الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد رأيت فتيا لحاتم العوني يدعي فيها أنه لا يصح عن أحد من
الصحابة والتابعين ولا الأئمة المتبوعين النهي عن تهنئة اليهود والنصارى بأعيادهم
والواقع أنه وقع منهم النهي عما هو دون ذلك وأما التهنئة فما كان
يفكر فيها مسلم نهائياً قبل عصر ما بعد الاستعمار
ويبدو أن حاتماً يدخل الموسوعة الشاملة ويكتب ( تهنئة اليهود
والنصارى ) فحين لا يجد يذهب ويدعي هذه الدعاوى الكبيرة متناسياً أو متجاهلاً أن
الناس يعبرون عن المعاني بألفاظ مختلفة
قال الخلال في أحكام أهل الملل باب في كراهة خروج المسلمين في
أعياد المشركين
126 - أَخْبَرَنِي محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا مهنا، قَالَ: سألت
أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل طور تابوت، ودير أيوب،
وأشباهه يشهده المسلمون؛ يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه البقر والغنم، والدقيق
والبر، وغير ذلك، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم ببيعهم؟
قَالَ: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق، فلا بأس.
127 - أَخْبَرَنَا محمد بن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الرحمن بن
حماد، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو قتيبة البصري، قَالَ: سمعت ابن سيرين يقول في قوله:
{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] قَالَ: هو: الشعانين.
فإذا كانوا ينهون عن مجرد شهود احتفالهم فكيف بتهنئتهم وأثر ابن
سيرين احتج به أحمد ابن حنبل مما يرفع جهالة أبي قتيبة
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح :" قَالَ أَبُو الْحَسَنِ
الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ نَصَّ
عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] قَالَ الشَّعَانِينُ:
وَأَعْيَادُهُمْ فَأَمَّا مَا يَبِيعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ فَلَا بَأْسَ
بِحُضُورِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فَقَالَ: إنَّمَا
يُمْنَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ وَكَنَائِسَهُمْ، فَأَمَّا مَا
يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ الْمَأْكَلِ فَلَا، وَإِنْ قَصَدَ إلَى تَوْفِيرِ
ذَلِكَ وَتَحْسِينِهِ لِأَجْلِهِمْ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: فِي جَامِعِهِ (بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ
خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ) وَذَكَرَ عَنْ مُهَنَّا
قَالَ سَأَلْتُ: أَحْمَدَ عَنْ شُهُودِ هَذِهِ الْأَعْيَادِ الَّتِي تَكُونُ
عِنْدَنَا بِالشَّامِ مِثْلَ دَيْرِ أَيُّوبَ وَأَشْبَاهِهِ يَشْهَدُهُ
الْمُسْلِمُونَ يَشْهَدُونَ الْأَسْوَاقَ وَيَجْلِبُونَ فِيهِ الْغَنَمَ
وَالْبَقَرَ وَالدَّقِيقَ وَالْبُرَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا
يَكُونُ فِي الْأَسْوَاقِ، يَشْتَرُونَ وَلَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ
قَالَ: إذَا لَمْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ
السُّوقَ فَلَا بَأْسَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنَّمَا رَخَّصَ أَحْمَدُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي دُخُولِ السُّوقِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ
بِيَعَهُمْ فَعُلِمَ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِ بِيَعِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَخَذَ الْخَلَّالُ
مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيَادِهِمْ فَقَدْ
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مِنْ الْمَنْعِ مِنْ دُخُولِ كَنَائِسِهِمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَهُوَ كَمَا
ذَكَرْنَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ
كَفِعْلِهِمْ قَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مَسْأَلَةٌ
فِي الْمَنْعِ مِنْ حُضُورِ أَعْيَادِهِمْ"
وطريقة العلماء في إقامة الأدلة أدق من طريقة العوام وأشباههم مثل
الدكتور حاتم _ فهو شبه عامي في الفقه وأصوله _
قال مسلم في صحيحه 858- [84-413] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ (ح) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ،
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ :
اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ
وَهُوَ قَاعِدٌ ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ ، فَالْتَفَتَ
إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا
بِصَلاَتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا
لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ ، وَهُمْ
قُعُودٌ فَلاَ تَفْعَلُوا ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا
فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا.
أقول : الصحابة ما قاموا تعظيماً للملوك وإنما يقومون في الصلاة
لله تبارك وتعالى ولكن لما كانت الصورة الظاهرية مشابهة لصورة تعظيم الملوك كره
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ونهاهم عنه
قال أبو داود 3313 حدَّثنا داودُ بن رُشَيد، حدَّثنا شعيبُ بن
إسحاقَ، عن الأوزاعيِّ، عن يحيى بن أبي كثيرِ، حدَّثني أبو قِلابةَ
حدَّثني ثابتُ بن الضحَّاك، قال: نذرَ رجلٌ على عهدِ رسولِ الله
-صلَّى الله عليه وسلم- أن ينحرَ إبلاً ببُوانةَ، فأتى رسول الله -صلَّى الله عليه
وسلم -، فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببُوانةَ، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه
وسلم-: "هل كان فيها وثنٌ من أوثانِ الجاهليةُ يُعبَدُ؟ " قالوا: لا،
قال: "هل كان فيها عِيدٌ من أعيادِهم؟ " قالوا: لا، قال رسولُ الله
-صلَّى الله عليه وسلم-: "أوْفِ بنَذْرِكَ، فإنه لا وفاءَ لنذْرِ في معصيةِ
الله، ولا فيما لا يملكُ ابنُ آدمَ"
أقول : المسلم لو نحر في مكان ينحر فيه المشركون فإنه ينحر لله
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يشبههم بالصورة الظاهرية مع الغنية عن ذلك
وأعياد الناس من أخص خصوصياتهم الدينية فمشاركتك في عيد يوم معظم
عندهم لا يختلف عن مشاركتك في صلاتهم معهم في دار عبادتهم
وجاء في كتاب الأصل للشيباني وهو تلميذ أبي حنيفة ومنه يأخذ
الأحناف مذهبهم :" قلت: أفتحب أن يخرج أهل الذمة مع أهل الإِسلام في ذلك؟
قال: ما أحب ذلك، ولا ينبغي لأهل الإِسلام أن يتقربوا إلى الله تعالى بأحد من أهل
الذمة. وبلغنا عن عمر بن الخطاب أنه نهى
أن يحضر أحد من أهل الكفر عند المسلمين؛ لأن السَّخْطَة تنزل عليهم ، فكيف
أحضرهم دعاء المسلمين"
وأثر عمر الذي احتج به في شهود أعيادهم وهو مع كونه مرسلاً إلا أن
العلماء تلقوه بالقبول ولا معارض مكافيء له
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 14401 - حدثنا محمد بن يحيى ، أنبأ
العباس بن الوليد ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : « ( لا
يشهدون الزور (1) ) قال : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم
ولا يمالئونهم فيه »
وهنا سؤال هل أعياد النصارى من الحق أو الباطل ؟
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 14404 - حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا
أبو يحيى الرازي ، عن أبي سنان ، عن الضحاك : « ( والذين لا يشهدون الزور (1) ) قال : كلام الشرك »
وعيد مولد الإله أو ابنه هو كلام شرك وبناء عليه كلام قتادة وابن
سيرين والضحاك متفق والشهود شيء والتهنئة شيء زائد على مجرد الشهود
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 14405 - حدثنا الأشج ، ثنا عبد الله
بن سعيد أبو بكير النخعي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة : « ( والذين لا
يشهدون الزور (1) ) قال : لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا
يخالطونهم » وروي عن السدي نحو قول الضحاك
ومع كلام الشيباني وأحمد ابن حنبل يبطل ما ادعاه عن الأئمة
المتبوعين ومع هذه الآثار تبطل دعواه فيما ادعاه على السلف
وقال ابن القاسم في الأسقف يبيع أرض الكنيسة لمرمتها، وربما حبست
تلك الأرض على الكنيسة لمصلحتها؟ إنه لا يحل لمسلم أن يشتريها؛ لأنه عون على تعظيم
الكنائس؛ ولأنه حبس ولا يجوز لهم في أحباسهم إلا ما يجوز للمسلمين؛ ولا أرى لحاكم
المسلمين أن يتعرض فيها بمنع ولا تنفيذ لشيء، ولا أرى للمسلم أن يهدي إلى النصراني
في عيده مكافأة له، وأراه من تعظيم عيده وعونا له على مصلحة كفره، ألا ترى أنه لا
يحل للمسلم أن يبيع من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما، ولا أدما، ولا ثوبا،
ولا يعارون دابة، ولا يعانون على شيء من عيدهم.
وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لم
أعلمه اختلف فيه، هذا كلام ابن حبيب، وقد ذكر أنه أجمع على كراهة مبايعتهم
ومهاداتهم ما يستعينون به على عيدهم، وصرح بأن مذهب مالك لا يحل ذلك.
وجاء في المدونة : قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُكْرِي دَابَّتَهُ
مِنْهُمْ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَكْرَوْهَا لِيَرْكَبُوهَا إلَى
أَعْيَادِهِمْ.
فكيف يقال أن مالكاً لا نص له بتهنئتهم وهو نص على المنع من تأجير
دابة لهم ليشهدوا بها أعيادهم ؟
وعلى العموم بعدما استبانت شدة مجازفة حاتم العوني فقط مناكفة
للسلفية المعاصرة فإنه ينبغي ألا يوثق به وأن يدرج في سجل المجروحين في الأمانة
والعدالة
استدراك : قال الخلال في السنة1167 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سُلَيْمٍ أَبِي عَامِرٍ: «أَنَّ وَفْدَ الْحَمْرَاءِ أَتَوْا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يُبَايِعُونَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، فَبَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَأَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَيَصُومُوا رَمَضَانَ، وَيَدَعُوا عِيدَ الْمَجُوسِ، فَلَمَّا قَالُوا بَايَعَهُمْ
وهو في الإبانة لابن بطة وما الفرق بين عيد المجوس وعيد النصارى وإسناد هذا الخبر حسن
استدراك : قال الخلال في السنة1167 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سُلَيْمٍ أَبِي عَامِرٍ: «أَنَّ وَفْدَ الْحَمْرَاءِ أَتَوْا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يُبَايِعُونَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، فَبَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَأَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَيَصُومُوا رَمَضَانَ، وَيَدَعُوا عِيدَ الْمَجُوسِ، فَلَمَّا قَالُوا بَايَعَهُمْ
وهو في الإبانة لابن بطة وما الفرق بين عيد المجوس وعيد النصارى وإسناد هذا الخبر حسن
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله
وصحبه وسلم