السبت، 10 يناير 2015

وقفة مع كلمة للألباني في كشف الوجه والكفين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن المعلوم أن حامل لواء الدعوة إلى القول بعدم وجوب ستر الوجه والكفين للمرأة في هذا العصر وهو محمد ناصر الدين الألباني ، وقد كتب في ذلك بحوثاً نوقشت ورد عليها بردود منها القوي ومنها الضعيف

غير أنني أود التنبيه على كلمة له يغفل أو يتغافل عنها كثير ممن يعول على أبحاثه في هذه المسألة

وهي قوله في كتابه جلباب المرأة المسلمة ص89 :" لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيء من الزينة لعموم قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] وإلا وجب ستر ذلك ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة مما لا يشك مسلم -بل عاقل ذو غيرة- في تحريمه"

أقول : فالألباني يرى أنه لا يشك عاقل ذو غيرة بعدم جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها إذا كان عليها زينة كمساحيق التجميل

وقد بلغني أن الغامدي لما أخرج زوجته كانت على هذه الهيئة من وضع أمور على وجهها فهنا الألباني يشهد عليه بأنه ليس عاقلاً ذا غيرة

وما قاله الألباني هنا حجة عليه إذ أن العلة من تحريم كشف المرأة وجهها في هذه الصورة عند الألباني أن ذلك مظنة فتنة فينبغي عليه تعميم ذلك في كل مظنة فتنة

والعجيب أن كشف النساء وجوههن في بلاد الحرمين بل وفي كل الخليج  لا يكون في الغالب إلا على الهيئة التي قال عنها الألباني لا يشك عاقل في تحريمها

وقد زار بعض إخواننا بلاد الحرمين قبل أيام فرأوا في بعض المحافظات الكبرى هناك تهتكاً للنساء لا يوجد حتى في الكويت ، ومن ينظر في حال نسائهم في مواقع التواصل الاجتماعي يرى شراً كثيراً لا نظير له في الوطن العربي والإسلامي أجمع ، وهذا لا يعم الجميع ولكنه ظاهر وكثير

وإنما أذكر هذا لأبين سفه من يصدر فتاوى كهذه وحال النساء على ما ترى

بل الأدهى من ذلك في بلاد الحرمين التهاون الظاهر في أمر الشركيات في الحرمين

وقد لاحظ هذا الألباني في وقته

قال الألباني في كتابه حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص144 في الحاشية :" كانت الأرض التي فيها قبر حمزة وغيره من شهداء أحد لا بناء عليها إلا السنة الماضية (1383) ولكن الحكومة السعودية في هذه السنة أقامت على أرضهم حائطا مبنيا بالاسمنت وجعلت له بابا كبيرا من الحديد في الجهلة القلية ونافذة من الحديث في آخر الجدار الشرقي فلما رأينا ذلك استبشرنا شرا وقلنا هذا نذير شر ولا يبعد أن يكون توطئة لإعادة المسجد والقبب على قبورهم كما كان الأمر قبل الحكم السعودي الأول حين كان القوم متحمسين للدين عاملين بأحكامه والله غالب على أمره. وهذا أول الشر فقد رأيت الخرق على النافذة تتكاثر ولما يتكامل بناء الحائط وقيل لي: أن بعضهم صاروا يصلون في داخل البناء تبركا وإذا استمر الأمر على هذا المنوال من التساهل في تطبيق الشرع والتجرأ على مخالفته فلا أستبعد يوما تعود مظاهر الوثنية إلى أرض دولة التوحيد كما كان الشأن من قبل حكمها ثبت الله خطاها ووجهها إلى العمل بالشرع كاملا لا تأخذها في الله لوم لائم. وهو المستعان"

وأعود هنا لمسألتنا

قال مالك في الموطأ 677/ 218 - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ، لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ  كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَ مُنِعَ نِسَاءُ بني إِسْرَائِيلَ الْمَسَاجِدَ؟
قَالَتْ: نَعَمْ.

والخبر في الصحيح

فهذا ما قالته عائشة في نساء زمنها فكيف بنساء زماننا

وقارن بين فقه عائشة وفقه المفتين بجواز كشف الوجه والكفين مع ما يعلمونه من حال النساء في زمننا فلو كشفت وجهها ابتداءً دون أي زينة لرأت نفسها قبيحة بين قريناتها والأنثى بطبعها تحب الزينة وتحب ألا تظهر على هيئة غير وضيئة فلا يزال بها الشيطان حتى تنتهي للصورة التي قال الألباني أنه لا يشك عاقل ذو غيرة بأنها حرام

والعجيب فيمن يثير هذه المسألة مع كون مجتمعاتنا مغزوة بدعاوى الرذيلة ودخل التلفاز كل بيت وما من أنثى أو ذكر إلا ما رحم الله وإلا وذهنه مثخن بقصص العشق والغرام الشرقية والغربية والتي يركز الطرح الإعلامي عليها مع مختلف وسائل التهييج الغرائزي

فهل مجتمع كهذا يصلح أن يطرح فيه كهذا الطرح

وما حوادث الابتزاز التي ملأت أخبارها المجلات ومواقع التواصل إلا عينة مما أذكر لك 

وتراهم يهملون الشركيات التي ملأت الدنيا والبدع الظاهرة ودماء المسلمين المستباحة ، ويرون عشرات المسلمين يهاجرون إلى بلاد الكفر ويخسرون أعراضهم هناك وتحكى القصص التي تدمي القلوب فلا يهيجهم هذا بقدر ما يهيجهم التشدد زعموا !

وليرموا أم المؤمنين عائشة ومن تبعها من الفقهاء بالتشدد لمنعها النساء عن أمر مشروع لما أحدثن ما أحدثن

وليرموا جميع الفقهاء الذين منعوا الشابات في أزمنة الفتن من الخروج إلى صلاة العيدين بذلك

ومن عجائب هؤلاء أنهم يزعمون كثيراً أن المشايخ ألهوا الناس بقضايا فرعية ، أو يزعمون نفرتهم من الخلاف وأسبابه ، ثم يأتي أحدهم إلى الفتيا السائدة في بلد ما بوجوب تغطية المرأة وجهها ، ويذهب يشوش على هذه الفتيا في الجرائد وهو متخصص في الحديث وليس الفقه !

وما يضر النساء أن يفعلن الأمر المستحب في نظرك ويلتزمنه فهو ما صار مستحباً إلا لأنه أعف وأفضل

وما يضرها لو اعتقدت الوجوب وهو قول لفقهاء كثير في نظرك ( والواقع أنه إجماع عند وجود الفتنة )

والعجيب  أن الأشاعرة الذين ينادي حاتم العوني بالدفاع عنهم ويعرض هو وغيره بوجود تشدد في الموقف تجاههم كان عامتهم في زمن ابن تيمية وقبله يوجبون التمذهب ويثورون على من يفتي بخلاف السائد ، وقد جاهدهم ابن تيمية وبعض تلاميذه ثم آل الأمر إلى مشايخ الدعوة في نجد فحاربوا هذه الدعوة أيضاً

وما موقف القوم من ابن تيمية في شد الرحال ومسائل الطلاق عن الأذهان ببعيد

غير أنه جاء من لم يفرق بين الاتباع والانفلات فأفسد الدنيا

ومعلوم أن من دعا إلى التوحيد في ذلك الزمان يؤذى

وإلى اليوم في كثير من بلدان الأعاجم الذين يتبعون مذهب الأحناف الجهر بالتأمين عندهم جريمة

وقد أوذي الخجندي بسبب إشارته بالسبابة في التشهد وقد كان يسكن بخارى وهذا مذهب متقدمي الأحناف غير أن متأخريهم من فرط التجهم يمنعونه

وقد بلغني عن بعض الأخوة في بلوشستان أن هناك شجرة تعبد من دون الله يسمونها شجرة الخضر ويقر ذلك علماء ديوبند ( الأصل لجماعة التبليغ وأمير طالبان ملا محمد عمر )

ولما أنكر هذا الأخ أوذي وفصل من وظيفته

وهذه مظاهر تتكرر في العالم الإسلامي كل يوم فيتركها أدعياء الاجتهاد ويصير كل همهم كشف المرأة لوجهها وكفيها وقيادتها للسيارة ! 

وليته إذ فعل يردف ذلك بمقال عن حرمة خروج المرأة متعطرة ليوازن الأمور على الأقل 

وإنا لله وإنا إليه راجعون

ومن أكثر الأمور الطريفة أن تأتي امرأة قبيحة وتناضل عن كشف المرأة وجهها ولو كان الأمر لي لقلت لها ( أما أنت فاكشفي عن وجهك فوالله ما وراءه من فتنة تخشى ) ولكنه شرع والله المستعان

وهذا يذكرني بأثر لابن عمر

قال البيهقي في الكبرى 8090 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أنبأ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ فَتًى سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْقُبْلَةِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: " لَا " , فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: لِمَ تُحَرِّجُ النَّاسَ وَتُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ، وَاللهِ مَا بِذَلِكَ بَأْسٌ , قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " أَمَّا أَنْتَ فَقَبِّلْ، فَلَيْسَ عِنْدَ اسْتِكَ خَيْرٌ "


وهذه المسألة قريبة من مسألتنا فالنهي عن التقبيل للشاب لأنه مظنة فتنة ولا يتمالك نفسه ، فهذه أمور يراعيها خاصة الفقهاء 

وقد قال الله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )

وقال سبحانه ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )

فهذه التي أبدت زينتها أو أظهرت وجهها وهو محل حسنها هل أعانت أخاها المسلم على البر وهو غض البصر أم أعانته على ضده وهو الإثم  

وكثير من النسوة لا يعتبرن كريمات التبييض من الزينة وهي من أعلى من الزينة إذ أن العرب تقول البياض نصف الحسن وقد رويت هذه الكلمة عن عائشة  

وقد وقفت على كلمة جيدة للصابوني الأشعري إذكرها إلزاماً 

قال الصابوني في روائع البيان (2/ 384) :" ومن درس حياة السلف الصالح، وما كان عليه النساء الفضليات - نساء الصحابة والتابعين - وما كان عليه المجتمع الإسلامي في عصره الذهبي من التستر، والتحفظ، والصيانة عرف خطأ هذا الفريق من الناس، الذين يزعمون أن الوجه لا يجب ستره بل يجب كشفه، ويدعون المرأة المسلمة أن تسفر عن وجهها بحجة أنه ليس بعورة، لأجل أن يتخلصوا من الإثم - بزعمهم - في كتم العلم، وما دروا أنها مكيدة دبّرها لهم أعداء الدين، وفتنة من أجل التدرج بالمرأة المسلمة إلى التخلص من الحجاب الشرعي، الذي عمل له الأعداء زمناً طويلاً، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم