الخميس، 20 أبريل 2017

يتكلمون وكأن الجنة ملكهم ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :
 
تأملت في أصل الضلال والشبهات عند كثير من الملاحدة والربوبيين والتنويريين والعلمانيين والليبراليين وأمثال عدنان إبراهيم

فوجدت أنهم جميعاً يتفقون على أصل هام عندهم وهو أن خالق هذا الكون ورسله لا يصلحان أن يكونا سبباً في موقفك من شخص أو عقوبته وينبغي أن يكون الله ورسله قيمة محايدة شأنه شأن لون البشرة تعالى الله عما يقولون

فإن قلت كيف هذا ؟

فأقول : أساس احتجاجهم على حد الردة أو بعض أحكام المواريث أو الجهاد أو حتى الاسترقاق مبني على أصل أن كفر الإنسان ليس ذنباً يوجب أن تتخذ منه موقفاً بل موقفه من الله عز وجل قيمة محايدة

ولما استقرت هذه الفكرة في رؤوس كثير من الناس صاروا يستشكلون أحكام أهل الذمة وألا يقتل مسلم بكافر

نعم هناك أحكام تفضل من الله عز وجل على الكفار رحمة منه سبحانه وأمر بالإقساط إليهم في أبواب عديدة من باب الفضل والإمهال وليس من منطلق أنه حق أصلي لهم

وقد قلت آنفاً : اذا جاءك تنويري يقول عن نفسه مسلم ثم هو يعترض على بعض الأحكام المتعلقة بالكفار في التشريع الاسلامي مثل الجزية وحد الردة وغيرها

فقل له :هذا الكفر يوم القيامة في عقيدتنا يوجب الخلود في النار فإذا كنّا لا نعترض على وجود عقوبة أخروية على الكفر فكيف نعترض على كون الموقف الديني مؤثرا في الحكم في تشريع إسلامي أصلا مبني على الدين

واللاديني الذي يعترض على هذه الأحكام ينطلق من كون الدين شيء لا يمكن إثبات صحته وهو أمر ذوقي أ وراثي وبناء عليه اعتباره كأساس في بعض الأحكام أمر ظالم كاعتبارك اللون مثلا أساسا في الحكم

وفِي دولة أصلا تقوم على الدين كيف يكون مثل هذا التصور ذَا قيمة وهنا يقع الخصم بالتناقض حيث يلزمك بنظرته لدينك ويلزمك في دولة أصلا قائمة على الدين أن تتعامل مع الدين على أنه قيمة هامشية أو محايدة لا يمكن التدليل على صحتها فضلا عن اعتبارها الغاية التي فيها الإجابة على الأسئلة الوجودية

وبناء عليه القفز إلى البحث في هذه الأمور قبل الكلام في ثبوت صحة الدين وضرورته عبث

وتسليم المسلم لإرجافهم يوقعه في تناقض كبير حيث يسلم أن القيمة التي وجد من أجلها الوجود في اعتقاده قيمة محايدة تماماً في الأحكام وهامشية ولا يخفى تناقض المادي الذي يطالب بالمساواة فالمادة التي يؤمن بها واضح أنها غير قائمة على المساواة بل التفاوت فيها كبير جداً فمطالبته بالمساواة في كون مادي محض كالمطالبة باستخدام ألوان متناسقة في مجتمع كله عميان فإن قلت : أليس هناك أحكاماً يظهر فيها الارتفاق الظاهر بالكفار مثل أنهم ليس عليهم في مواشيهم أي ضريبة والمسلم تلزمه الزكاة في مواشيه وكون المرأة الذمية والطفل لا جزية عليهم والمرأة المسلمة في مالها زكاة وإيجاب الكثير من الفقهاء القتل للمسلم الذي يقتل كافراً غيلة أو حرابة واستثنائهم القتل الجنائي مع كونه فيه دية وعقوبة مع الوعيد الأخروي الشديد وقول كثير من الفقهاء أن الذمي إذا شرب خمراً لا يجلد وإجماعهم أن الرقيق المحصن لا يرجم مع سواء كان مسلماً أو كافراً وقطع يد المسلم إذا سرق من مال الكافر وإسقاط القطع على المعاهد للشبهة فيقال : هذه كلها أحكام تفضل مبنية على كون المسلم في بلاد الإسلام عليه حقوق أكثر وواجبات أكثر كما حامل الجنسية في بلاد التجنس اليوم  ووجود الكافر في ديار الإسلام  أصله الدعوة وما يحصل عليه بدل الجزية.

إذا فهمت هذا فافهم أن كثيراً من المنتسبين للملة يعيش حالة من الازدواجية وحالة من تأليه النفس

أما تأليه النفس بل جعلهم لأنفسهم فوق الله تبارك وتعالى وذلك ظاهر من أسئلتهم فيقول لك النصراني الذي يحسن إلي لماذا لا يدخل الجنة ؟

فلسان حاله يقول أنه وإن أساء لله عز وجل الذي أنعم علي وعليه بكل النعم فإنه أحسن إلي وأنا في نفسي أقدس من الله وبناء عليه يستحق الجنة التي هي ملك الله وليست ملكي

فانظر العجب !

وهل الكافر عمل هذا طلباً لثواب الله وإيماناً بالآخرة أو فعله يريد ما عند الناس فالله يعطيه ما عند الناس لأنه أراده (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا)

والكافر يأكل بحسناته في الدنيا
وقد روي عن عمر أنه قال في أهل الكتاب : أهينوهم ولا تظلموهم فإنهم سبوا الله مسبة ما سبه إياه أحد من العالمين .

وهذا الأثر وإن كان ضعيفاً بل ربما لا أصل له إلا أنه يجسد حقيقة التشريعات الإسلامية وهي أنك تأخذ موقفاً من الكافر حمية لله عز وجل وأما اليوم فيعقلون أن تأخذ موقفاً من مخلوق لأجل مخلوق ولا يعقلون أنك موقفاً من مخلوق لأجل الخالق

وهذا التناقض بل الدور يقع فيه الملحد والربوبي فهو يكفر بالله عز وجل لأنه يؤله نفسه فهو يرى نفسه أعذب من أن يعذب في النار لأجل الإله الذي أعطاه الوجود والقيمة ولهذا يكفر بالله ! ولا يخفى أن هذا دور أو استدلال دائري فإذا ثبت وجود الله عز وجل وأنه المنعم بكل النعم وأنه مانح الوجود والقيمة فله سلب ما منح وإيقاعك في أشد صور الذل والمهانة لأنه هو الذي منحك القيمة بل أساس القيمة وهو الوجود وإنما يسلب ما منح وقد رحمك وأنذرك وما سألك شيئاً فوق طاقتك وتعهد لك بالتجاوز عن الكثير من زللك

ومن تأليه الذات مطالبتهم بتكفير من يستحل دماءهم ولو لشبهة وغضبهم من تكفير من يسب الله ويجعله ثالث ثلاثة

ولو لم تكن أنفسهم عندهم أقدس من الله ما فكروا هذا التفكير

فأثابهم الله ذلاً إلى ذلهم

وهذا الأساس الفاسد من تأليه البشر هو الذي ينطلقون منه في التسوية بين دار شرك ودار توحيد وبين حرية المشرك وحرية المسلم في دار الإسلام
ويا ليت شعري أنا إذا ذهبت إلى ديار الكفر فأهلها يعبدون المال والمال عندهم أعز من دينهم إن كان لهم دين فبمجرد أن أعطيهم مالاً يسمحون لي بإظهار أمور من ديني

ولكن هل علي أن أصير مثلهم رخيص الدين وأبيعه من عرض من الدنيا قليل إن جاءني كافر وأقام عندي !

فأسمح للكافر بكل كفر وعربدة

وأبيع ديني كما باعه

هذا تأليه النفس وأما الازدواجية فكونهم يأخذون من الدين ما يحبون فقط وأحكام الولاء فيستفيدون من أحكام الزكاة والصدقات والأخلاقيات التي يفرضها الدين وأحكام الولاء والتآخي بين المسلمين ولو تباعدت أقطارهم ثم لا يريدون براء ولا أي شدة في الدين

ما الذي بيني وبين الاندونيسي لا عرقي عرقه ولا لغتي لغته وإنما أؤاخيه في الدين

والقوم يقبلون بأخوة وطنية فلا يصلح رئيساً للبلاد إلا شخص من مواليد هذه البلاد بل لا بد ان يكون والديه من هذه البلد وقديماً المسلم في أي بلد من بلاد الإسلام له الحقوق كاملة

وأما الأخوة التي تشمل كل البشر فهذا معنى طوباوي محلق لا حقيقة له فالأخوة مزيد ولاء فإذا كنت توالي جميع الناس بنفس الرتبة فهذه ليست أخوة بل الأخوة الإنسانية معنى مخادع لإلغاء الأخوة الحقيقية

ولإيضاح المسألة أكثر الأنبياء جاءوا لتوضيح العلاقة مع الله عز وجل فرسالتهم لم تكن لإصلاح دنيا الناس فحسب بل الأساس إصلاح دينهم

يوضح ذلك أن من يزكي رياء معاقب عند الله

ومن ينوي الزكاة مخلصاً لله وإن لم يتمكن من الزكاة فإنه مثاب عند الله عز وجل

فلو كان الأمر إصلاح دنيا فقط بدون أي أثر للموقف من الله عز وجل لما استحق المرائي العقوبة إذ صرف حق الله لغيره مع أنه نفع الخلق ظاهرياً

ومن هنا تعلم أن الأصل العظيم الذي ينطلق منه كل زنادقة زماننا وجهلتهم وهو أن التجربة الغربية تجربة ناجحة أصل فاسد فتضييع الدين والعرض وكسب الدنيا هو الخسران المبين وما كان حال فرعون إلا هذا فمن يشك أن مصر كانت حضارة في وقته ومع ذلك ضيع الدين

والغرب اليوم يضيعون الدين والعرض وينبغي للمسلم لو خير بين التقدم المادي مع ضياع الدين والعرض وبين التأخر المادي مع بقائهما فينبغي أن يختار الأخير فلو شيء أعز من الدين ومن أجل العرض تبذل النفس

قال تعالى : (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7))

وهذا الضرب الذي يذمه الله عز وجل يسميه الناس اليوم أهل حضارة وتقدم ويقدسونهم تقديساً عجيباً بدلاً من أن يعتبروا أن تقدم الآلة ما أغناهم حتى سجلوا معدلات قياسية في الانتحار وانتشر بينهم العقوق وتعاطي الخمور والمخدرات وزنا المحارم واللواط وغيرها من البلايا مع تضييع الدين

وليس معنى هذا أن الدين يعارض التقدم ولكن التقدم التقني أو الرخاء الاقتصادي مجرد قيمة عارضة تذهب وتأتي ولها أسبابها المادية التي من عمل بها حصلها ولكن لا تكون الغاية العظمى فلا يعلم أحسن تدبيراً لدنياه من الأنعام ولا زال البشر يتنزهون عن مسالكها فالذي يميزنا عنهم الغاية والتعاسة تخيم على الكثيرين ويعيشون معيشة ضنكاً مع التقدم المادي وانظر إلى قصص المسلمين الجدد منهم لتعلم حقيقة الحال

قال تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)

وقد كان فارس والروم أهل تقدم في الدنيا فما أبهر هذا الصحابة بل احتقروهم لشركهم بالله وملأ قلوبهم العزة تجاههم

قال أحمد في مسنده  12440 - ثنا أبو النضر ثنا المبارك عن الحسن عن أنس بن مالك قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على سرير مضطجع مرمل بشريط وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر فانحرف رسول الله صلى الله عليه و سلم انحرافة فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فبكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه و سلم ما يبكيك يا عمر قال والله الا أن أكون أعلم انك أكرم على الله عز و جل من كسرى وقيصر وهما يعبثان في الدنيا فيما يعبثان فيه وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى فقال النبي صلى الله عليه و سلم أما ترضى ان تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال عمر بلى قال فإنه كذاك. ( والحديث في البخاري بسياق أطول )

فتأمل جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وقد حكم عمر مكان كسرى وهرقل فما تغير عن زهده فالزهد لا يعني ترك الجهاد وإقامة العدل ولكنه يعني أيضاً أن يكون الغاية الأولى من تحقيق العدل والجهاد طلب رضا الله وأن يكون رأس العدل توحيد الله عز وجل وهنا يطرح الله البركة وتتحقق المعجزات

قال ابن أبي شيبة في المصنف [34084]:
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حاصَرْنَا تُسْتَرَ، فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ , فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى مَعِيَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ سَكَتَ الْهُرْمُزَانُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ عُمَرُ: تَكَلَّمْ.
فَقَالَ: كَلاَمُ حَيٍّ، أَوْ كَلاَمُ مَيِّتٍ؟
قَالَ: فَتَكَلَّمْ فَلاَ بَأْسَ، فَقَالَ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، كُنَّا نَقْتُلُكُمْ وَنُقْصِيكُمْ , فَأَمَا إِذْ كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ.

وقد سلط الله بختنصر الوثني على بني إسرائيل ( وذكر هذا في مقدمة سورة الإسراء ) وذلك لأن بني إسرائيل بما معهم من علوم الأنبياء أبعد عن عذر الله من الوثني لهذا يسلط الله عليهم من لا يخافه ليكون أنكل لهم في العقوبة وأدعى للرجوع ونحن ورثة الوحي اليوم وما دمنا على الإعراض عنه وتقديس الغرب فلن تزداد إلا ذلاً

( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)

ولا فرق بين مستعيذ بالجن ومستعيذ ببشر مثله

ولإيضاح الأمر أكثر خذ هذه الأمثلة الثلاثة

المثال الأول : قال أحمد في مسنده ) 25404- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيَفُكُّ الْعَانِيَ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيُحْسِنُ الْجِوَارَ ، فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ ، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا قَطُّ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ ، وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً : فَأَثْنَتْ عَلَيْهِ.

فانظر لهذا الرجل الذي تخلق بكل هذه الأخلاق الحسنة والتي لما رأى بعض المفتونين أقل منها بكثير في الغرب قال وجدت إسلاماً بلا مسلمين

كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح أن ذلك لن ينفعه في الآخرة لأنه إنما فعله للدنيا ولمدح الناس والأنبياء ليسوا دجالين ولا كذبة يحصلون المنافع من الناس بتخويفهم من خيال وإنما هم رسل من الله يخاطبونهم بإصلاح البواطن مع الظواهر ومن تأمل هذا الباب وجده من أعظم دلائل النبوة ومن أعظم ما يميز النبوات عن الفلسفات

المثال الثاني : قال الترمذي في جامعه 2382 - حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الوَلِيدُ بْنُ أَبِي الوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا الأَصْبَحِيَّ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، دَخَلَ المَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ [ص:592] نَشْغَةً فَمَكَثْنَا قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ [ص:593] حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ , فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ "، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» وَقَالَ الوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ «أَنَّ شُفَيًّا، هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا» قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَحَدَّثَنِي العَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: " قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 16] ": «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ»

فهؤلاء ثلاثة تحصلت منهم فوائد دنيوية ودينية عظيمة أحدهم عالم دين والثاني مجاهد والثالث متصدق سيدخلون النار لأنهم فرطوا في حق الله وجعلوا ما له من الإخلاص لمخلوقاته فهل يعقل هذا المعنى من يسأل عن الكافر هل يدخل أم لا ؟ وهل يعقل هذا المعنى من يقدس الكافر لوجود بعض الفضائل الدنيوية عنده

بل يقدسون الكفار لوجود الصناعات عندهم وما صنع الكافر شيئاً إلا وفي مخلوقات الله عز وجل ما هو أعظم منه بكثير والكافر ما تمكن مما تمكن منه إلا بتوفيق الله وقد كان المسلمون قديماً أهل تقدم في هذه الأبواب فما فكر الكافر بدخول دينهم بمجرد تفوقهم في هذا الباب ولا بالإزراء على دينه

المثال الثالث : قال البخاري في صحيحه 3883 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ

أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وحاميه وأعظم أعماله وأسوأ أعماله مقدمتها الحمية وكان له فضائل عظيمة ومع ذلك لما كان مشركاً ما نفعه حتى حمايته للدعوة وللنبي صلى الله عليه وسلم نفسه لأن حق الله أعظم من حق النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن غيره

فافهم حق الله فوق كل شيء الله عز وجل هو الذي خلقك ومنحك كل شيء وبدونه الحياة بلا معنى فهي ستكون جاءت بلا سبب وتسير بلا غاية وتنتهي إلى لا شيء

فمن تشبع بهذا المعنى فقه الأخبار مثل ( ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها ) لأن ذلك سعي في الغاية التي وجدت من أجلها وعلم أن كل ما في هذه الدنيا زائل والباقي وجهه فلم يقل الله لك ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ) لكي تقدس غربياً احتل أرضك وسرقك وهتك الأعراض ثم حصل له نوع تقدم مادي مع تأخر ديني وأخلاقي وتقدم مراده على مراد الله وتدعو لتجديد خطاب ديني ليرضى عنه والله أحق أن ترضوه، وعامة من يقول لك مشكلتي مع فهم المؤسسة الدينية وغير ذلك كذاب هو مشكلته مع هذا الأصل الذي أكده الوحي مراراً واتفق عليه المسلمون على مر العصور
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم