الثلاثاء، 19 أبريل 2016

لا دفاعاً عن الخطيب بل حباً في الإنصاف



أما بعد :
 
فقد كتب الأخ أبو سعيد الرادسي تعقيباً على كلام ليوسف الغفيص في موضوع أبي حنيفة فكتب بعضهم تعقيباً على الأخ مفاده اعتماد روايات مكذوبة في مدح أبي حنيفة وإهمال الصحيحة

وأنا كتبت كثيراً في هذا ورأس ذلك الترجيح ولكنني هنا سأبحث قضية أدبية أخلاقية

إذا أردت أن تمدح شخصاً فهذا شأن يتعلق بك وبسلفيتك التي تدعي

ولكن أن تحمل السلف قسراً على ما تريد بحيث تعتمد روايات مكذوبة عنهم في مدح أبي حنيفة وتترك الصحيح عنهم فهذا أمر متعلق بالديانة

وهذا الكاتب تحامل على الخطيب البغدادي وكأنه منفرد بهذا

فقال :  قال الحافظ السَّلفي ابن عبد الهادي الحنبلي (ت909هـ) في "تنوير الصحيفة": «لا تَغتَرّ بكلام الخطيب، فإن عنده العصبية الزائدة على جماعةٍ من العلماء كأبي حنيفة وأحمد وبعضِ أصحابه. وتحاملَ عليهم بكل وجه. وصنَّف فيه بعضُهم "السهم المصيب في كَبِد الخطيب"». ونقل العيني الحنفي في "البناية" (1\628) عن ابن الجوزي الحنبلي أنه قال: «والخطيبُ لا ينبغي أن يُقبَل جرحُه ولا تعديلُه، لأن قولَه ونقلَه يدل على قِلَّةِ دين».
وأما اقول الخطيب أمام وفقيه كبير ولمن هذه الردود تدلك على أن باب الصداع ذلك لن نغلقه ولا نحله بسهولة.

أقول : هنا لكي يدافع عن أبي حنيفة هجم على الخطيب البغدادي فهل الخطيب البغدادي منفرد بذكر ذم أبي حنيفة أم أنه قد سبقه جمع

1_ العقيلي في المجروحين ترجم لأبي حنيفة وذكر آثاراً كثيرة في ذمه

2_ ابن حبان في المجروحين

3_ ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل

4_ البخاري في التاريخ الكبير وجزء رفع اليدين

5_ الجوزجاني في الشجرة في معرفة الرجال

6_ عبد الله بن أحمد في السنة وفي العلل

وهذه عينة وإلا لا يخلو كتاب من كتب الجرح والتعديل المتقدمة وكتب الفقه من ذم أبي حنيفة وأصحابه حتى صرح أبو زرعة بتكفيره كما في سؤالات البرذعي بعدما ذكر استهزائه بالسنن وقوله بخلق القرآن وكذبه في الحديث

وآية هذا الجرح أنك لا تجد لأبي حنيفة أي رواية في الكتب الستة بل والتسعة في الوقت الذي تجد فيه روايات في بعضها حتى لأمثال جابر الجعفي والحارث الأعور وغيرهم من المجروحين بالبدعة والضعف معاً

فهنا نعلم أن كلام ابن عبد الهادي الحنبلي المتأخر ظلم ظاهر للخطيب بل الخطيب روى في مناقب أبي حنيفة ما لم يرو غيره ولكنه صرح بعدم ثبوتها

ولكن دعني أوقفك على أمارة من أمارات الظلم الفاحش عند ابن عبد الهادي المتأخر _ وليس هو تلميذ ابن تيمية _

ابن الهادي ادعى أن أبا نعيم خير من الخطيب لأن الخطيب يتعرض للصالحين وأما أبو نعيم فلا

والآن لنقف مع الآثار التي رواها أبو نعيم في الحلية في ذم أبي حنيفة من جنس ما ذكر الخطيب في تاريخه

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، فَأَقْبَلَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: قُومُوا بِنَا لَا يُعْدِينَا بِجَرَبِهِ "

وهذا الخبر رواه عبد الله بن أحمد في السنة وهذا إسناد صحيح عن أيوب السختياني التابعي البصري الجليل الذي اتفق الناس على إمامته وليس هو بلدي أبي حنيفة ولا من أقرانه بل كان مالك على نفرته من العراقيين وقرب سنه من سن أيوب يروي عن أيوب

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا طَالِبُ بْنُ مَسَرَّةَ الْأَدْنَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنِي أَخِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمَعَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ فَذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: اسْكُتْ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ دَاحِضًا فِي بَوْلِهِ يَذْكُرُ أَهْلَ الْبِدَعِ فِي مَجْلِسِ عَشِيرَتِهِ حَتَّى يَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا حَمَّادٌ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، إِنَّمَا كَانَ يخَاصِمُ [ص:259] فِي الْإِرْجَاءِ فَلَمَّا تَخَوَّفَ عَلَى مُهْجَتِهِ تَكَلَّمَ فِي الرَّأْيِ فَقَاسَ سُنَنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لِيُبْطِلَهَا وَسُنَنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقَاسُ.

شيخ الطبراني مجهول الحال ولكن ذم حماد بن زيد لأبي حنيفة ثابت صحيح في مصادر كثيرة وحماد بن زيد إمام البصريين لا يخلو كتاب في الحديث من حديثه اتفق الناس على الاحتجاج به وعده من الأئمة

وقال أبو نعيم في الحلية  حدثنا سليمان بن احمد ثنا عبدالله بن احمد بن حنبل حدثني منصور بن أبي مزاحم قال سمعت أبا علي العذري يقول لحماد بن زيد مات أبو حنيفة قال الحمد لله الذي كنس بطن الارض به

وهذا إسناد صحيح وهذا الخبر موجود في السنة لعبد الله

وقال أبو نعيم في الحلية  حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا الحسن بن علي الحلواني بطرسوس سنة ثلاث وثلاثين ومائتين قال سمعت مطرف بن عبدالله يقول سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده أبو حنيفة والزائغون في الدين يقول قال عمر بن عبدالعزيز سن رسول الله صلى الله عليه و سلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها اتباع لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم.

وهذا إسناد قوي عن مالك وذم مالك لأبي حنيفة متواتر واعتمده ابن أبي داود حين نقل الاتفاق على ذم أبي حنيفة فلا تغرنك خربشة المحقق على الكتاب

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، - وَذُكِرَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: كَادَ الدِّينَ وَمَنْ كَادَ الدِّينَ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ

وهذا الأثر في السنة لعبد الله وإسناده صحيح

ومالك إمام أهل المدينة وكان يحب سفيان ويمدحه مع كوفيته ويمدح الأوزاعي إمام الشاميين وكان صاحباً لليث إمام أهل مصر فلماذا اتسع صدره لكل أقرانه وضاق بأبي حنيفة خاصة

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُذْكَرُ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَلِدِكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ؟ قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِبَلَدِكُمْ أَنْ تُسْكَنَ

وهذا الأثر في السنة لعبد الله أيضاً

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ حُبَّ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَفْرَطُوا فِيهِ حَتَّى لَا يَرَوْنَ أَنَّ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ كَمَا أَفْرَطَتِ الشِّيعَةُ فِي حُبِّ عَلِيٍّ وَكَانَ وَاللهِ سُفْيَانُ أَعْلَمَ مِنْهُ

وهذا إسناد قوي والفضيل بن عياض الإمام الزاهد العابد الذي لو تكلم كل الناس بالهوى لكان هو ممن لا يتكلم بالهوى والفضيل خراساني مكي 

وقال ابن تيمية في الاستقامة وهو يتكلم عن بعض الصوفية :"  وَمَعْلُوم أَن الْقَوْم من أبعد النَّاس عَن اللَّعْن وَنَحْوه لحظوظ أنفسهم"

وهذا ينطبق على الفضيل انطباقاً أولوياً

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَمَّالُ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ هَارُونَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: تُعْجُبُنِي مَجَالِسُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كُنْتُ إِذَا شِئْتُ رَأَيْتُهُ فِي الْوَرَعِ، وَإِذَا شِئْتُ رَأَيْتُهُ مُصَلِّيًا، وَإِذَا شِئْتُ رَأَيْتُهُ غَائِصًا فِي الْفِقْهِ، فَأَمَّا مَجْلِسٌ أَتَيْتُهُ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامُوا عَنْ شَغَبٍ - يَعْنِي مَجْلِسَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ

وهذه الرواية في السنة لعبد الله من غير هذا الطريق وهذا الكاتب المردود عليه اتبع طريقة الذهبي وابن كثير في إسقاط كل ما قيل في ذم أبي حنيفة ولو كان صحيحاً واعتماد ما جاء في مدحه ولو كان مكذوباً فنقل رواية تقول أن سفيان قال أن أبا حنيفة أفقه أهل الأرض وهذا يخالف المتواتر عن سفيان ورحم الله أهل الحياء

وسبحان الله أبو حنيفة لا يحفظ عنه إلا مدح سفيان وسفيان لا يحفظ عنه إلا الذم الشديد له

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَوَرَدَ عَلَيْهِ نَعْيُ أَبِي حَنِيفَةَ , فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ , كَانَ يَنْقُضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً»

وهذا إسناد قوي وهو في كتاب السنة لعبد الله أيضاً

وهناك أخبار كثيرة جداً عن سفيان في ذم أبي حنيفة تجدها في السنة لعبد الله والكامل لابن عدي والمجروحين لابن حبان والضعفاء للعقيلي وغيرها بأبهى الأسانيد وأجلها

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: شَهِدْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ - وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَصِيفَةً لَهُ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ - فَلَمَّا قَامَ عَنْهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ، وَضَعَ كُتُبًا مِنَ الرَّأْيِ، وَابْتَدَعَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَقُولُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ قَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، فَلَمَّا جَاءَهُ رَأَيْتُهُ دَخَلَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرِيضٌ فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَعَدَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا هَذَا مَا شَيْءٌ بَلَغَنِي عَنْكَ. إِنَّكَ ابْتَدَعْتَ كُتُبًا أَوْ وَضَعْتَ كُتُبًا فِي الرَّأْيِ»، فَأَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِسُوءِ رَأْيِهِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّمَا وَضَعْتُ كُتُبًا رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ لَهُ: «تَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآثَارِ الصَّالِحِينَ؟» فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: «إِنَّمَا تَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآثَارِ الصَّالِحِينَ، فَأَمَّا مَا قُلْتَ فَرَدُّ الْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ. اخْرُجْ مِنْ دَارِي، فَمَا كُنْتُ أَضَعُ أَوْ أَتَّبِعُ حُرْمَةً عِنْدَكَ، وَلَوْ بِكَذَا وَكَذَا»، فَذَهَبَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ لَهُ: «مُحَرَّمٌ عَلَيْكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ أَوْ تَتَمَكَّنَ فِي دَارِي فَقَامَ وَخَرَجَ»

وابن مهدي من الأئمة المعتمدين في الجرح والتعديل باتفاق الأمة وذمه لأبي حنيفة متواتر كغيره من أهل الحديث فالمسألة إجماع وليس انفرادات

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ قُلْتُ: نَأْخُذُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، مَا يَأْثُرُهُ، وَمَا وَافَقَ الْحَقَّ؟ قَالَ: «لَا وَلَا كَرَامَةَ. جَاءَ إِلَى الْإِسْلَامِ يَنْقُضُهُ عُرْوَةً عُرْوَةً، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ شَيْءٌ»

وهذا صحيح عنه

وقال أيضاً حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، وَسَأَلَ، رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: مَالِكٌ أَعْلَمُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: " مَا قُلْتُ هَذَا، وَلَكِنْ أَقُولُ: كَانَ أَعْلَمَ مِنْ أُسْتَاذِ أَبِي حَنِيفَةَ، يَعْنِي حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ "
قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، وَذُكِرَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: " {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عَلِمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25] "
قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: «مَا كَانَ يَدْرِي أَبُو حَنِيفَةَ مَا الْعِلْمُ»

وهذا إسناد صحيح

وقال أيضاً حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» فَقُلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ الْأَمْرُ؟ فَقَالَ: «خُذْ مَا لَا يَرِيبُكُ حَتَّى لَا يُصِيبُكَ مَا يَرِيبُكَ، يَعْنِي الْحِلَّ»

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، فَقُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ قَالَ: «لَا، وَلَا كِتَابَهُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: رَأْيَ مَنْ أَكْتُبُ قَالَ: «رَأْيَ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَرَأْيَ الشَّافِعِيِّ»

وابن نمير إمام الكوفيين بقوله كان يأخذ أحمد وابن معين

ولو كان أبو حنيفة معذوراً لكونه كوفياً لعذره سفيان وابن نمير وغيرهم من الكوفيين الذين ذموه كالحسن بن صالح وشريك ووكيع

وقال أبو نعيم في الحلية  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: " كَتَبْتُ الْحَدِيثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَسَمِعْتُ مَسَائِلَ مَالِكٍ وَقَوْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِي حُسْنُ رَأْيٍ فِي الشَّافِعِيِّ، فَبَيْنَمَا أَنَا قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ إِذْ غَفَوْتُ غَفْوَةً، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْتُبُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ مَالِكٍ قَالَ: اكْتُبْ مَا وَافَقَ سُنَّتِي. قُلْتُ لَهُ: أَكْتُبُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ؟ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ شِبْهَ الْغَضْبَانِ يَتَوَلَّى، وَقَالَ: لَيْسَ بِالرَّأْيِ، هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي. قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِ هَذِهِ الرُّؤْيَا إِلَى مِصْرَ فَكَتَبْتُ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ "

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَرْدَكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمَنَامِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا لِي وَمَا لَكَ يَا شَافِعِيُّ، مَا لِي وَمَا لَكَ يَا شَافِعِيُّ "

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ، أَوْ ثَلَاثُونَ وَمِائَةُ وَرَقَةٍ فَوَجَدْتُ فِيهِ ثَمَانِينَ وَرَقَةً فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَوَجَدْتُ فِيهِ إِمَّا خِلَافًا لِكِتَابِ اللهِ أَوْ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوِ اخْتِلَافَ قَوْلٍ أَوْ تَنَاقُضٍ أَوْ اخْتِلَافَ قِيَاسٍ»

وقال أيضاً حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ بِشْرٍ الْوَاسِطِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «مَا شَبَّهْتُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا بِخَيْطِ سَحَارٍ إِذَا مَدَدْتَهُ كَذَا خَرَجَ أَصْفَرَ وَإِذَا مَدَدْتَهُ كَذَا خَرَجَ أَحْمَرَ»

وهذه سخرية من الشافعي بأبي حنيفة ورأيه

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ الْفَتْحُ بْنُ خَشْرَفٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ حِزَامٍ التِّرْمِذِيَّ - بِتِرْمِذَ - يَقُولُ: «كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ فِي كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عِنْدَ الْجِسْرِ»، فَقَالَ لِي: إِلَى أَيْنَ؟ فَقُلْتُ: «إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ». فَقَالَ: الْعَجَبُ مِنْكُمْ تَرَكْتُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً وَأَقْبَلْتُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ، إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَقُلْتُ: «كَيْفَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟» قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ - بِوَاسِطَ - يَقُولُ: حَدَثَّنَا حُمَيْدٌ. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: مُوسَى بْنُ حِزَامٍ: «فَوَقَعَ فِي قَلْبِي قَوْلُهُ فَاكْتَرَيْتُ زَوْرَقًا مِنْ سَاعَتِي فَانْحَدَرْتُ إِلَى وَاسِطَ فَسَمِعْتُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ»

فما ذنب الخطيب أن صنع كما صنع شيخه أبو نعيم حتى يصب ابن عبد الهادي جام غضبه عليه بجهل وعصبية ثم يمتدح أبا نعيم

وليس كذلك فحسب بل إن ابن عبد الهادي في جمع الجيوش والدساكر يقول أن أبا إسماعيل الأنصاري إمام متفق عليه فلنقف على ما نقله أبو إسماعيل في كتابه ذم الكلام في هذا الشأن

قال أبو إسماعيل الهروي الأنصاري في ذم الكلام 371 - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الشَّاهِ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ قُرَيْشٍ
ح وَأَخْبَرَنَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا مَحْبِوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبِوبٍ أَبُو عَاصِمٍ قَاضِي هَرَاةَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ مَا نَقَمْنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرَى كُلُّنَا يَرَى وَلَكِنَّا نَقَمْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِيئُهُ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخَالِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ

الأوزاعي إمام أهل الشام وهذا محفوظ عنه ورواه عبد الله في السنة أيضاً

وقال أبو إسماعيل في ذم الكلام 377 - أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْقَاسِمِ قَالَتْ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بِالدِّينَوَرِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ شِنْبَةَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّنِّيُّ سَمِعْتَ أَبَا جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَأْخُذُ بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا

وقال أبو إسماعيل في ذم الكلام 406 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْءٌ

وهذا رواه العقيلي في الضعفاء وكذا ذكره عبد الله في السنة وبوصية أحمد عمل جميع المحدثين فلم يخرجوا لأبي يوسف في عامتهم وللشيباني في جميعهم ثم يأتي ابن عبد الهادي المتحنبل ويهاجم الخطيب لإيراده مثالب أبي حنيفة رحم الله أهل الحياء

قال أبو إسماعيل في ذم الكلام 408 - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْيَدَ بْنِ حِمْدَانَ الْبُخَارِيُّ بِهَا إِمْلَاءً حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْمَرْوَزِيُّ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مَحْمُودِ بْنِ خَلِيلٍ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عِصْمَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجَوْزَجَانِيِّ فَجَاءَهُ كِتَابُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ذُكِرَ فِيهِ لَوْ تَرَكْتَ رِوَايَةَ كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَتَيْنَاكَ فَسَمِعْنَا كُتُبَ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ

وقال الهروي في ذم الكلام 948 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جِبْرِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ (لَوْ كَانَ أَصْحَابُ الْمِحْجَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ لَكَانُوا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ)

حماد بن سلمة إمام معروف وهذا محفوظ عنه في السنة لعبد الله

قال الهروي في ذم الكلام 1000 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَا أخبرنَا لولو حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ قَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ (يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ عَلَى كِتَابِ الْحِيَلِ كِتَابُ الْفُجُورِ)
1001 - وَبِهِ حَدَّثَنَا طَلْقٌ عَنْ شَرِيكٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ كِتَابُ الْحِيَلِ فَقَالَ (مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ)
1002 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ سَمِعْتُ أَبَا حَفْصِ عُمَرَ بْنَ أَحْمَدَ قَارُيَّ الصَّابُونِيَّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ حَمْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ دَلُّوسَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ قَالَ شَرِيكٌ (أَدْرَكْنَا أَبَا حَنِيفَةَ وَإِذَا هُوَ صَاحِبُ خُصُومَاتٍ)
1003 - قَالَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (أَدْرَكْنَاهُ وَهُوَ صَاحِبُ خُصُومَاتٍ لَمْ يَكُنْ يَتَفَقَّهُ)
1004 - قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ (أَدْرَكْنَاهُ وَهُوَ يُخَاصِمُ)

وهؤلاء كلهم كوفيون وروى عبد الله في السنة عنهم أخباراً في ذم أبي حنيفة

وقال الهروي في ذم الكلام 1104 - أخبرنا أبو يعقوب، أبنا جدي، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا الحسن بن أحمد بن الليث، ثنا الحسن بن الصباح، ثنا أبو عبد الله البينوني، عن حفص بن غياث؛ قال:
((رأيت أبا حنيفة في المنام، فقلت: كيف أنت؟ فقال: عليك بما كان عليه أبو بكر وعمر. قلت: فأخبرني عن رأيك؟ قال: ذاك فاحذر، ذاك فاحذر)).

وهذه الآثار لو فرضنا ضعفها فعلى أي أساس ترفض وتقبل الآثار في مدحه مع مخالفتها لسلوك أهل الحديث معه

قال الهروي في ذم الكلام 1289 - سمعت محمد بن عثمان النجيمي يقول:
((كان الحسين بن الشماخ الحافظ لا يدع أحداً من أهل الرأي يكتب عنه؛ فنشده رجل من أهل المغرب بالله وذكر له طول الرحلة؛ فروى له شيئاً من مساوئ أبي حنيفة، ولم يحدثه بحديث)).

هذا ينقله الهروي المتفق على إمامته عند ابن عبد الهادي مدحاً لهذا الرجل ومع ذلك يمدحه ويذم الخطيب فرحم الله أهل العقل والحياء

ولما جمع ابن عبد الهادي نفسه كتاب بحر الدم فيمن تكلم فيه أحمد بمدح أو ذم اضطر أن ينقل بعض ذم الإمام أحمد لأبي حنيفة

قال ابن عبد الهادي في بحر الدم :" 1077 - النعمان بن ثابت بن زوطا، الامام أبو حنيفة: قال أحمد في رواية إبراهيم بن هانئ: اترك رأي أبي حنيفة وأصحابه.
وقال محمد بن روح العكبري: سمعت أحمد يقول: لو أن رجلا ولي القضاء، ثم حكى برأي أبي حنيفة ثم سئلت عنه لرأيت أن أرد أحكامه.
وقال في رواية عمر بن معمر: إذا رأيت الرجل يجتنب أبا حنيفة، والنظر فيه، ولا يطمئن إليه، ولا إلى من يذهب مذهبه ممن يغلو ولا يتخذه إماما فارج خيره.
وقال في رواية ابن إبراهيم، وقد سئل: يروى عن أبي حنيفة؟ قال: لا، قيل: فأبو يوسف؟ قال: كان أمثلهم، ثم قال: كل من وضع الكتب فلا يعجبني ويجرد الحديث"

وقد اجتنب بهوى جامح قول أحمد أن الرجل يؤجر على بغض أصحاب أبي حنيفة وقوله أن أبا حنيفة يكذب وقوله ما رأيه عندي والبعرة إلا سواء وقوله عنه أنه يعاند السنن ولا شك أنه اطلع عليه كلها ولكنه أبى ألا أن يخفيها ثم يهاجم من يرويها وينسب نفسه لأحمد بعد ذلك رحم الله أهل العقل والحياء والتقوى والديانة

وهنا لفتة أن هذا الكاتب الذي احتج بابن الهادي المتأخر لا يقبل بالتأكيد كلام ابن عبد الهادي في جمع الجيوش والدساكر في ذم الأشعرية وتكفيرهم وذم الأشعري ونسبته إلى ترك الصلاة والوضوء والانحلال

ولكن كما يقال ( ما تكسب به العب به ) أسلوب وضيع ومنحط في الاجتزاء

ويبقى احتجاجه بابن الجوزي في ذم الخطيب فابن الجوزي نفسه قام قومة عظيمة على أبي حنيفة في كتابه المنتظم

قال ابن الجوزي في المنتظم (8/128) :" وبعد هَذَا فاتفق الكل عَلَى الطعن فِيهِ، ثُمَّ انقسموا عَلَى ثلاثة أقسام:
فقوم طعنوا فِيهِ لما يرجع إِلَى العقائد والكلام فِي الأصول.
وقوم طعنوا فِي روايته وقلة حفظه وضبطه.
وقوم طعنوا فِيهِ لقوله بالرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح"

ثم سرد الأخبار بأسانيدها والواقع أن أسباب الطعن في أبي حنيفة أكثر من ذلك بسطتها في الترجيح بين أقوال المعدلين والمجرحين في أبي حنيفة

وقد قال ابن الجوزي مهاجماً أبا حنيفة بما لم يقله الخطيب نفسه :" القسم الثالث: قوم طعنوا فِيهِ لميله إِلَى الرأي المخالف للحديث الصحيح، وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول: مَا بلغه الحديث، وذلك ليس بشيء لوجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر الأحاديث الصحيحة.
والثاني: أنه كَانَ إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عَنْ قوله"

وأخيراً يعجبني كلمة لابن عبد البر في كتابه الأجوبة عن المسائل المستغربة وهو يتكلم عن أحاديث فتنة القبر :" وإنما قلناه اتباعاً للآثار المتواترات المنقولة على ألسنة الجماعة الثقات الذين تناءت أوطانهم وبعدت ديارهم واختلفت أهواؤهم كلهم ينقل الآثار في فتنة القبر "

والمتأمل للأئمة الذين ذموا أبا حنيفة وما صح عنه في ذلك يجد ما قاله ابن عبد البر منطبقاً عليهم ففيهم الشامي وفيهم البصري وفيهم الكوفي وفيهم المدني وفيهم الخراساني وفيهم البغدادي وهم طبقات متعددة منهم من التابعين كأيوب وابن عون ومنهم من طبقته طبقة أتباع التابعين ومنهم الطبقة التي تليها ومنهم التي تليها ومنهم التي تليها بل الأمر إجماع عدة طبقات للباحث المتبصر وكل ما يروى في مدحه مخالف بما هو أقوى منه في ذمه بأسانيد صحاح ولو كان المروي في مدحه صحيحاً لما وجدت عامة أصحاب الكتب لا يخرجون حديثه ولما وجدت الإمام أحمد في مسائله يذمه ولما وجدت البخاري في كتبه خصوصاً رفع اليدين يغلظ المقال فيه وراجع المصادر العالية يستبين لك الأمر بل ليس هو فقط من هجروه بل هجروا حتى أصحابه الذين ليسوا على كل ضلالاته كأبي يوسف ثم اعتبر بعد هذا نقل حرب الاتفاق على تبديع أهل الرأي وذكره لأبي حنيفة تتجلى لك الصورة بعيداً عن الهوى وإذا ذكرنا الأئمة الذين تحتكم إليهم الأمة كلها في الجرح والتعديل في جميع الرواة فلا تذكر لي المعاصرين فليس هذا عشك فادرجي، وأنا كتبت الترجيح ونقد على ترجمة الرجل في تهذيب الكمال وتكلمت بتوسع في دروس السنة وهنا إنما أردت الكلام عن طريقة ابن عبد الهادي المتأخر صاحب جمع الجيوش والدساكر والذي أجاد في كتابه هذا غير أنه أساء في كتب أخرى والخطيب له تحامل على بعض الحنابلة لا يخفى وليس هذا محل بسط الكلام في هذا وإنما أردت بيان خصوص هذه المسألة والعجيب أن الخطيب انفرد بآثار في مناقب أبي حنيفة ينقلونها عنه فهم يصدقون روايته مع كونها لا تثبت ثم يذمونه لإيراد الصحيح الثابت المتواتر في ذمه فرحم الله أهل الحياء
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم