الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في رده على
السبكي في مسألة تعليق الطلاق (2/837) :" وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي
حنيفة وأصحابه طعناً مشهوراً امتلأت به الكتب ، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا
عنهم في كتب الحديث شيئاً فلا ذكر لهم في الصحيحين والسنن "
أقول : استحضر أن هذا من أواخر تآليف ابن
تيمية وقد ذكره في سياق دفع السبكي الاعتداد بداود الظاهري في الخلاف لكونه
مطعوناً فيه فأجابه ابن تيمية بعدة أوجه منها أن العبرة بالأدلة وداود معه صحابة
وتابعين في المسألة و أن السبكي نفسه يعتد بأناس طعن فيهم في الخلاف ، بل ذكر حتى
من طعن في مالك والشافعي وليس مالك والشافعي كداود وأبي حنيفة
ولا شك أن ابن تيمية نفسه يعلم جيداً أن
طعون أهل الحديث ليست كطعون متعصبة العراقيين
وهو نفسه يقرر دائماً أن الحق لا يخرج عن
أهل الحديث وعرف الفرقة الناجية والطائفة المنصورة في الواسطية بأنهم أهل الحديث ،
ولكنه هنا يلزم السبكي فحسب
وهذا النص من ابن تيمية _ رحمه الله _ يستفاد
منه عدة أمور
الأول : أن الطعن في أبي حنيفة وأصحابه هو
مذهب أكثر أهل الحديث _ بنص ابن تيمية _ والواقع أنه مذهبهم كلهم ولكن لعل الشيخ
اغتر ببعض ما ينسب لابن معين أو يروى عن بعضهم من الثناء على أهل الرأي
الثاني : أن من ضمن هؤلاء الطاعنين أصحاب
الصحاح والسنن وأن اجتنابهم لتخريج حديث أبي حنيفة وأصحابه لعلة المنافرة والبغض
والطعن
فالبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
والترمذي وابن ماجه ممن يطعن في أبي حنيفة وأصحابه ويجتنبه لهذا الداعي بشهادة ابن
تيمية _ رحمه الله _
ومن كان هؤلاء سلفه في بابهم الذي هو
الجرح والتعديل مع بقية أئمة الإسلام فلا يضره تشغيب الصعافقة
الثالث : أن هذا طعن مشهور امتلأت به
الكتب ، فكيف يستطيع أحد أن يكتمه والحال
وليعلم أن ناسخ المخطوط لما رأى من غلظ
هذه الكلمة أضاف عليها ترضياً على أبي حنيفة ! وأتبعه بمثله عن مالك والشافعي ،
وابن تيمية رجل حنبلي وقد ذكر أحمد عدة مرات في هذه الرسالة ولم يترضَ عليه فيترضى
عن أبي حنيفة !
وعادته أنه لا يترضى عن غير الصحابة وقد
فعل ذلك أحياناً مع أحمد
ولا تستغرب فقد فعلوا في كتاب الأم
للشافعي فإنك ترى الشافعي يذكر أبا حنيفة في محل ذم أو نقد ويكتبون إلى جانب اسم
أبي حنيفة _ رضي الله عنه _ والشافعي في الأم يذكر الكثير من الأعيان الفضلاء ممن
يعتقد فيهم أنه أجل من أبي حنيفة ولا يترضى عليه
ولابن تيمية نص آخر قد لا يعجب الخلفيون
الطاعنين في الآخذين بمذاهب السلف
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (20/186)
:" فَالْمُبْتَدِعَةُ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى غَيْرِهِ إذَا كَانُوا جهمية
أَوْ قَدَرِيَّةً أَوْ شِيعَةً أَوْ مُرْجِئَةً؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْهَبًا
لِلْإِمَامِ إلَّا فِي الْإِرْجَاءِ؛ فَإِنَّهُ قَوْلُ أَبِي فُلَانٍ وَأَمَّا
بَعْضُ التَّجَهُّمِ فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ
أَصْحَابُهُ الْمُنْتَسِبُونَ إلَيْهِ مَا بَيْنَ سُنِّيَّةٍ وجهمية؛ ذُكُورٍ
وَإِنَاثٍ؛ مُشَبِّهَةٍ وَمُجَسِّمَةٍ؛ لِأَنَّ أُصُولَهُ لَا تَنْفِي الْبِدَعَ
وَإِنْ لَمْ تُثْبِتْهَا"
وأبو فلان هذا هو أبو حنيفة تصرف الناسخ
أو المحقق فغير اسمه وهذا ظهر في الرسالة المفردة التي حققها بعضهم حين ذكر الاسم
صريحاً
ولو قلت لشخص من هؤلاء ( أنت أصولك لا
تنفي البدع ومذهبك الإرجاء ) سيرى أنني طاعن فيه أليس كذلك ؟
فليقل ابن تيمية يطعن في أبي حنيفة
وقد حاول أبو يعلى حمل كلام أحمد في أهل الرأي على المرجئة والقدرية فرد عليه ابن تيمية في المسودة
قال ابن تيمية _ رحمه الله _ كما في المسودة (1/265) :" [والد شيخنا] فصل:
فى قول أحمد: "لا يروى عن أهل الرأى" تكلم عليه ابن عقيل بكلام كثير قال في رواية عبد الله أصحاب الرأى لا يروى عنهم الحديث قال القاضي وهذا محمول على أهل الرأى من المتكلمين كالقدرية ونحوهم.
قلت ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة وهو ما ذكرته في المبتدع أنه نوع من الهجرة فانه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو لهم في الامهات كالصحيحين"
فى قول أحمد: "لا يروى عن أهل الرأى" تكلم عليه ابن عقيل بكلام كثير قال في رواية عبد الله أصحاب الرأى لا يروى عنهم الحديث قال القاضي وهذا محمول على أهل الرأى من المتكلمين كالقدرية ونحوهم.
قلت ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة وهو ما ذكرته في المبتدع أنه نوع من الهجرة فانه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو لهم في الامهات كالصحيحين"
وانظر كيف مثل للمبتدع بأبي يوسف صاحب أبي حنيفة فهو مبتدع عند ابن تيمية استخراجاً من نصوص أحمد
وهذا النووي الذي يعظمونه جداً ينسب أبا
حنيفة إلى منابذة الشرع
قال النووي في شرح مسلم (6/485) :" وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة عَنْهُ : لَا كَرَاهَة فِيهِ ، وَلَا
بَأْس بِهِ ؛ لِأَنَّ مَا حَلَّ مُفْرَدًا حَلَّ مَخْلُوطًا ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ
الْجُمْهُور ، وَقَالُوا : مُنَابَذَة لِصَاحِبِ الشَّرْع ، فَقَدْ ثَبَتَتْ
الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي النَّهْي عَنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
حَرَامًا كَانَ مَكْرُوهًا"
وهذا ابن العربي المالكي الذي يعظمونه
جداً يدعي أن الشافعي كان يكفر أبا حنيفة تارة ويبدعه أخرى
قال ابن العربي في رسالته في أصول الفقه :"
الفصل السادس القول في الاستحسان
أنكره الشافعي وأصحابه وكفروا أبا حنيفة
في القول به تارة وبدعوه أخرى"
والله الهادي للصواب
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم