الثلاثاء، 27 يناير 2015

هل كان الجلال الدواني وهابياً ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

الكل رأى ذلك المقطع للجفري الذي يتهم فيه أهل السنة ببغض النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يقولون بكفر أبويه !

وهذا أمر أطبق الصوفية على إنكاره مع وروده في الأحاديث صراحة

وهنا سأنقل كلام للجلال الدواني صاحب الحاشية المعروفة على العضدية فهو من كبار الأشعرية الجهمية والصوفية

قال الجلال الدواني في الحجج الباهرة في إفحام الطائفة الكافرة يعني الرافضة ص312 :" ومنها إعابتهم قول السنية بكفر أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وذلك نقل حق لا إعابة على أهل السنة لوجوه:
الأول أن نص القرآن والأحاديث والتواريخ عن مجموع الكفار مثل أبي لهب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي جهل وممن أسلم منهم مثل أبي سفيان وغيرهم أن محمد سفّه ما كان آباؤنا عليه من عبادة الأصنام ونحن لا نرغب عن ملة عبد المطلب.
الثاني: أن الله تعالى يقول لمن عرف الإسلام به: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} فمن أين جاء الإيمان لأبويه؟
الثالث: أن الرافضة يزعمون أن عليا رضي الله عنه رمى أصنام قريش عن الكعبة، وعبد المطلب وعبد الله من رؤسائهم، فأي شيء أخرهما عن عبادتها؟
قالوا: نقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية.
قلنا: معناه لم يكن من سفاح بل من عقود أنكحة.
قالوا: كيف يمكن خروج نبي من كافر؟
قلنا: كثير من الأنبياء كذلك، كخروج إبراهيم بن آزر.
قالوا: عمه أو خاله.
قلنا: يكذب ذلك أن الله تعالى سماه أبوه بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ} وبقول إبراهيم لآزر: {يَا أَبَتِ} مرارا كثيرة. وأيضا العم ابن الجد لأب والخال ابن الجد لأم، وحينئد فيكون جده كافرا، ولا ينتفع الرافضي بشيء من هذه الدعوى. ودليل كفره شهادة عليه كقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} وكقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}
وأيضا فالابن يخلق من ماء الأب، ومن أولاد الأنبياء من كفر، ككعنان بن نوح وابن لقمان، فصار بالأولى جواز نبي من كافر.
قالوا: هو ليس ابنا لنوح لأن الله تعالى قال: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}
قلنا: هذا خطأ من وجهين:
أحدهما أن نوحا عليه السلام ذكر شيئين أحدهما {إِنَّ ابْنِي} الثاني قوله {مِنْ أَهْلِي} فصدقه الله تعالى في البنوة بإعادته سبحانه الضمير إليه ونفي الأهلية عنه: إن ابنك ليس محسوبا من أهلك الذين استوجبوا النجاة لكفره. ولو لم يكن ابنا لقال له: ليس ابنك، لأنه كان يكون أوضح في العبارة وفي قطع الحجة.
الآخر أنه لو لم يكن ابنا له لكانت زوجته زانية، وأجلّ الله الأنبياء أن يكون أحد منهم زوج زانية. وأما قوله تعالى عنها وعن امرأة لوط: {فَخَانَتَاهُمَا} هو في الدين،
لا في الفراش"

ومن العجائب أنني رأيت بعض الرافضة يقول بنبوة والد النبي وجده ويحتج بقوله تعالى : ( وتقلبك في الساجدين ) !

وهذا القول قوي عند الرافضة وهذا تفسير محدث لا يعرف عن السلف ورد الدواني عليه قوي جداً نقلته للإلزام

والدواني هذا مع جهميته كان مولعاً بابن تيمية معجباً بذكائه

فقال في ص 343 :" السابع أنه نقل الإمام الأعظم ابن تيمية الحنبلي رحمه الله تعالى أن مهدي الرافضة لا خير فيه على قرارهم: أما هم فلا ينتفعون به لا في دين ولا في دنيا لغيبته عنهم، وأما السنية فإنهم كفار عندهم بسببه. ومن أكبر قلة عقول الرافضة أنهم يقولون غيبته لا من الله ولا من نفسه بل من قلة الناصر. وهذا سخف عظيم. فليموتوا بدائهم ولا يجدون لهم ناصرا ولذلتهم وقلتهم إلى يوم القيامة"

وهذا ابن الوزير وقد نشأ نشأة زيدية معتزلية يدعي إجماع الناس على تفوق ابن تيمية في العلوم العقلية والنقلية

قال ابن الوزير في العواصم (5/18) :" والإشارة إلى ذلك فيما تقدم في القاعدة السادسة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان إليه المنتهى في العلوم العقلية والسمعية باتفاق المختلفين، ولذلك سارت بمصنفاته الركبان إلى جميع البلدان"

وابن الوزير توفي عام 840 فهو معاصر لابن حجر وهو ينقل هذه المنزلة لابن تيمية

وأما الدواني فمعاصر للسخاوي

قال ابن العماد في شذرات الذهب :" وفيها جلال الدّين محمد بن أسعد الدّواني [1]- بفتح المهملة وتخفيف النون، نسبة لقرية من كازرون- الكازروني الشافعي الصّدّيقي القاضي بإقليم.
فارس.
قال في «النور السافر» : هو المذكور بالعلم الكثير، والعلّامة في المعقول والمنقول، وممن أخذ عنه المحيوي اللّاري، وحسن بن البقّال، وتقدم في العلوم، سيما العقليات، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحلوا إليه من الرّوم، وخراسان، وما وراء النهر.
ذكره السخاوي في «ضوئه» فقال: وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني، واستقره السلطان يعقوب في القضاء، وصنّف الكثير، من ذلك «شرح على شرح التجريد» للطوسي. عمّ الانتفاع به. وكذا كتب على «العضدي» مع فصاحة، وبلاغة، وصلاح، وتواضع، وهو الآن حيّ. في سنة تسع وتسعين ابن بضع وسبعين. انتهى كلام «الضوء» "

نقلت هذا لتعلم منزلة الجلال الدواني عند القوم وثناؤهم عليه كثير وإنما نقلت هذا للإشارة

وقد ذكرت آنفاً انبهار رجل أشعري صوفي بابن تيمية ، ورجل زيدي بابن تيمية فاقتضى المقام أن أذكر كلام رجل حنفي ماتردي

قال علي ملا قاري في مرقاة المفاتيح (7/2778) :" صَانَهُمَا اللَّهُ عَنْ هَذِهِ السِّمَةِ الشَّنِيعَةِ وَالنِّسْبَةِ الْفَظِيعَةِ، وَمَنْ طَالَعَ شَرْحَ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ لِنَدِيمٍ الْبَارِيِّ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْحَنْبَلِيُّ - قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى سِرَّهُ الْجَلِيَّ - وَهُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ حَالَ الْإِطْلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ وَمِنْ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ"

وعجيب هنا أيضاً ثناؤه على أبي إسماعيل الأنصاري الذي كان يكفر الأشاعرة والماتردية ، وأبو إسماعيل على ضلاله في التصوف وميله لمقالة الجبرية  وعلى شدته المحمودة على الجهمية كان كثير من الأشعرية الجهمية لا يتجاسرون إلا على إظهار التوقير له

قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" وقال أبو الوقت السِّجْزيّ: دخلت نَيْسابور، وحضرتُ عند الأستاذ أبي المعالي الْجُوَينيّ فقال: مَن أنت؟ قلت: خادم الشّيخ أبي إسماعيل الأنصاريّ. فقال: رضي الله عنه؟"

أقول : أشهر أسانيد البخاري تمر بطريق السجزي الذي يعرف نفسه بخادم أبي إسماعيل الأنصاري ، والجويني رأس الجهمية في عصره يترضى عليه ! 

ولهذا قال ابن عبد الهادي في جمع الجيوش والدساكر  ص151 :" فَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ شَيْخُ الإِسْلامِ الأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُ , وَهُوَ إِمَامٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ سَائِرِ الطَّوَائِفِ , وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْنِي يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ ذَمِّ الْكَلامِ يَجِدْ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهُ"

قد نقض هذا الإجماع الإمام ابن تيمية رحمه الله


قد قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" خرّج أبو إسماعيل خلْقًا كثيرًا بهَرَاة، وفسّر القرآن زمانًا، وفضائله كثيرة. وله في التصوف كتاب " منازل السّائرين " وهو كتاب نفيس في التَّصوُّف، ورأيت الاتحاديّة تعظّم هذا الكتاب وتنتحله، وتزعم أنّه على تصوّفهم الفلسفيّ. وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحطّ عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب. نسأل الله العفو والسلامة"
وبقي أن نقول أن الجلال الدواني على أشعريته ما تورع عن تكفير الرافضة وتسميتهم بالطائفة الكافرة فهم القوم لا ينفع معهم حتى إرجاء الجهمية والإرجاء الذي يدخلهم في الإسلام على هيئتهم التي هم عليها في عصرنا نوع جديد من الإرجاء لا نظير له في كلام الأوائل سنيهم ومرجئهم 

 وأخيراً أذكر فائدة في إظهار أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار 

قال علي ملا قاري الماتردي في كتابه أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي الرسول ص146 :"  الْحِكْمَة من موت أَبَوي الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْكفْر

هَذَا وَفِيه بَيَان لكَمَال قدرته فِي خلقه وَأمره وتبيان لسر قَضَائِهِ وَقدره ورد على الْحُكَمَاء والفلاسفة والطبيعية فِي بِنَاء أَمر النُّبُوَّة والمعرفة على الْأُمُور النسبية وَالْأَحْوَال الكسبية لَا على الْمَوَاهِب الإلهية السبحانية والجذبات الربانية الصمدانية كَمَا أَشَارَ الله سُبْحَانَهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِي رد ذَلِك المبنى بقوله {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ}
فَأخْرج الله سُبْحَانَهُ الْمُؤمن من الْكَافِر وَالْكَافِر من الْمُؤمن كَابْن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ كَافِر بِإِجْمَاع ائمة الْإِسْلَام وكقابيل قَاتل هابيل من بني آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ كَافِر بِاتِّفَاق عُلَمَاء الْأَعْلَام
وَلما رأى عَلَيْهِ السَّلَام عِكْرِمَة بن أبي جهل بعد الْإِسْلَام قَرَأَ {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت}"


والحديث الذي ذكره لا أعلمه ثابتاً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم