الجمعة، 22 أبريل 2016

التحذير من تأييد ما يسمى ب( جرائم الشرف )



أما بعد :
 
فإن المنتسبين للإسلام قليل منهم من يطبق الإسلام في حياته في القضايا الكبرى مع الأسف الشديد بل كثير منهم عاد إلى مقاربة إلى أحوال الجاهلية

فالجاهليون كانوا لا يسدون الذريعة إلى الشر فإذا وقع بالغوا في التعامل معه

خذ مثال : يأد المرء منهم ابنته خوفاً من العار أو خوفاً من الفقر

ولو تأملت أحوالهم لرأيتهم مغرقين في الربا الغني منهم مبتعد عن الصدقة مولغين في إنفاق الأموال فيما ضرره أكثر من نفعه كالخمر والنساء غير محتجبات الحجاب المحتشم ويتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ويدخل المرء على المرأة ليست منه بسبيل فيخلو بها ويعولون على حب الشرف في ترك الفاحشة

فمثل هذا من الضروري أن يكثر في هذا المجتمع الفقر وأن يقع فيه زنا وبلاء مع كونهم يرونه شراً

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان وهو يتكلم عن البلغار :" وينزل الرجال والنساء النهر فيغتسلون جميعا عراة لا يستتر بعضهم من بعض ولا يزنون بوجه ولا سبب، ومن زنى منهم كائنا من كان ضربوا له أربع سكك وشدّوا يديه ورجليه إليها وقطّعوا بالفأس من رقبته إلى فخذه، وكذلك يفعلون بالمرأة، ثم يعلّق كلّ قطعة منه ومنها على شجرة، قال: ولقد اجتهدت أن تستتر النساء من الرجال في السباحة فما استوى لي ذلك، ويقتلون السارق كما يقتلون الزاني"

فانظر إليهم لما لم يسدوا الذريعة غلظوا العقوبة جداً

وأما الشريعة الإسلامية فجاءت بسد الذرائع فجاء الحجاب ومنع الاختلاط ومنع الربا والاحتكار ومنع شرب الخمر وساعتئذ يتأسس المجتمع على الفضيلة وقبل ذلك كله توحيد الله عز وجل منبع كل فضيلة

فإذا وقعت الفاحشة روعي اختلاف أحوال الناس فلا يجعل الأعزب كالرجل الذي كفاه الله بالحلال فمنهم من عقوبته الجلد ومنهم من عقوبته الرجم

ولو نظرنا إلى حال الكثيرين في أزمنتنا اليوم لوجدناهم أقرب إلى الجاهلية منهم إلى الإسلام

فتجده يترك الفتاة تتبرج وتخرج كما تشاء ولا ينشئها على تقوى أو صلاح بل يتركها أمام وسائل الإعلام التي تدعو باستمرار إلى الفاحشة ولكن بشكل مبطن عن طريق تصوير تفاصيل لذاتها وعرضها باستمرار وتهييج  الشهوات عند الشباب والفتيات

ثم إذا وقع من الفتاة البكر الفاحشة ذهب وقتلها وهذا اشتهر باسم ( جرائم الشرف ) ولولا أن كثيراً ممن يظن فيه الخير يقر مثل هذه الأعمال الفجة لما كتبت عليها

فأولاً : الزنا فاحشة عظيمة ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) وما فشا في مجتمع إلا وقع فيه شر عظيم من اختلاط الأنساب وزهد الرجال بالزواج مما يفتت الأسرة فالرجل إذا رأى أنه لا توجد عفيفة يحبس نفسه عليها وتصلح أن تكون أماً لأولاده ويثق بها زهد بالنكاح كما يحصل في كثير من البلدان الغربية لهذا تفشو الفاحشة وإذا جاء الأولاد فإما أن يتم إجهاضهم خوفاً من الأم أن تتحمل مسئوليتهم بعد فرار الأب أو تتحمل نفقتهم لوحدها لأن العلاقة أصلاً كانت غير شرعية وعابرة بل ربما كان الرجل والمرأة متباغضين

ولا أدري كيف للمرء منهم أن يثق بزوجته فهي إما أن تكون ذات دين يهودية أو نصرانية وهي زنت وخالفت دينها قبل الزواج فما الذي يمنعها من معصية ربها بعد الزواج

وإما أن تكون بلا دين فماذا سيعني الزواج لها ؟ هل ستخاف أن يعاقبها الله الذي لا تؤمن به إن زنت ؟

الأمر شر عظيم والله المستعان ، ولكن المرء الذي لا تمس يده يد المرأة حتى يخطبها من أهلها ويدفع المهر وهو واثق من عفتها فلا شك أن حياتهم ستكون أهنأ وأبعد عن الشكوك بل إن كانت عذراء ووجدها عذراء فإنه سيقول في نفسه قد حافظت على نفسها وهي شابة فكيف وقد كفاها الله عز وجل

(ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون )

ومع إقرارنا بعظيم جرم فاحشة الزنا وخطرها العظيم على المجتمع إلا أن العقوبة لا بد أن تكون منضبطة بالشرع وكل عقوبة لا تنضبط بالشرع مرفوضة والحكم بها طاغوتية

وهنا نأتي للنقطة الثانية

ثانياً : معلوم في الإسلام أن عقوبة الزاني والزانية البكر الجلد وأن عقوبة الجلد إنما يفعلها الإمام والسيد مع أمته باتفاق أهل الحديث

ولكن هذا بشرط بلوغ الأمر للأمير فإن لم يبلغ الأمر للإمام استحب ستره إلا أن يكون العاصي يشعر أنه سيعاود الذنب فيطلب التطهير

جاء في موطأ مالك  3036/ 624 - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْأَخِرَ زَنَى.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ ذَكَرْتَ هذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي؟
فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَتُبْ إِلَى اللهِ. وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ. فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ. فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى  عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْأَخِرَ زَنَى. فَقَالَ  سَعِيدٌ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. كُلُّ ذلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ (5) بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: «أَيَشْتَكِي أَبِهِ جِنَّةٌ؟».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَحِيحٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟».
فَقَالُوا: بَلْ ثَيِّبٌ. يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ.

هذا من مراسيل سعيد وهي قوية وتأمل ما قاله له الصديق وما قاله له الفاروق

وقال أحمد في مسنده 21894 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مَاعِزٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ»

وهذا في حق التائب الذي يظهر عليه أثر الندم آكد ما يكون

وقال البخاري في صحيحه 6801 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ فَقَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ إِذَا تَابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَكُلُّ مَحْدُودٍ كَذَلِكَ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.

والنبي صلى الله عليه وسلم سألهم أن ينظروا في ماعز هل هو ثمل ( استنكهوه ) وكره ما قال حتى عاد عليه ثلاثاً

وهذا يؤكد هذا المعنى

قال ابن أبي شيبة في المصنف [28664]:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ زُبيْدِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، يَقُولُ:
لَوْ أَخَذْتُ شَارِبًا لأَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ، وَلَوْ أَخَذْتُ سَارِقًا لأَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ.

قال الخرائطي في مكارم الأخلاق [404]:
حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا سعد بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثني أبي، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن زبيد بن الصلت، أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه قال:
لو رأيت رجلا على حد من حدود الله ما أخذته، ولا دعوت له أحدا حتى يكون معي غيري.

فهذا أول شيء غير أن الستر يكون في غير حق المجاهر المستهتر وإذا فشا الأمر في الناس وظهر التهاون منهم استحب للإمام بل تعين أن يجعل من الجاني عبرة كما فعل ابن مسعود لما وجد رجلاً وامرأة في فراش ولا يحل أحدهما للآخر ولكن لم يزنيا فأقامهما للناس وأخبرهم بأمرهما حتى يصيروا عبرة

فهناك فارق بين الإمام وبين المرء من أفراد الناس فالإمام إذا رفع له الأمر على وجه يثبت فيه الجناية لم يجز له التردد ولكن آحاد الناس يستحب لهم الستر على المذنبين هذا أولاً

ثم إن الإمام في العقوبات التعزيرية ينظر فإذا كان الأمر فاشياً زجر حتى ينتهي الناس وإن زلة عارضة ستر وخفف العقوبة مع الوعظ

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية :" قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت: لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ اطَّلَعْنَا مِنْ رَجُلٍ عَلَى فُجُورٍ، وَهُوَ يَتَقَدَّمُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ أَخْرُجُ مِنْ خَلْفِهِ قَالَ: اُخْرُجْ مِنْ خَلْفِهِ خُرُوجًا لَا تَفْحُشْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إذَا عُلِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْفُجُورُ أَنُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا بَلْ يُسْتَرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فِي مَعْنَى الدَّاعِيَةِ مَنْ اُشْتُهِرَ وَعُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَسَرَّ الْمَعْصِيَةَ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِبُ حَدًّا إنْ شَاعَ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَذْهَبَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْخُذَهُ بِهِ، وَإِلَّا سَتَرَ نَفْسَهُ"

إذا فهمت هذا تعلم أن إقامة الحد على الزانية من آحاد الناس أمر غير شرعي

قال ابن قدامة في المغني :" وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ التَّعْرِيضُ بِالْوُقُوفِ عَنْ الشَّهَادَةِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ عُمَرَ لِزِيَادٍ: إنِّي لَأَرَى رَجُلًا أَرْجُو أَنْ لَا يَفْضَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَنَّ تَرْكَهَا أَفْضَلُ، فَلَمْ يَكُنْ بَأْسٌ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الْفَضْلِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، فَقَالَ إنَّ لِي جِيرَانًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، أَفَأَرْفَعُهُمْ إلَى السُّلْطَانِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.»"

فكيف بعقوبة متجاوزة كقتل الزانية البكر فهذا أمر لا يجوز شرعاً وهو جريمة لا دفاعاً عن الزنا ولكن دفاعاً عن شرع الله عز وجل

فإن قيل : فكيف يتعامل معها خصوصاً في البلد الذي لا يطبق فيه الشرع ؟

فيقال : ينظر في نفسه وما قصر فيه من صيانتها ويدعوها إلى التوبة إلى الله فهذا ذنب عظيم ويعاقبها بما يناسب الحال من التأديب دون مجاوزة للحد

ويبعدها عن مواطن الشر ويستدرك ما ضيعه من تنشئتها على الخير فيصلح نفسه أولاً ثم يصلحها ثانياً ويغلظ في وعظها ويظهر لها الجفوة والتحزن على حالها حتى إذا آنس منها ندماً وأوبة وتديناً فالوصية العمرية

قال الطبري في تفسيره 11260- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أن رجلا أراد أن يزوِّج أخته، فقالت: إني أخشى أن أفضَح أبي، فقد بَغَيْتُ! فأتى عمر، فقال: أليس قد تابت؟ قال: بلى! قال: فزوّجها.
11261- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: أن نُبَيْشة، امرأةً من همدان، بغتْ، فأرادت أن تذبح نفسها، قال: فأدركوها، فداووها فبرئت، فذكروا ذلك لعمر، فقال: انكحوها نكاحَ العفيفة المسلمة.
11262- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر: أن رجلا من أهل اليمن أصابت أختُه فاحشة، فأمرَّت الشَّفرة على أوداجها، فَأُدْرِكت، فدُووِي جُرْحها حتى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة، فقرأت القرآن ونَسَكت، حتى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلى عمها، وكان يكره أن يدلِّسها، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه، فأتى عمر فذكر ذلك له، فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوّجها إيّاه

ونحن نقف عند الآثار ولا نتكلم برأينا ونتبع سنة الراشدين وتأمل قيد التائبة الذي يذكره عمر

وبعض الناس يسأل عن عمليات ترقيع البكارة وهي باب شر عظيم وكشف للعورة المغلظة بلا ضرورة

وهنا مسألة : إن دخل رجل بفتاة فوجدها غير عذراء وسأل فقيهاً فما يقول له

قال ابن قدامة في المغني :" وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَمْ يَجِدْهَا عَذْرَاءَ، كَانَتْ الْحَيْضَةُ خَرَقَتْ عُذْرَتَهَا، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ إنَّ الْحَيْضَةَ تُذْهِبُ الْعُذْرَةَ يَقِينًا.
وَعَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ إذَا لَمْ يَجِدْ امْرَأَتَهُ عَذْرَاءَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، الْعُذْرَةُ تُذْهِبُهَا الْوَثْبَةُ، وَكَثْرَةُ الْحَيْضِ، وَالتَّعَنُّسُ، وَالْحِمْلُ الثَّقِيلُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ"

قال البخاري في صحيحه 5305 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى ذَلِكَ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ

وهذا كذاك ولكن ينظر في كون المرأة يغلب عليها الستر والصلاح فإن كان حالها بخلاف هذا كان المرء هو من البداية ملوماً بالزواج منها وينصح نصحاً رفيقاً أن يفارق بالمعروف إن اجتمعت عنده قرائن دلت على أن ذلك من فجور ودون توبة

وهنا مسألة أخرى : هل يستحب للرجل صاحب الدين إن جاءته امرأة تائبة وقد فجرت أن يتزوجها ثم يفارقها حتى إذا تزوجها غيره ووجدها غير بكر لم يوسوس إليه أن ذلك من فجور

أقول : قد رأيت أثراً لبعض السلف في ذلك ولا يحضرني ولكن من ناحية البحث الفقهي إن صرح لها بهذا الاتفاق كان الأمر كنكاح المتعة وإن أسرها في نفسه فهذا نكاح بنية الطلاق والنزاع فيه معروف والمسألة هذه تحتاج إلى بحث محرر من طلبة العلم الجادين

قد كررت مراراً كلمة ( التائبة ) لئلا تكون المخارج المذكورة باباً للفجور والتهاون فيه

فإن قيل : كيف نعرف التائبة هل الأمر كما ذكر ابن عمر أنه يرادوها عن نفسها فإن أبت علم توبتها ؟

فيقال : ما قاله ابن عمر في حق رجل وامرأة اجتمعا على الزنا وإلا قرائن التوبة أكثر من أن تحصر ألا ترى الرجل جزم لعمر بتوبة ابنة أخيه

فذلك يعرف من لباسها والتزامها بالحجاب الشرعي وقلة خروجها واقبالها على الصلاة والصيام وبعدها عن صحبة الفاسقات وغيرها من الأمور

وأخيراً ثمة تنبيه هام : الزنا ذنب عظيم وجريمة من الرجل ومن المرأة ولذا عقوبتهما في الشرع واحدة ولا يجوز لولي الأمر أن يتهاون في شأن ولده الزاني بل ينبغي أن يفعل معه كما يفعل مع الفتاة على أن النساء أمر صيانتهن أعظم لأنهن محل الحمل ولهن غشاء بكارة ولكن الأمر من شاب أو شابة ذنب والشاب إذا زنا بابنة قوم أوشك أن يزنى بأهله فأخذك على يد ابنك ستر على بناتك أيضاً

والكلام هنا كله عن زنا البكر فليتنبه

وهنا تنبيه آخر هذا الفعل لا علاقة للإسلام بها ولكن من جهل كثير ممن يسمون أنفسهم بالعلمانيين يربطونها بالإسلام وهذا يشرح لك أنهم يهاجمون أمراً لا يعلمونه

وقد نشر خبر هذا مفاده ( 80 % من ضحايا جرائم الشرف في الأردن عذراوات) معناه أنه يتم قتلهن لمجرد العلم بانهن يكلمن شباباً في الحرام وإن لم يحصل زنا وهذا تجاوز مقيت جداً أشد مما نبهنا عليه في المقال وليحذر المسلم من تأييد مثل هذه الأفعال بكلمات مثل ( غسل عاره ) فهذا تأييد يجعلك شريكاً معه في الإثم ويقابل هذه الفئة فئة أخرى تشجع على الفاحشة أراح الله المسلمين من الفئتين إما بهدايتهم أو فنائهم فمن حماقة بعضهم الكلام عن الزنا بأنه مجرد غشاء بكارة وهذا الكلام إنما جاء بعد الاستعمار المذل الذي تعرضوا له وفعل بهم ما فعل مما يعلمه الجميع فصاروا يتكلمون هكذا قد جعل الله عز وجل على المرأة خاتماً يبين عفتها في الغالب وقد يزول بزنا أو بغيره ولكن لا يصل إلى هذا إلا من وصل للجسد كله ألا ترى كل البشر فطرياً يسترونه ومنه محل الولد فالأمور تقاس بقيمتها المعنوية وإلا لو كان الأمر بهذا الرخص لما تكلف الرجال بذل الأموال العظيمة لتحصيل الزواج وهذا من مقاصده العظيمة ولما استحقت المرأة النفقة حتى في حال الفراق 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم