الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال أبو منصور الماتردي إمام الماتردية في
كتاب التوحيد وهو يرد على الجهمية في نفسهم للأسماء الحسنى ص94 :" ثمَّ الدَّلِيل على مَا قُلْنَا مَجِيء
الرُّسُل والكتب السماوية بهَا وَلَو كَانَ فِي التَّسْمِيَة بِمَا جَاءَت بِهِ
الرُّسُل تَشْبِيه لكانوا سَبَب نقض التَّوْحِيد وهم جَمِيعًا دعوا إِلَى عبَادَة
الْوَاحِد وَإِلَى معرفَة وحدانية الْبَارِي لم يجز أَن يكون ذَلِك مِمَّا يُحَقّق
الْعدَد وَيثبت الْمُوَافقَة لِلْخلقِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه"
فيقال أيضاً فإثبات علو الله عز وجل على
خلقه وغير ذلك من الصفات جاءت به جميع الأنبياء فلو كان تشبيهاً أو تجسيماً لكانت
الرسل سبباً لنقض التوحيد ، وهم جميعاً دعوا للتوحيد فكيف يقرنونه بما ينقض
الوحدانية
فهذا الكلام من أبي منصور فيه النقض على
أصحابه من الجهمية الماتردية وأيضاً الجهمية الأشعرية الذين تجاسر بعضهم وزعم أن
الأخذ بظواهر النصوص كفر
وقد قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى :" وَهَذَا أَيْضًا فِيمَا فَعَلْتُمُوهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، أَمَّا الشَّرْعِيَّاتُ فَإِنَّكُمْ لَمَّا تَأَوَّلْتُمْ مَا تَأَوَّلْتُمْ مِنْ نُصُوصِ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، تَأَوَّلَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَا قَرَّرْتُمُوهُ أَنْتُمْ، وَاحْتَجُّوا بِمِثْلِ حُجَّتِكُمْ، ثُمَّ زَادَتْ الْفَلَاسِفَةُ وَتَأَوَّلُوا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْإِلَهِيَّةُ فِي الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَقَالَتْ الْمُتَفَلْسِفَةُ مِثْلَ مَا قُلْتُمْ لِإِخْوَانِكُمْ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ حُجَّةٌ عَلَى الْمُتَفَلْسِفَةِ، فَإِنَّكُمْ إذَا احْتَجَجْتُمْ بِالنُّصُوصِ تَأَوَّلُوهَا، وَلِهَذَا كَانَ غَايَتُكُمْ فِي مُنَاظَرَةِ هَؤُلَاءِ أَنْ تَقُولُوا: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِمَعَادِ الْأَبْدَانِ، وَأَخْبَرَ بِالْفَرَائِضِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِجَمِيعِ الْبَرِيَّةِ، وَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يُمْكِنُ الْقَدْحُ فِيهَا.
فَإِنْ قَالَ لَكُمْ الْمُتَفَلْسِفَةُ: هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالضَّرُورَةِ كَانَ جَوَابُكُمْ أَنْ تَقُولُوا: هَذَا جَهْلٌ مِنْكُمْ، أَوْ تَقُولُوا: إنَّ الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا عَنْ النَّفْسِ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْعِلْمَ بِهَذَا أَمْرًا ضَرُورِيًّا فِي أَنْفُسِنَا.
وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ مِنْكُمْ، لَكِنْ فِي هَذَا نَقُولُ لَكُمْ الْمُثْبِتَةُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ الْمَنْقُولِ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَبِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا أَثْبَتُ الصِّفَاتِ، وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَالْعِلْمُ بِهَذَا ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرْتُمْ أَنْتُمْ فِي مَعَادِ الْأَبْدَانِ وَالشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ لَعَلَّ الْعِلْمَ بِهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِبَعْضِ مَا تُنَازِعُكُمْ فِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْفَلَاسِفَةُ مِنْ أُمُورِ الْمَعَادِ كَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ، وَمَسْأَلَةِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ.
وَأَيْضًا فَالْعِلْمُ بِعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِضَرُورِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ وَأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ يَقِينِيَّةٍ لَا يُعْلَمُ بِمِثْلِهَا مَعَادُ الْأَبْدَانِ، فَالْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ عَلَى مَا نَفَيْتُمُوهُ مِنْ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَمُبَايَنَتِهِ لَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَكْمَلُ وَأَقْوَى مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا خَالَفَكُمْ فِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ، بَلْ وَالْفَلَاسِفَةُ وَلِهَذَا يُوجَدُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مُوَافَقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي بَعْضِ مَا خَالَفْتُمُوهُمْ فِيهِ كَمَا يُوجَدُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إنْكَارُ سَمَاعِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ لِلْأَصْوَاتِ، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إنْكَارُ الْمِعْرَاجِ بِالْبَدَنِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَلَا يُوجَدُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُوَافَقَتُكُمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ، بَلْ وَلَا عَلَى مَا نَفَيْتُمُوهُ مِنْ الْجِسْمِ وَمُلَازِمِهِ"
وقد قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى :" وَهَذَا أَيْضًا فِيمَا فَعَلْتُمُوهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، أَمَّا الشَّرْعِيَّاتُ فَإِنَّكُمْ لَمَّا تَأَوَّلْتُمْ مَا تَأَوَّلْتُمْ مِنْ نُصُوصِ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، تَأَوَّلَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَا قَرَّرْتُمُوهُ أَنْتُمْ، وَاحْتَجُّوا بِمِثْلِ حُجَّتِكُمْ، ثُمَّ زَادَتْ الْفَلَاسِفَةُ وَتَأَوَّلُوا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْإِلَهِيَّةُ فِي الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَقَالَتْ الْمُتَفَلْسِفَةُ مِثْلَ مَا قُلْتُمْ لِإِخْوَانِكُمْ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ حُجَّةٌ عَلَى الْمُتَفَلْسِفَةِ، فَإِنَّكُمْ إذَا احْتَجَجْتُمْ بِالنُّصُوصِ تَأَوَّلُوهَا، وَلِهَذَا كَانَ غَايَتُكُمْ فِي مُنَاظَرَةِ هَؤُلَاءِ أَنْ تَقُولُوا: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِمَعَادِ الْأَبْدَانِ، وَأَخْبَرَ بِالْفَرَائِضِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِجَمِيعِ الْبَرِيَّةِ، وَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يُمْكِنُ الْقَدْحُ فِيهَا.
فَإِنْ قَالَ لَكُمْ الْمُتَفَلْسِفَةُ: هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالضَّرُورَةِ كَانَ جَوَابُكُمْ أَنْ تَقُولُوا: هَذَا جَهْلٌ مِنْكُمْ، أَوْ تَقُولُوا: إنَّ الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا عَنْ النَّفْسِ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْعِلْمَ بِهَذَا أَمْرًا ضَرُورِيًّا فِي أَنْفُسِنَا.
وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ مِنْكُمْ، لَكِنْ فِي هَذَا نَقُولُ لَكُمْ الْمُثْبِتَةُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ الْمَنْقُولِ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَبِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا أَثْبَتُ الصِّفَاتِ، وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَالْعِلْمُ بِهَذَا ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرْتُمْ أَنْتُمْ فِي مَعَادِ الْأَبْدَانِ وَالشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ لَعَلَّ الْعِلْمَ بِهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِبَعْضِ مَا تُنَازِعُكُمْ فِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْفَلَاسِفَةُ مِنْ أُمُورِ الْمَعَادِ كَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ، وَمَسْأَلَةِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ.
وَأَيْضًا فَالْعِلْمُ بِعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِضَرُورِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ وَأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ يَقِينِيَّةٍ لَا يُعْلَمُ بِمِثْلِهَا مَعَادُ الْأَبْدَانِ، فَالْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ عَلَى مَا نَفَيْتُمُوهُ مِنْ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَمُبَايَنَتِهِ لَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَكْمَلُ وَأَقْوَى مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا خَالَفَكُمْ فِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ، بَلْ وَالْفَلَاسِفَةُ وَلِهَذَا يُوجَدُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مُوَافَقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي بَعْضِ مَا خَالَفْتُمُوهُمْ فِيهِ كَمَا يُوجَدُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إنْكَارُ سَمَاعِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ لِلْأَصْوَاتِ، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إنْكَارُ الْمِعْرَاجِ بِالْبَدَنِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَلَا يُوجَدُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُوَافَقَتُكُمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ، بَلْ وَلَا عَلَى مَا نَفَيْتُمُوهُ مِنْ الْجِسْمِ وَمُلَازِمِهِ"
وقد بلغت الوقاحة في الصاوي الأشعري إلى
قال في حاشيته على تفسير الجلالين (3/9) :" الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من
أصول الكفر " !
وقال الآمدي في غاية المرام ص138:" واعلم
أن هذه الظواهر وإن وقع الاغترار بها بحيث يقال بمدلولاتها ظاهر من جهة الوضع
اللغوى والعرف الاصطلاحى فذلك لا محالة انخراط في سلك نظام التجسيم ودخول في طرف
دائرة التشبيه وسنبين مافي ذلك من الضلال وفي طيه من المحال إن شاء الله"
قال سعيد فودة الأشعري المعاصر في "نقض
التدمرية" (ص83): فهذه هي أصول الكفر على حسب ما وضحه الإمام السنوسي, وكلامه
فيها في غاية الإتقان, وما يهمنا الكلام عليه ههنا هو الأصل الأخير, وهو التمسك في
أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة .. إلخ"
وهؤلاء جميعاً يرد عليهم كلام إمامهم
الماتردي
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم