الاثنين، 2 فبراير 2015

قصة عجيبة فيها عبرة في عاقبة الغلو وتعظيم أهل البدع



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فهذا زمن العجائب بحق ، قد أرسل إلي الأخ أبو موسى الروسي قصة مائتي رجل أو يزيدون من أهل روسيا ، يبدو أنهم ابتدأوا طلبهم للعلم الجاد على مسائل الكفر والإيمان ، فأورثهم ذلك غلواً إذ مالت قلوبهم إلى معارضة الإرجاء معارضة طغت على الاعتدال ثم تطور الأمر معهم حتى كفروا جميع المعاصرين !

بل كفروا من لا يكفر ابن باز !

ثم بدا لهم أن يطلبوا الفقه على مذهب ما لضبط المسائل فاختاروا مذهب أبي حنيفة

ومعلوم أن مذهب أهل الرأي عامة المصنفين فيه ماتردية ويدسون عقائدهم الفاسدة في كتبهم

فابتدأ يظهر فيهم التغير شيئاً فشيئاً فابتدأ الأمر معهم بعدم تكفير من يستغيث بغير الله بحجة أن هناك من علماء الحنفية من يجيز هذا ثم انتهى بهم الأمر إلى الانسلاخ التام من دين الإسلام والدخول في دين القبورية والجهمية الماتردية

ويبدو أن لهم موقعاً صاروا يدعون فيه لملتهم الجديدة

وهذه القصة التعليق عليها ذو شجون

فهؤلاء أول ما فقدوا العدل فكانت أحكامهم جائرة ثم فقدوا العلم فأورثهم ذلك الوقوع في الكفر

ولكنهم تأثروا بظاهرة اختزال الدين فقد اختزلوا دينهم في مسائل معدودة في باديء الأمر ثم يقع في قلوبهم غل شديد على من يخالفهم فيها مهما كانت شبهته ويصل الأمر للتكفير ويمكن أن توقع العداء بينه وبين أي فاضل بذكر كلام له يخالف توجهه ، فيصير الحط على هذا الفاضل وجمع كل ما يراه غلطاً وضلالاً لإسقاطه غاية منشودة عنده يختزل دينه فيها ثم بعد ذلك تأتي أحكام التضليل حتى يصل الأمر إلى التكفير

لا فرق بين رجل على السنة يخالف اعتقاد الجهمية والمرجئة والخوارج والجبرية وغيرهم في الجملة وبين رجل على مذهب الجهمية الأشعرية الأقحاح في كل مسائل الخلاف بينهم وبين أهل السنة

والدليل على أنهم لا يعرفون من دينهم إلا المسائل التي اختزلوا الدين فيها ذهابهم لكتب الماتردية وأهل الرأي

ولعمري لئن يأخذ المرء دينه من معاصر عنده تخليط في مسائل عديدة مع كونه يعتقد ما في الواسطية وكتاب التوحيد ويعظم الدليل بالجملة خيرٌ له من أن يأخذ من جهمي أو صاحب رأي ( حنفي )

وحالهم هذا يذكرني بحال شخص وضع مدونة اختزلها في مسائل معدودة وصار يطلق التكفير على كل من يخالف في هذه المسائل ومنها ما هو محق فيه ومنها ما هو غالط فيه وله مقال اسمه ( كفريات ابن باز )!

ثم في هذه المدونة نفسها يترحم على سيد قطب !

وفي هذه المدونة نفسها ناقش مسألة كون الأنبياء يجوز عليهم أن يكونوا على غير ملتهم قبل بعثهم بالنبوة أو الرسالة فنقل كلام جماعة من الأشاعرة ووصفهم بكبار المفسرين !

ويذكرني حالهم بحال رجل ظاهر أنه محب للشهرة من وضعه لصوره في صفحاته بل يكتب لنفسه ( فضيلة الشيخ ) مع إنكاره للقب شيخ الإسلام ! على جهة الالتزام ، ومثله آخر يضع في موقعه أمام اسمه ( فضيلة الشيخ ) وينكر التزام ( شيخ الإسلام ) وذلك يلتزم ( حفظه الله ) مع شيخه الذي يقدسه وينكر التزام ( شيخ الإسلام )

الأول من هؤلاء المشار إليه كتب مقالات في أبي حنيفة جيدة ، ثم توسع معه الأمر فصار يكتب في الطبري وابن خزيمة والبخاري  وحتى وصل لعثمان الدارمي

فكل واحد يفوز عليه بزلة يفرد ذلك في مقال الجهمي وصاحب الرأي ، ومن هو مثل الطبري كلهم في ميزان واحدويتكلم عنهم بلغة متقاربة

ثم إن هذا الشخص مع توقيه من الترحم على ابن تيمية رأيته يترحم على النووي ويصفه أنه أفضل الأشاعرة على الإطلاق ( وهذا الوصف لا يطلقه إلا جاهل )

والعجيب من أمر هذا الشخص أنه ينكر تقسيم التوحيد ويأتي ببعض شبهات الجهمية المعاصرة بأن هذا التقسيم يلزم منه القول بأن المشركين عندهم توحيد

والمسكين ما قرأ في القرآن ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فما كان منكره على تقسيم التوحيد فلينكره على هذه الآية !

فليته يفقه من القرآن عشر ما يفقه ابن تيمية الذي يصفه ظلماً وفجوراً بأنه ترك القرآن !

والعجيب أنه ما كتب على أحد إلا ونقولات ابن تيمية هي رافده الأول ، وظاهر استعانته بمقالات الناس في ذلك

فهذا الرجل الذي فقه التوحيد بأنواعه الذي في القرآن وفقه مسائل جعله النظر فيها يتعقب على الطبري صاحب التفسير يصفه بهجر القرآن على أي اعتبار لو أنصف ؟

وآخر عندنا معاصر لا يكاد يفقه شيئاً في علم الحديث ودقائق الفقه ويدعي على ابن تيمية هجر العلوم الشرعية وابن تيمية يتفوق عليه جداً في هذه الأبواب وابن تيمية أصلاً لا يصلح أن يقارن به ، وقد خلط في الاسم والمسمى حتى أنقذوه بتحريرات ابن تيمية في المسألة


وعجيب أمره يتجنب الاستشهاد بابن تيمية ثم هو يكثر من الاستشهاد بأشعار الجاهلية وحقا إن من الشعر لحكمة ولكن ما جعلك تستشهد بهذا يجعلك تستشهد بغيره على أن ذكر كلامه دون الإحالة لا يغني كثيراً  ، وقد رأيت من لا يترحم على ابن تيمية ويترحم على ابن خزيمة ويترحم على عبد المغيث بن زهير الحربي الذي صنف في فضائل يزيد بن معاوية !

وحتى بلغ الأمر إلى وصف الإمام أحمد الذي هجر شبابة وأفنى ذكر أهل الرأي في الكتب بالتساهل مع المرجئة وذلك أنه يفرق بين الداعية وغيره

ويا ليت شعري من امتنع من الرواية عن أبي معاوية ومسعر وعمرو بن مرة وإبراهيم التيمي وأضرابهم في الكتب

لا يوجد يوجد ديوان من دواوين الإسلام إلا وفيه رواية هؤلاء والذي يظن في نفسه أنه حقق من السنة ما لم يحققه أحمد إنه لمغرور خصوصاً وأنه ينكر أمراً ما أنكره عليه أحد بل فعله عامة الناس

فحتى شعبة الذي ادعوا عليه أنه لا يرى الرواية عن أهل البدع مطلقاً قد روى عن عمرو بن مرة ، والعجب ممن ينكر على أحمد الرواية عن أبي معاوية وعنده حديث الأعمش وهو ميزان فيه ثم هو يروي بأسانيده التي لا كبير حاجة لها عن أناس هم شر من أبي معاوية فسبحان الله الحكم العدل 

والجاهل من يقيس الجهمية الأشعرية كالنووي ومن معه على المرجئة الأوائل فشتان بين الواقع في بدعة كلامية مكفرة وبين الواقع في بدعة مفسقة 

وآخر يكتب يبدع محمد بن عبد الوهاب ، وذلك أن السني عنده مرتبة قريبة من مرتبة الصحبة أو النبوة ، فما عن يستشهد مخالف بكلام لشيخ ما شن على هذا العالم حرباً وحاول إسقاطه ولو نظر في جميع كلامه بعيداً عن إرجاف المرجفين لعلم الصواب وإلا فالمخالف قد يحتج بآيات وأحاديث وآثار عن السلف فهل الحل شن الحرب عليها ؟!

وهذا وأمثاله لهم أطوار ثم هم يجعلون ذلك مثلبة في كل من يريدون أن يظهروا للناس أنهم حققوا السنة أكثر منه

جاء في الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص27 :"  هذا كلامهم على رؤوس الأشهاد. ثم مع هذا، يعادون التوحيد ومن مال إليه، العداوة التي تعرف، ولو لم يكفِّر ويقاتل، وينصرون الشرك نصره الذي تعرف، مع إقرارهم بأنه شرك، مثل كون المويس وخواص أصحابه ركبوا وتركوا أهليهم وأموالهم إلى أهل قبة الكواز وقبة رجب سنة 1، يقولون: إنه قد أخرج من ينكر قببكم وما أنتم عليه، وقد أحل دماءهم وأموالهم. وكذلك ابن إسماعيل وابن ربيعة والمويس أيضاً، بعدهم بسنة، رحلوا إلى أهل قبة أبي طالب، وأغروهم بمن صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وأحلوا دماءنا وأموالنا حتى جرى على الناس ما تعرف، مع أن كثيراً منهم لم يكفر ولم يقاتل. وقررتم أن من خالف الرسول في عشر معشار هذا، ولو بكلمة، أو عقيدة قلب، أو فعل، فهو كافر، فكيف بمن جاهد بنفسه وماله وأهله، ومن أطاعه في عداوة التوحيد وتقرير الشرك، مع إقراره بمعرفة ما جاء به الرسول؟ فإن لم تكفّروا هؤلاء ومن اتبعهم، ممن عرف أن التوحيد حق وأن ضده الشرك، فأنتم كمن أفتى بانتقاض وضوء من بزغ منه مثل رأس الإبرة من البول، وزعم أن من يتغوط ليلاً ونهاراً، وأفتى للناس أن ذلك لا ينقض، وتبعوه على ذلك حتى يموت، أنه لا ينقض وضوءه.
وتذكرون أني أكفّرهم بالموالاة، وحاشا وكلا، ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله، كما قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}"

وقال أيضاً كما في رسائله الشخصية ص209 :" . فصنف الشيخ كتاب "الاستغاثة" رداً على ابن البكري، وقرر فيه مذهب الرسل وأتباعهم، وذكر أن الكفار لم يبلغ شركهم هذا، بل ذكر الله عنهم أنهم إذا مسهم الضر أخلصوا ونسوا ما يشركون. والمقصود أن في زمن الشيخ ممن يدعي العلم والتصنيف مَن أنكر التوحيد، وجعله سباً للأنبياء والأولياء، وكفّر من ذهب إليه، فكيف تزعم أن عبدة قبة الكواز وأمثالها ما أنكروه؟ بل تزعم أنهم قبلوه ودانوا به وتبرؤوا من الشرك، ولا أنكروا إلا تكفير من لا يكفر. وأعظم وأطم: أنكم تعرفون أن البادية قد كفروا بالكتاب كله، وتبرؤوا من الدين كله، واستهزؤوا بالحضر الذين يصدقون بالبعث، وفضلوا حكم الطاغوت على شريعة الله، واستهزؤوا بها مع إقرارهم بأن محمداً رسول الله، وأن كتاب الله عند الحضر؛ لكن كذبوا وكفروا واستهزؤوا عناداً، ومع هذا تنكرون علينا كفرهم، وتصرحون بأن من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر"

وقال أيضاً كما في رسائله الشخصية ص230 :" الرابع: أنه ذكر أن من ادعى في علي بن أبي طالب ألوهية، أنه كافر، ومن شك في كفره فهو كافر. وهذه مسألتك التي جادلت بها في مجلس الشيوخ، وقد صرح في الإقناع بأن من شك في كفرهم فهو كافر، فكيف بمن جادل عنهم وادعى أنهم مسلمون، وجعلنا كفاراً لما أنكرنا عليهم؟"

وقال أيضاً في رسائله الشخصية ص242 :" وذكر فيمن اعتقد في علي بن أبي طالب دون ما يعتقد طالب في حسين وإدريس أنه لا شك في كفره، بل لا يشك في كفر من شك في كفره. وأنا ألزم عليكم أنكم تحققون النظر في عبارات الإقناع وتقرؤونها قراءة تفهّم، وتعرفون ما ذكر في هذا"

وقال أيضاً كما في رسائله الشخصية ص26 :" ففيهم من نواقض الإسلام أكثر من المائة ناقض. فلما بينت ما صرحت به آيات التنْزيل، وعلّمه الرسول أمته، وأجمع عليه العلماء: من 1 أنكر البعث أو شك فيه، أو سب الشرع، أو سب الأذان إذا سمعه، أو فضل فراضة الطاغوت على حكم الله، أو سب من زعم أن المرأة ترث، أو أن الإنسان لا يؤخذ في القتل بجريرة أبيه وابنه، إنه كافر مرتد، قال علماؤكم: معلوم أن هذا حال البوادي، لا ننكره، ولكن يقولون: "لا إله إلا الله"، وهي تحميهم من الكفر، ولو فعلوا كل ذلك. ومعلوم أن هؤلاء أولى وأظهر من يدخل في تقريركم، فلما أظهرتُ تصديق الرسول فيما جاء به، سبوني غاية المسبة، وزعموا أني أكفّر أهل الإسلام وأستحل أموالهم، وصرحوا أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر، وأن البوادي يفعلون من النواقض مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم. وأنتم تذكرون أن مَن رد شيئاً مما جاء به الرسول بعد معرفته، أنه كافر"

والعجيب أن أحفاد هؤلاء البدو الذين يتكلم عنهم الشيخ معترفون بكثير من هذه الأحوال بل بعضها رأيناه في زمننا هذا وعايناه ومع كون الله عز وجل قد هداهم بالإمام المجدد وتركه هذه الجاهلية كلها نراهم يحقدون على الدعوة وعلى كلام إمامها الذي لولا الله ثم هو ما عرفوا التوحيد فشابهوا حال الفرس الذين يحقدون على عمر بن الخطاب لإذهابه ملكهم مع إقرارهم بضلال آباءهم وعبادتهم للنار

وقال أيضاً كما في رسائله الشخصية ص41 :" وما أشاعوا عنا من التكفير، وأني أفتيت بكفر البوادي الذين ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء، مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، استنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا: من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها"

والإمام حين يقول هذا الكلام فإنه لم يقله فحسب بل قاله وقاتل عليه ، كما قاتل ابن تيمية التتر بعد أن كفرهم مع تلفظهم بالشهادتين لوقوعهم في نواقض 

فليس الأمر طقطقات من خلف شاشات الكمبوتر فحسب 

واليوم يأتي من يعرض بأن هؤلاء ما نصحوا ولا بينوا وأنهم ما كانوا شجعاناً ولو تأملت في حاله لوجدته ثمرة من ثمار جهاد هؤلاء ، ومنهم من تراه يعيش في محافظة تعج بالشرك والجهل بالشرع وترك توريث النساء في كثير منهم ومع ذلك يتحفنا بالتصيد للإمام المجدد ، وقد جعل الله عز وجل له موعظة من نفسه في أطواره التي مر بها

وقال محمد بن عبد الوهاب أيضاً في رسائله الشخصية ص67 رداً على دعوى أن ابن تيمية لا يكفر من يتلفظ بالشهادين إن وقع في ناقض :" فنقول: قال الشيخ تقي الدين: وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر، ومن أهل العبادة، حتى قلبوا حقيقته: فطائفة ظنت أن التوحيد هو نفي الصفات، وطائفة ظنوا أنه الإقرار بتوحيد الربوبية، ومنهم من أطال في تقرير هذا الموضع، وظن أنه بذلك قرر الوحدانية، وأن الألوهية هي القدرة على الاختراع ونحو ذلك، ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد؛ قال الله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1 الآيات، وهذا حق، لكن لا يخلص به عن الإشراك بالله الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص الدين لله، فلا يعبد إلا الله، فيكون دينه لله؛ والإله هو: المألوه الذي تألهه القلوب. وأطال، رحمه الله، الكلام.
وقال أيضاً، في "الرسالة السنية" التي أرسلها إلى طائفة من أهل العبادة ينتسبون إلى بعض الصالحين، ويغلون فيه، فذكر حديث الخوارج، ثم قال: فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ممن ينتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام قد يمرق من الدين، وذلك بأمور: منها: الغلوّ الذي ذمه الله، مثل الغلو في عديّ بن مسافر أو غيره، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه؛ فكل من غلا في نبي، أو صحابي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان أغثني! أو أنا في حسبك، ونحو هذا، فهذا كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليُعبد ولا يُدعى معه إله آخر. والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل الشمس والقمر، والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تنزل المطر، وتنبت النبات،
وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فبعث الله الرسل وأنزل الكتب، تنهى أن يُدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. وأطال الكلام، رحمه الله. فتأمل كلامه في أهل عصره من أهل النظر الذين يدعون العلم، ومن أهل العبادة الذين يدعون الصلاح.
وقال في الإقناع، في باب حكم المرتد في أوله: فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته - إلى أن قال - أو استهزأ بالله أو رسله، قال الشيخ: أو كان مبغضاً لرسوله أو لما جاء به اتفاقاً، أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم، كفَر إجماعاً - إلى أن قال - أو أنكر الشهادتين أو إحداهما. فتأمل هذا الكلام بشراشر قلبك، وتأمل هل قالوا هذا في أشياء وجدت في زمانهم، واشتد نكيرهم على أهلها، أو قالوها ولم تقع. وتأمل الفرق بين جحد الربوبية والوحدانية، والبغض لما جاء به الرسول.
وقال أيضاً في أثناء الباب: ومن اعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن لغيره خروجاً عن اتباعه، أو قال: أنا محتاج إليه في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، كفَر في هذا كله. ولو تعرف من قال هذا الكلام فيه، وجزم بكفرهم، وعلمت ما هم عليه من الزهد والعبادة، وأنهم عند أكثر أهل زماننا من أعظم الأولياء، لقضيت العجب.
وقال أيضاً في الباب: ومن سب الصحابة، واقترن بسبه دعوى أن علياً إله أو نبي، أو أن جبريل غلط، فلا شك في كفر هذا، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره. فتأمل هذا. إذا كان كلامه هذا في عليّ، فكيف بمن ادعى أن ابن عربي أو عبد القادر إله؟ وتأمل كلام الشيخ في معنى الإله الذي تألهه القلوب. واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم تفريج الكربات وقضاء الحاجات، مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب بهم، وإلا فهم مقرّون بأن الأمر لله؛ فهم لا يدعونهم إلا في الرخاء، فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ}"

وقال الشيخ في رسائله الشخصية ص72 :" ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز، فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون، حتى قال ابن المقري الشافعي: من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر. فإذا كان إمام دين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنه العارف بالله، فكيف يكون الأمر؟ ولكن أعظم من هذا كله ما تقدم"

فكيف يدعى بعد هذا أن الشيخ لا يكفر ابن عربي إنما فازوا بكلمة قالها ضمن عدة اتهامات له فقال ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) يريد مجمل الكلام لا أفراده

وفي الرسالة نفسها قال :" وأما المسائل الأخر، وهي: أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى "لا إله إلا الله"، وأني أعرّف من يأتيني بمعناها، وأني أكفّر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام، فهذه المسائل حق" وإن كنت في شك أصلاً في صحة نسبة ذكر ابن الفارض وابن عربي في الرسالة فالشيخ لم يكن يتقي تكفيرهم أبداً كما هو ظاهر

وقال أيضاً في رسائله الشخصية ص189 :" وكذلك أيضاً، من أعظم الناس ضلالاً: متصوفة في معكال وغيره، مثل ولد موسى بن جوعان، وسلامة بن مانع، وغيرهما، يتبعون مذهب ابن عربي وابن الفارض. وقد ذكر أهل العلم أن ابن عربي من أئمة أهل مذهب الاتحادية، وهم أغلظ كفراً من اليهود والنصارى. فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ويتبرأ من دين الاتحادية، فهو كافر بريء من الإسلام، ولا تصح الصلاة خلفه، ولا تُقبل شهادته."

وقال أيضاً في ص193 :" لولا ضيق هذه الكراسة، وأن الشيخ محمداً أجاد وأفاد بما أسلفه من الكلام فيها، لأطلنا الكلام. وأما الاتحادي ابن عربي صاحب الفصوص المخالف للنصوص، وابن الفارض الذي لدين الله محارب وبالباطل للحق معارض، فمن تمذهب بمذهبهما فقد اتخذ مع غير الرسول سبيلًا، وانتحل طريق المغضوب عليهم والضالين المخالفين لشريعة سيد المرسلين؛ فإن ابن عربي وابن الفارض ينتحلان نحلاً تكفرهما، وقد كفّرهم كثير من العلماء العاملين."



وقال رحمه الله:
" وإنّا لا نكفر إلاّ من كفّره الله ورسوله، من المشركين عباد الأصنام كالذين يعبدون الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما أما الذين آمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وجاهدوا في الله حق جهاده فهم إخواننا في الدين وإن لم يهاجروا إلينا. فكيف نكفر هؤلاء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم"
[نقله عنه حفيده عبد اللطيف في منهاج التأسيس ص89]
 
وإنني لحزين من زمان يقرن فيه ابن تيمية بأبي حنيفة عند أقوام يعلمون كلام السلف في أبي حنيفة وما ثبت عليه من البلايا ، بل ويقرن بالأشاعرة

حتى ادعى ذلك الفاجر الذي يضع في صفحته ( معالم التجديد في الفتوى عند الشيخ فلان يعني نفسه ) أن الأزهر يدرس المنطق وعلم الكلام بسبب ابن تيمية !

فهل الأزهر يسير على اعتقاد ابن تيمية يا ظلوم ؟

وهل مدح لهم ابن تيمية المنطق والكلام وذمه لهذين العلمين أشهر من أن يذكر وهو القائل ( لا يحتاج إليه ذكي ولا ينتفع به بليد )

وهم أنفسهم إذا أراد أحدهم الرد على شخص من أهل الرأي أو التجهم نظر في كتبه وجمع تناقضاته ولا يعتبرون هذا اشتغالاً بالرأي أو الكلام على الصفة التي يذمون ؟

بل ذلك الذي يقول عن نفسه أن السنة عرفت به وهو عرف بها ينقل في بعض مقالات عن دارون ونيتشة ملزماً للملاحدة

ولا أدري حقاً متى يأتي دور الصحابة والتابعين في هذا السباق المسعور ليثبت لك الواحد من هؤلاء أن الأمة من قرون طوال ما عرفت أحداً حقق السنة مثله !

وحالهم يشبه حال شخص ينظر في كلام الشافعي في المسح على الجوربين فيحسن الرد عليه لوقوفه على كلام أحمد فيظن نفسه أعلم من الشافعي والله المستعان، ولو أنصف لعلم أنه أدرك خطأ الشافعي بسبب أناس يعرفون للشافعي فضله ويقدرون له إنقاذهم من بدعة أهل الرأي

وعوداً على القصة الأصل أقول :

هؤلاء القوم تركوا المعاصرين ولكن بقيت فيهم لوثة تعظيم أهل الرأي فأخرجتهم من ملة الإسلام فسبحان الله قد نصح السلف حين قالوا ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام )

وكثير من الناس قد عصمه الله بالتناقض ، فتراه مع الثناء على أهل الرأي بالجملة يهاجم مذاهبهم بقوة ويقول بالرجوع إلى كتب السنة وربما وصل بهم الأمر إلى تفلت الظاهرية

ومن الناس من التناقض يقصمه تماماً كحال هؤلاء

وكحال من يسير على منهج أهل الحديث في العلل ، ويسير على منهج الظاهرية في الفقه

فيضعف الأحاديث التي يصححها المشتغلين بالفقه حتى الظاهرية منهم ويبنون عليها أحكاماً ، ثم هو لا يرى آثار الصحابة حجة على طريقة أهل الحديث

فيخرج بفقه شاذ منبوذ في النهاية ويخرج عن إجماعات اتفق عليها الظاهرية مع أهل الحديث

ولو كان هؤلاء اتبعوا السلف كما ينبغي ولم يختزلوا دينهم وأخذوه كله لعلموا خطر أهل الرأي فكيف بجهمية أهل الرأي الماتردية ولعلموا أن المعاصرين الذين يكفرونهم خير من ملء الأرض من أولئك الذين ظنوا أنهم سيضبطون دينهم عليهم 

والخير في الرجوع للسلف الكرام ومحاكمة كل الناس إليهم وما أحسن ما قال محمد بن عبد الوهاب في رسائله الشخصية :" ووجدت المتأخرين أكثرهم قد غير وبدل"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم