السبت، 22 أبريل 2017

راسل : التعاسة التي جلبتها لنا الديمقراطية ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :
 
تحدث برتراند راسل في كتابه انتصار السعادة ( والمضمون لا علاقة له كثيراً بالعنوان ) عن كون علاقة الآباء بالأبناء والتي يفترض أن تكون السعادة بين الطرفين على أساس المحبة والبذل أخذت منعطفاً آخر فصارت سبب تعاسة للطرفين ( وهو يتحدث عن مجتمعه الغربي )

وهو وإن كان من أنصار الديمقراطية إلى أنه اضطر إلى الاعتراف ببعض سلبياتها الاجتماعية على مجتمعه الغربي بحسب فهمهم لها وطبعاً كان يوضح هذا بلغة فيها من الخوف من السخط العام ما فيها لهذا اضطر للاحتراز في آخر كلامه والتوكيد أنه ليس ضد الديمقراطية

قال راسل في كتابه انتصار السعادة ص 209 :" وقد اقتربنا من هذه المشكلة أكثر عند مرورنا على الصعوبات النفسية التي توجد حالياً في علاقات الوالدين بالأطفال وهي في الحقيقة جزء من مشاكلنا التي نجمت بسبب الديمقراطية ، ففي الأزمان القديمة كان السادة والعبيد وكان السادة يحددون ما يجب عمله ، وكانوا بصفة عامة يحبون عبيدهم حيث أن عبيدهم هم خدام سعادتهم وربما كان العبيد يكرهون سادتهم رغم أن ذلك يحدث بالعمومية التي جعلتنا النظرية الديمقراطية نعتقدها ولكن حتى وإن كانوا يكرهون سادتهم فلم يكن سادتهم يعلمون هذه الحقيقة وكان السادة على أي حال سعداء ، وبالقبول العام للنظرية الديمقراطية تغير ذلك كله ، فالعبيد الذين كانوا مذعنين سابقاً امتنعوا عن الإذعان والسادة الذين كان لا يعتريهم شك في حقوقهم غير مترددين أو متأكدين ، ونشأ الاحتكاك وأدى إلى التعاسة في كل الجانبين وأنا لا أقول هذا كجدل ضد الديمقراطية لأن المشاكل التي نحن بصددها لا بد منها في أي تحول مهم ، ولكن من غير المجدي غض النظر عن هذه المشاكل

والتغير في العلاقة بين الوالدين والأبناء يعد مثلاً مميزاً للانتشار العام لقيم الديمقراطية فلم يعد الآباء واثقين من حقوقهم تجاه الأبناء ولم يعد الأبناء يحسون بأنهم مدينون بالاحترام للوالدين وفضيلة الطاعة التي كانت تؤدى من قبل دون سؤال صارت غير مناسبة للعصر ، وذلك صحيح وقد أفزع التحليل الوالدين المتعلمين خوفاً من الضرر الذي يمكن أن يحدثاه دون دراية لأبنائهم فإذا قاموا بتقبيلهم فربما أوجدوا عقدة أوديب وإذا لم يفعلا فربما يحدثان السخط والغيرة ، وإذا أمروا الأولاد بفعل أمور معينة فقد يؤديان بذلك إلى نشأة الإحساس بالإثم وإذا لم يفعلا يكتسبان عادات يعتقد الوالدان أن غير محببة ، فعندما يقوم الطفل بامتصاص إبهامه يستخلصون من ذلك الاستنتاجات المخيفة ويقعان في حيرة شديدة فيما يتعلق بكيفية إيقافه عن فعل ذلك ، والأبوة التي كانت من المعتاد أن تكون ممارسة للسلطة المنتصرة أصبحت قلقة جبانة ومليئة بالشكوك الواعية فالمتع البسيطة القديمة ضاعت

ويتضح ذلك بالذات نتيجة للحرية الجديدة للنساء غير المتزوجات تضطر الأم للتضحية أكثر كثيراً من ذي قبل حين تفكر بالأمومة في مثل هذه الأحوال تطلب الأمهات ذوات الضمائر الحية القليل من أولادهن بينما تطلب عديمات الضمير الكثير جداً فالأمهات ذوات الضمائر الحية يكبحن جماح عواطفهن الطبيعية ويصبحن خجولات ، بينما الأمهات عديمات الضمير فينشدن من اطفالهن تعويض عن المتع التي عليهن الإقلاع عنها ، ففي حالة يتم تجويع عواطف الطفل وفي حالة أخرى يتم تنبيهها أكثر من اللازم ولا تتوفر في أي حالة من الحالتين سعادة طبيعية بسيطة "

ثم تحدث عن كون هذا هو السبب الرئيسي في انخفاض معدلات المواليد

الواقع يؤكد بقوة ما ذكره راسل ولم يزدد الناس إلا بؤساً والديمقراطية في الغرب ليست مجرد ممارسة سياسية بل هي عقيدة تحرك الحياة

فانظر إلى حديث راسل عن التعاسة بسبب انتهاء الرق وهذا من أعجب ما تقرأ

ويضاف إلى كلامه إلى أن الرق بصورته القديمة انتهى ولا زال في النفوس ولا زالت بقاياه في العنصرية التي تؤكدها نظريات مثل نظرية التطور وغيرها تؤكد أفضلية العرق الأبيض مع الظلم العظيم الذي وقع على السود في الأزمنة الماضية مما جعل الجرح غائراً

وقد تكلمت مراراً على الفرق بين الرق في الإسلام والرق الأوروبي فليراجع مقالي الحرية أم الديمقراطية

ثم انظر إلى كلامه عن قيم الأبوة وكيف انتشر العقوق بينهم وهذا بسبب غياب القيم الإسلامية او الدينية ككل مما جعل الأمر تعاسة في تعاسة وكلامه عن وسوسة كتب التربية لطيف وفعلاً هذه حال نشاهدها في الكثيرين اليوم

ومع ذلك الأمر منضبط فلا طاعة للوالدين إلا بالمعروف وللوالد حقوق على ولده وللولد حقوق على والده كل ذلك منضبط في نصوص الكتاب والسنة

ومن الازدواجية التي تعيشها كثير من النساء استفادتهن من الشرع في حقوق الأم وفي النفقات التي تجب على الرجل حتى إذا طلقهن وفي المهر وفي حق في الميراث والذي لو ترك الأمر لكثير من الرجال ما أوصوا لهن بشيء وبسقوط الكثير من التكاليف الشرعية عنهن مثل وجوب صلاة الجماعة والجهاد وأحكام الإحرام وغيرها

ثم إذا كلمتهن بإيجاب الشرع الستر عليهن رفضن هذا وأي أحكام لا تعجبهن فيأخذن من الشرع ما يردن ويتركن ما لا يردن

ويأبين طاعة الزوج ويتعجبن من عدم طاعة اولادهن لهن !

وتأمل ما ذكره راسل عن آثار الزنا والذي حاول التعبير عنه بألفاظ لا تسعد المتدينين لشدة حنقه القلبي على الدين وأهله

فالنساء اللواتي ينجبن من الزنا يتحملن مسئولية الأولاد وهذا يجعلهن يفقدن الكثير من المتع في مجتمعاتهن الإباحية ولأنها لا تريد أجراً من الله على هذا فهي إما أن تكبت شهواتها وتبقى حزينة وتجعل ولدها يعيش حياته وهو يشاهد أمه حزينة دائماً وإما تتوحش وتظهر الجشع وتلزم ولدها بأن يعوضها عما فاتها مما يجعله حزيناً هو الآخر وهي ستحزن لحزنه أيضاً وربما تكتشف مؤخراً أنها السبب الرئيسي في تعاسته

هذا شيء مما يعدنا به استيرادنا لقيم القوم واستغنائنا عن ديننا فهذا كلام رجل يعيش في بريطانيا العظمى التي نهبت ثروات الهند وقارة استراليا وأمريكا ومع ذلك التعاسة فاشية فيهم جداً

وانظر إلى معدلات الانتحار في الكثير من الدول التي تسمى متقدمة هذه إيقاظة يسيرة وللكلام بقية وذكرت كلام راسل لأنه ملحد ولكن الكثيرين يعتمدون كلامه ولأنه شاهد على قومه فشهادته أبلغ وشهد شاهد من أهلها
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم