الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد انتشر مقطع لرجل أمريكي يتكلم فيه عن
أسباب انهيار الحضارة الإسلامية ، ومعرفته سطحية جداً والكلام الذي قاله كثير منه
مضحك حقاً ، ومن ذلك أنه ادعى أن الغزالي حرم الرياضيات وقال أنها من عمل الشيطان
ولأن الليبرالي مع الأمريكي كالأمة مع
سيدها تلقى هذا الفرية عدد من سفلة الليبراليين من أهمهم محمد آل الشيخ الكاتب
السعودي سيء السمعة والذكر
وهذه فرية مضحكة فلا يوجد أحد منتسب
للإسلام حرم الرياضيات بالمعنى المعروف عند الناس
قال الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال :"
أعلم: أن علومهم - بالنسبة إلى الغرض الذي نطلبه - ستة أقسام رياضية، ومنطقية،
وطبيعية، وإلهية، وسياسية، وخلقية.
أما الرياضية: فتتعلق بعلم الحساب
والهندسة وعلم هيئة العالم، وليس يتعلق منه شيء بالأمور الدينية نفياً وإثباتاًِ،
بل هي أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدتهم بعد فهمها ومعرفتها. وقد تولدت منها
آفتان: الأولى: من ينظر فيها يتعجب من دقائقها ومن ظهور براهينها، فيحسن بسبب ذلك
اعتقاده في الفلاسفة، فيحسب أن جميع علومهم في الوضوح وفي وثاقة البرهان كهذا
العلم. ثم يكون قد سمع من كفرهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع ما تناولته الألسنة
فيكفر بالتقليد المحض ويقول: لو كان الدين حقاً لما اختفى على هؤلاء مع تدقيقهم في
هذا العلم! فإذا عرف بالتسامع كفرهم وجورهم استدل على أن الحق هو الجحد والإنكار
للدين، وكم رأيت من يضل عن الحق بهذا العذر ولا مستند له سواه.
وإذا قيل له: الحاذق في صناعة واحدة ليس
يلزم أن يكون حاذقاً في كل صناعة، فلا يلزم أن يكون الحاذق في الفقه والكلام
حاذقاً في الطب، ولا أن يكون الجاهل بالعقليات جاهلاً بالنحو، بل لكل صناعة أهل
بلغوا فيها رتبة البراعة والسبق، وإن كان الحمق والجهل يلزمهم في غيرها، فكلام الأوائل
في الرياضيات برهاني وفي الإلهيات تخميني"
فهذا كلام واضح جداً في أنه يرى علم
الرياضيات علم قطعي صحيح ولكن الإشكال أتى ممن ظن أن جميع علوم الفلاسفة كعلم
الرياضيات في الوضوح ، وهذا أمر يقع لكثير من أبناء المسلمين في عدد من العلوم
الحديثة والله المستعان
بل قال الغزالي في المنقذ من الضلال وهو
يذكر الآفة الثانية:" الآفة الثانية: نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين
ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم. فأنكر جميع علومهم وادعى جهلهم فيها حتى
أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع فلما قرع ذلك سمع
من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه ولكن اعتقد أن الإسلام مبني على
الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حباً وللإسلام بغضاً، ولقد عظم على
الدين جناية من ظن أن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه
العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية. وقوله صلى الله
عليه وسلّم: " إن الشمس والقمر آيتان من آياتِ الله تعالى لا ينخسفان ِ لموتِ
أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة ".
وليس في هذا ما يوجب إنكار علم الحساب المعروف
بمسير الشمس والقمر، واجتماعهما أو مقابلهما على وجه مخصوص، أما قوله عليه السلام:
" لكن الله إذا تجلى لشيءْ خضع لهُ " فليس توجد هذه الزيادة في الصحيح
أصلاً"
وهنا الغزالي يرى أن إنكار علوم القوم
الصحيحة المبنية على التجريب مما يطرق الفلاسفة على أهل الإسلام ، فتأمل كيف نسب
هؤلاء الجهلة للغزالي أمراً كان ينكره على غيره
وقد قال الغزالي في إحياء علوم الدين :"
علم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم والعلوم بالإضافة إلى الغرض
الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية وأعني بالشرعية ما استفيد من الأنبياء
صلوات الله عليهم وسلامه ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب ولا التجربة مثل الطب ولا
السماع مثل اللغة فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو
مذموم وإلى ما هو مباح فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب وذلك
ينقسم إلى ما هو فرض كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة أما فرض الكفاية فهو علم
لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان
وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم
التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض
عن الآخرين
فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من
فروض الكفايات فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة
والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم
وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك
فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد
إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله
وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في
دقائق الحساب وحقائق الطب وغير ذلك مما يستغنى عنه ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر
المحتاج إليه
وأما المذموم فعلم السحر والطلسمات وعلم
الشعبذة والتلبيسات
وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا
سخف فيها وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه"
بل عده من فروض الكفايات قال النووي في المجموع :" وأما ما ليس علما شرعيا ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضا نص عليه الغزالي"
وقال ابن تيمية في الحسبة :" ، فلهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: كأبي حامد الغزالي، وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم:
إن هذه الصناعات فرض على الكفاية"
بل عده من فروض الكفايات قال النووي في المجموع :" وأما ما ليس علما شرعيا ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضا نص عليه الغزالي"
وقال ابن تيمية في الحسبة :" ، فلهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: كأبي حامد الغزالي، وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم:
إن هذه الصناعات فرض على الكفاية"
والغزالي رجل جهمي لا يعتد به غير أن
الظلم ظلم والكذب كذب
وأنا لا ألوم الرجل الأمريكي كثيراً فهم
جهلة ويظنون أنفسهم على شيء خصوصاً بما يتعلق بالشعوب الأخرى وحضاراتها وكان ينبغي
على آل الشيخ وقطيع البهائم أن يصححوا معلومات سيدهم بدلاً من أن يأخذوها مأخذ
التسليم وينشروها بين المسلمين وأن ينسوا ولو لقليل من الوقت سياسة الأمة مع سيدها
التي يتبعونها مع الغرب
وقد قسم ابن تيمية وابن القيم علوم
الفلاسفة إلى قسمين علوم صادقة مبنية على التجريب والمشاهدة وسفسطة تتعلق
بالإلهيات وذمهم للمنطق والفلسفة متعلق بالثاني
وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين :"
وأيضا فان النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدر به ويقويه على العلم فيصير مثل
كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل تعين على قوة الرمي والركوب وإن لم يكن ذلك وقت
قتال وهذا مقصد حسن.
ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب في
النظر في العلوم الصادقة الدقيقة كالجبر والمقابلة وعويص الفرائض والوصايا والدور
لشحذ الذهن فانه علم صحيح في نفسه ولهذا يسمى الرياضي فان لفظ الرياضة يستعمل في
ثلاثة أنواع في رياضة الأبدان بالحركة والمشي كما يذكر ذلك الأطباء وغيرهم وفي
رياضة النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة والآداب المحمودة وفي رياضة الأذهان بمعرفة
دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة.
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
قال: "إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض" أراد إذا
لهوا بعمل أن يلهوا بعمل ينفعهم في دينهم وهو الرمي وإذا لهوا بكلام لهوا بكلام
ينفعهم أيضا في عقلهم ودينهم وهو الفرائض"
ففرق ابن تيمية بين ما ثبت بالتجربة من علومهم
وبين كلامهم في الإلهيات، وهو القائل ( من تمنطق تزندق ) فإنه يعني بذلك كلامهم في
الإلهيات فافهم هذا يا محمد آل الشيخ بدلاً من الثرثرة الفارغة
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان :" وكذلك
كان أساطينهم ومتقدموهم، العارفون فيهم، معظمين للرسل والشرائع، موجبين لاتباعهم،
خاضعين لأقوالهم، معترفين بأن ما جاءوا به آخر وراء طور العقل، وأن عقول الرسل
وحكمتهم فوق عقول العالمين وحكمتهم.
وكانوا لا يتكلمون فى الإلهيات، ويسلمون
باب الكلام فيها إلى الرسل، ويقولون: علومنا إنما هى الرياضيات والطبيعيات
وتوابعها. وكانوا يقرون بحدوث العالم.
وقد حكى أرباب المقالات أن أول من عرف عنه
القول بقدم هذا العالم إرسطو. وكان مشركا يعبد الأصنام. وله فى الإلهيات كلام كله
خطأ من أوله إلى آخره، فقد تعقبه بالرد عليه طوائف المسلمين، حتى الجهمية
والمعتزلة، والقدرية، والرافضة، وفلاسفة الإسلام أنكروه عليه، وجاء فيه بما يسخر
منه العقلاء.
وأنكر أن يكون الله سبحانه يعلم شيئا من
الموجوادت، وقرر ذلك بأنه لو علم شيئا لكمل بمعلوماته، ولم يكن كاملا فى نفسه،
وبأنه كان يلحقه التعب والكلال من تصور المعلومات"
ولعل البعض يستثقل وصف الغزالي ب( الجهمي )
والواقع أن كل أشعري جهمي
قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/31)
:" فأبو الحسين وأمثاله من المعتزلة، وكذلك الغزالي والرازي وأمثالهما من
فروع الجهمية، هم من أقل الناس علماً بالأحاديث النبوية وأقوال السلف في أصول
الدين، وفي معاني القرآن، وفيما بلغوه من الحديث، حتى أن كثيراً منهم لا يظن أن
السلف تكلموا في هذه الأبواب"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم