافتها التي تلقفها هذا الصبي فرد عليه
الدكتور هيثم طلعت والدكتور سامي عامري والأستاذ شريف محمد جابر وغيرهم وفندوا
عامة سخافاته
غير أن شبهة رأيت أن الأخوة لم يعطوها حقها من النقد والتسخيف ألا
وهي شبهة سورة الولاية
وأن عثمان إنما قتل من أجل أنه حذفها !
وهذه المعلومة علاوة على أنها لا وجود لها تاريخياً نهائياً فهي
غير واقعية فإذا كان عثمان حذفها فكيف وقف عليها المستشرق وإذا كان عثمان وخلفاء
بني أمية سعوا لحذفها واجتهدوا في ذلك ولا شك أن معهم عدداً من الخلفاء العباسيين
فكيف وصلت إليكم أليس يدل هذا على القرآن لا يمكن حذف شيء منه ولو اجتهد الخلفاء
والملوك في ذلك اجتهاداً عظيماً
فكيف بالسور التي نعلم يقيناً أنه لم يرد أحد حذفها
ثم لماذا عثمان يريد حذفها ولم يفكر بذلك أبو بكر وعمر والسورة تنص
على ولاية علي وهما توليا دونه ؟!
والواقع أنها لا وجود لها حتى في كتب الشيعة المتقدمين بل عامة
الشيعة اليوم يتبرأون منها ويسخرون
وإليك بعض الحقائق عنها ثم كلام الشيعة أنفسهم في ركاكتها
إن مصدر سورة النورين المزعومة هو كتاب دبستان مذاهب - و الذي كتب
في القرن الحادي عشر من الهجرة - و نسخة من القرآن مزعومة في القرن السابع عشر من
الميلاد في الهند نسخة ليس لها أي اسم أو رسم
يعني بعد نزول القرآن بعشرة قرون فكيف يطعن بالقرآن المتواتر بشيء
كهذا
يقول الرافضي فتح الله المحمدي _ وهو كذاب مكابر ولكنه هنا صدق _
:" إنّ البنية المغلوطة والمضمون الساذج والفقير لهاتين السورتين يمثلان
دليلا واضحاً وجلياً لكلّ باحث قرآني أو من له أدنى اطلاع على المحتوى القرآني
والبلاغة والفصاحة القرآنيين على تدخّل يد الجعل فيهما، وكلّ من ينظر إليهما بعين
الإنصاف والعدل لا يتردد في الحكم عليهما بالوضع والجعل.
أ ـ وكنموذج، المقطع الأول من سورة النورين حيث نقرأ "يا
أيّها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم
عذاب..."، ففي هذا المقطع يتم أمر المؤمنين بالإيمان بالنورين اللذين أنزلا
ليتلوا آيات الكتاب و...، من هو المراد بالنورين المنزلين لتلاوة كتاب الله وتحذير
الناس من العذاب والعقاب؟ هل يمكن استنتاج معنى معقول ومحصل من وراء هذه الجمل؟!
ب ـ وكذلك نقرأ في مقطع آخر من السورة نفسها: "واصطفى من
الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه..." فلماذا اصطفى من الملائكة وجعل
المؤمنين، وما معنى أنهم في خلقه؟
ج ـ وهكذا في مقطع ثالث نجد: "ولقد أرسلنا موسى وهارون بما
استخلف فبغوا هارون فصبر جميل" فما معنى هذه العبارة التي لا أول لها ولا
آخر؟!
د ـ وفي موضع آخر جاء: "ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك
من المرسلين وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون"، ما معنى أننا آتيناك كلمات
لعلهم يرجعون؟ وما هو مرجع الضمير في لعلهم يرجعون؟
الصفحة 386
هـ ـ وفي موضع آخر يقول: "يا أيّها الرسول قد جعلنا لك في
أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين"، كيف يتسنى للنبىّ أن يأخذ
عهداً وضع في ذمة المؤمنين وتحت إرادتهم واختيارهم، ومن ثم يكون شاكراً على ذلك؟!
لعل هذه العبارة مستقاة ـ عن تقليد ـ من الآية الشريفة 144 من سورة
الأعراف، وأُريد لها أن تجعل على نسقها، فقد ورد في هذه الآية ضمن خطاب موجّه إلى
موسى عليه السلام: (يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك
وكن من الشاكرين * وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء)، وهذه الآيات تشير إلى أن
الله سبحانه يطلب من موسى أخذ الألواح، والشكر على إعطائه التوراة، وهو أمرٌ يمكن
فهمه وتعقله.
و ـ وفي موضع آخر أيضاً: "إنّ عليّاً قانت في الليل ساجد يحذر
الآخرة ويرجو ثواب ربّه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون"، ما هو
معنى جملة "قل هل يستوي الذين ظلموا" في هذا النصّ؟ وما هي المناسبة
الموجودة بين هذه الجملة وما بعدها؟
لعلّ من اختلق هذه الآية حاول محاكاة الآية 11 و12 من سورة الزمر
التي كانت آنذاك في ذهنه، والتي جاء في نهايتها: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون)، فأراد استخلاص أنموذج من هذه الآية دونما معرفة بسياقها ونسقها، غافلا
عن كونها في مقام الاستفهام الإنكاري، فالقرآن الكريم يقوم هنا بمقايسة ما بين
أولئك الذين اتخذوا ـ جهلا وعناداً ـ شريكاً لله تعالى، وذلك لإضلال الناس عن
الطريق السوي، وأولئك العاكفين في محاريب الليل في محضر الله تعالى خاضعين له
وخاشعين، يرجون رحمته ويخافون عذابه، (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون)، لكن هل للاستفهام الإنكاري في تلك العبارة المجعولة السخيفة من معنى؟!
و قد صرح النوري الطبرسي بعد نقله للسورة المزعومة عن كتاب دبستان
مذاهب بأن ليس ثمة أثر لهذه السورة المزعومة في أي كتاب من كتب الشيعة فقال : « لم
أجد أثراً لها في كتب الشيعة سوى ما يُحكى عن كتاب المثالب المنسوب إلى ابن شهر
آشوب : أنهم أسقطوا تمام سورة الولاية ، فلعلها هذه السورة »
وصاحب كتاب دبستان مذاهب رجل مجهول وقيل أنه من أصحاب وحدة الوجود
والزنادقة الطاعنين في الدين
وأما كتاب المثالب فلا وجود له ولم يقف عليه أحد ولم يذكر نص
السورة المزعومة ومؤلفه من الروافض المتأخرين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله
وصحبه وسلم
