الاثنين، 20 أكتوبر 2014

المتخبطون بين تسنين الجهمية وتكفير الخوارج



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن خالف الطريقة السلفية لا بد أن يتناقض كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، واليوم كثير ممن ينتسب للطريقة السلفية تحركه الأهواء السياسية

فأظهر عدد منهم تكفير الخوارج ! وأنه قول معتبر ونزلوا ما قيل في الخوارج الأوائل على الخوارج العصريين

وهذا فتح عليهم أبواباً من التناقض

فإن قيل : كيف هذا ؟

قلت لك : أليس من ينكر العلو يكون جهمياً ؟

فإن قال : بلى

يقال : هنا عدة نقاط

الأولى : أن كل من كفر الخوارج يكفر الجهمية من باب أولى والجهمية يدخل فيهم الأشاعرة ، والإجماع منعقد على تكفير منكر العلو

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :
" ولا يقدر أحد ان ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم
وإذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث "

كلام شيخ الإسلام فيه عدة فوائد

الأولى : أن الأشاعرة نفاة العلو جهمية يتناولهم كلام السلف في الجهمية ، وفي هذا رد على من زعم أنهم من أهل السنة وهم تتناولهم نصوص تكفير السلف للجهمية

قال عبد الله بن أحمد في السنة 50 - حدثني عباس العنبري ، حدثنا شاذ بن يحيى ، سمعت يزيد بن هارون ، وقيل ، له : من الجهمية ؟ فقال : « من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي »

قال البخاري في خلق أفعال العباد (2/ 37) :" 63- وَحَذَّرَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْجَهْمِيَّةِ فَقَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلاَفِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ ، وَمُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ جَهْمِيٌّ "

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 61 - حدثني زياد بن أيوب دلويه ، سمعت يحيى بن إسماعيل الواسطي ، قال : سمعت عباد بن العوام ، يقول : « كلمت بشر المريسي وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء »

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 115 - حدثني عبد الله بن شبويه ، حدثنا محمد بن عثمان ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي : وسأله ، سهل بن أبي خدويه عن القرآن ، فقال : « يا أبا يحيى ما لك ولهذه المسائل هذه مسائل أصحاب جهم ، إنه ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء ، أرى والله ألا يناكحوا ولا يوارثوا »

وقد قال شيخ الإسلام قبل كلامه السابق :" وسئل عبد الله بن ادريس عن الصلاة خلف اهل البدع فقال لم يزل في الناس اذا كان فيهم مرضي او عدل فصل خلفه قلت فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة قال وقال وكيع بن الجراح الرافضة شر من القدرية والحرورية شر منهما والجهمية شر هذه الاصناف قال البخاري وقال زهير السجستاني سمعت سلام بن ابي مطيع يقول الجهمية كفار
وكلام السلف والائمة في هذا الباب اعظم واكثر من ان يذكر هنا الا بعضه كلهم مطبقون على الذم والرد على من نفى ان يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه بذلك وعلى ذم الجهمية الذين ينكرون ذلك"

فهذه أول نقطة تناقض تكفير الخوارج ورفض تكفير الأشعرية

الثانية : أن الأشاعرة فاقوا الجهمية الأولى في مسائل منها قولهم في القرآن فقد صرح ابن أبي العز بأن قولهم في القرآن أكفر من قول المعتزلة وأشار إلى هذا ابن القيم في الصواعق المرسلة ، ونص ابن تيمية في الاستقامة على أن قولهم في إنكار العلو أشنع من القول بخلق القرآن

وقد نص ابن تيمية على أن السلف كفروا اللفظية في كثير من كلامهم

قال الشيخ كما في مجموع الفتاوى (12/421) :" وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ - الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ - وَهِيَ " مَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةِ " فَقَدْ أَنْكَرَ بِدْعَةَ " اللَّفْظِيَّةِ " الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتَهُ وَاللَّفْظَ بِهِ مَخْلُوقٌ أَئِمَّةُ زَمَانِهِمْ جَعَلُوهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَبَيَّنُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُهُمْ"

وقول الأشاعرة أشنع من قول اللفظية

فكل ما قيل في الجهمية الأولى يقال في الأشاعرة من باب أولى ولكن القوم يعكسون الموضوع فيجزمون بإسلام الأشعرية بل يسننون جماعة من أعيانهم ويجعلون من يبدعهم هو المبتدع مع كونهم مشتركون مع الذين كفرهم السلف بالمقالة بل زائدون عليهم

ثم إنهم مع ما يسمونهم بالخوارج ينزلون عليهم ما قيل في الخوارج الأوائل من التكفير

مع أن الخوارج الأوائل يقعون في علي وعثمان وهؤلاء لا يقعون بل يعظمون

والخوارج الأوائل يطلقون التكفير بكل كبيرة ، وهؤلاء يطلقون عدم التكفير بكل كبيرة ، وإذا تابعوا ابن إبراهيم والرشيد والسلمان وعدد من مشايخ اللجنة الدائمة في تكفير محكم القوانين فما تنقمون منهم وأنتم تجعلون هؤلاء فوق السلف في موضوع أهل الرأي ، وفي أمر الانتخابات منكم من يحتج ببعض فتاوى المعاصرين ويرفع الإنكار  بمجرد وجود فتاوى لبعض المعاصرين ، وتكفير الجاسوس مطلقاً ( وهو قول باطل ) ظاهر في كلام ابن باز والفوزان

والخوارج الأوائل منهم من أنكر الرجم ومنهم من أنكر المسح على الخفين وكثير منهم لا يقبل كثير من أحاديث السنة لاتهامه الصحابة ، وأما المعاصرون فيخالفون في ذلك

فإن قلت : قد رأينا في كلام بعض أصحاب تركي البنعلي نقل كلام ابن حزم في الخروج على الحاكم الفاسق

فيقال : هذا لا ينكره إلا أنا وأمثالي وأما أنتم فلا حق لكم في ذلك فأبو حنيفة يرى السيف وابن حزم يرى السيف والصنعاني يرى السيف والجويني يرى السيف ( وأقره النووي بشرط عدم وجود مفسدة أعظم ) وهؤلاء كلهم أو جلهم أئمة عندكم الكلام فيهم من علامات الزيغ فهلا نزلتم عليهم حكم الخوارج عندكم في التكفير أو حتى الخلاف الواقع في ذلك

فأي دين هذا الذي يسمح لك بتسنين الجهمية الذين فاقوا الجهمية الذين كفرهم السلف ، ثم تحكم على أناس بأنهم خوارج وتنزل عليهم حكم التكفير واستحلال الدم بل واستحلال مقاتلتهم مع الكافر وهم يخالفون الخوارج الأوائل  في مسائل أصلية وكبيرة

ومن التناقض قول بعض كبرائكم بصحبة ذي الخويصرة وهذا تصحيح لإسلامه وتكفيركم للمعاصرين

بل العجيب حكم جماعة منكم بإسلام مانعي الزكاة الذين قاتلوا على تركها ، ثم قطع جماعة منكم بكفر الخوارج بعدها حتى الذين يعظمون الصحابة ويلتزمون الشرائع والسنن

والخلاصة أن الحكم بسنية جهمي ينكر العلو فضلاً عن إسلامه ، ثم الحكم بكفر رجل يكفر الدولة الفلانية ، الخلاصة أن هذا من أعظم التناقض والخطل

ثم لو فرضنا أن الخارجي واقع في الكفر فأين إقامة الحجة وفهمها ؟

القرضاوي والسويدان وغيرهما وقعا في كفريات عديدة فلم نسمع عن أحد يكفرهم

بل كثير من الليبراليين مع كفرهم الظاهر كمحمد آل الشيخ الذي يستهزيء بالسنة لم نسمع بأحد يكفره أو يصفه ب( الملحد ) مثلاً

وهنا أنا أحكي بحسب اطلاعي وقد يستدرك علي

فحين يصير من يعتقد عقيدة أهل السنة في الألوهية والأسماء والصفات _ بالجملة _ والقدر والإيمان _ بالجملة _ والصحابة واليوم الآخر كافراً

ويصير من يخالف عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات والإيمان والقدر والنبوات والتصوف إماماً في السنة أو سنياً

فهذا مذهب رديء غاية في السقوط
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم