الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد قرأت كلاماً لجراب الكذب والحقد حسن
بن فرحان المالكي يزعم فيه أن السلفيين يكفرون ابن النفيس وذكر معه ابن سينا وبعض
الفلاسفة
والواقع أن هذا كذب فلم يكفر أحد ابن
النفيس الذي اشتهر بأنه مكتشف الدورة الدموية بل أثنى عليه ابن تيمية وذكر له
كلاماً في نقد طريقة المتكلمين
قال شيخ الإسلام: قال ابن النفيس المتطبب
الفاضل مذهبان: مذهب أهل الحديث، أو مذهب
الفلاسفة، فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف.
قال ابن تيمية عقيبه: يعني أن أهل الحديث
أثبتوا كل ما جاء به الرسول وأولئك جعلوا الجميع تخييلا وتوهيما ومعلوم بالأدلة
الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة، فتعين أن يكون الحق مذهب
السلف أهل الحديث والسنة والجماعة. ( درء التعارض )
وهذا الكلام يوحي بميله إلى طريقة أهل
الحديث خصوصاً مع ما نقل عنه من التزام شعائر الدين مما يدل على أنه ليس على طريقة
الفلاسفة
فقد نقل عنه أنه رفض في مرض موته التداوي
بالخمر وقال ( لا ألقى الله وفي جوفي شيء من الخمر ) ( ذكره الذهبي في تاريخ
الإسلام )
وليعلم أن الشافعي كان مشاركاً في علم
الطب وكذا يحيى بن معين ( انظر سؤالات ابن محرز ) ، وابن القيم كان مطلعاً اطلاعاً
في هذا الباب والأطباء الإسلاميون كثر
وأما ابن سينا فقد كفره الغزالي ( على
ضلاله ) في التهافت لقوله بأن الله لا يعلم الجزئيات وإنكاره المعاد الجسماني
وابن سينا وأضرابه إنما أتوا من أنهم
عظموا علوم أرسطو التجريبية ، ثم قلدوه في علومه في الإلهيات والتي كانت ضلالاَ
مبيناً تخالف ما عليه عامة المنتسبين للإسلام من اهل الحديث وأهل الكلام ، ويكفيك
أنهم كانوا يقولون بأزلية الأفلاك هذه الأطروحة التي ينكرها حتى الملاحدة اليوم وثبت أنها خرافة تجريبياً
والفلاسفة المنتسبون للإسلام لا ينكرون
وجود الله صراحة ولا النبوات صراحة ولكن يفسرونها بتفسيرات تذهب حقيقتها التي جاءت
بها الشرائع
قال ابن تيمية في منهاج السنة (2/572)
:" بَلْ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ مَعَ إِلْحَادِهِ فِي
الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ، وَنُصْرَتِهِ لِقَوْلِ دِيمُقْرَاطِيسَ
وَالْحَرْنَانِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ - مَعَ أَنَّهُ
مِنْ أَضْعَفِ أَقْوَالِ الْعَالِمِ وَفِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ مَا
هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَشَرْحِ الْأَصْبَهَانِيَّةِ وَالْكَلَامِ
عَلَى مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهَا قُوًى
نَفْسَانِيَّةٌ الْمُسَمَّاةُ بِالصَّفَدِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَالرَّجُلُ
مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالطِّبِّ حَتَّى قِيلَ لَهُ: جَالِينُوسُ الْإِسْلَامِ،
فَمَنْ ذَكَرَ عَنْهُ فِي الطِّبِّ قَوْلًا يَظْهَرُ فَسَادُهُ لِمُبْتَدِئِ
الْأَطِبَّاءِ، كَانَ غَالِطًا عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
كَيْسَانَ وَأَمْثَالُهُ لَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلثَّمَرَةِ طَعْمًا
وَلَوْنًا وَرِيحًا، وَهَذَا مِنَ الْمُرَادِ بِالْأَعْرَاضِ فِي اصْطِلَاحِ
النُّظَّارِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْأَعْرَاضَ؟
بَلْ إِذَا قَالُوا: إِنَّ الْأَعْرَاضَ
لَيْسَتْ صِفَاتٍ زَائِدَةً عَلَى
الْجِسْمِ بِمَعْنَى أَنَّ الْجِسْمَ اسْمٌ لِلَذَّاتِ الَّتِي قَامَتْ بِهَا
الْأَعْرَاضُ، فَالْعَرَضُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ، وَهَذَا مِمَّا
يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ"
وعقيدة القدماء الخمسة التي يعتقدها أبو
بكر الرازي شرحه ما يلي
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (2/246)
:" وقال بعضهم: إن البارى سبحانه لما طالت وحدته استوحش، ففكر فكرة سوء
فتجسمت فكرته، فاستحالت ظلمة. فحدث منها إبليس، فرام البارى إبعاده عن نفسه فلم
يستطع، فتحرز منه بخلق الجنود والخيرات، فشرع إبليس فى خلق الشر وأصل عقد مذهبهم،
الذى عليه خواصهم: إثبات القدماء الخمسة: البارى، والزمان، والخلاء، والهيولى،
وإبليس. فالبارى خالق الخيرات، وإبليس خالق الشرور.
وكان محمد بن زكريا الرازى على هذا
المذهب، لكنه لم يثبت إبليس، فجعل مكانه النفس، وقال: يقدم الخمسة، مع ما رشحه به
من مذاهب الصابئة والدهرية والفلاسفة، والبراهمة، فكان قد أخذ من كل دين شر ما
فيه، وصنف كتابا فى إبطال النبوات، ورسالة فى إبطال المعاد، فركب مذهبا مجموعا من
زنادقة العالم:
وقال: أنا أقول: إن البارى، والنفس،
والهيولى، والمكان، والزمان: قدماء وأن العالم محدث"
وقال أبو علي الأصبهاني المرزوقي في رسالة
الأزمنة والأمكنة ( وهو متكلم ) :" الرّابعة: الفرقة التي زعيمهم محمد بن
زكريا، المتطبب لأنه زاد عليهم النّفس الناطقة، فبلغ عدد الأزلي خمسة بهذيانه.
وشرح مذهبهم أنه لم يزل خمسة أشياء، اثنان
منها حيّان فاعلان وهما: الباري والنفس، وواحد منفعل غير حي وهو الهيولى الذي منه
كوّنت جميع الأجسام الموجودة، واثنان لا حيّان ولا فاعلان ولا منفعلان وهما الخلاء
والمادة، إلى خرافات لا تطيق اليد بيانها بالخط، ولا اللّسان تحصيلها باللّفظ، ولا
القلب تمثيلها بالوهم، فمما يزعمه أن الباري تام الحكمة لا يلحقه سهو ولا غفلة،
وتفيض منه الحياة كفيض النّور عن قرصة الشّمس، وهو العقل التام المحض، والنفس تفيض
منه الحياة كفيض النور، وهي مترجّحة بين الجهل والعقل كالرّجل يسهو تارة، ويصحو
أخرى، وذلك لأنها إذا نظرت نحو الباري الذي هو عقل محض غفلت وأفقت، وإذا نظرت نحو
الهيولى التي هي جهل محض غفلت وسهت، وأقول متعجبا لولا الكرى لم يحلم وهذا كما قال
غيري، أليس من العجائب هذيانه في القدماء الخمسة، وما يعتقده من وجود العالم لحدوث
العلّة وما يدّعيه من وجود الجوهرين الأزليين أعني الخلاء والمدّة لا فعل لهما ولا
انفعال، فلولا خذلان الله إياه، وإلا فماذا يعمل بجوهر لا فاعل ولا منفعل؟! ولم
يضع الأرواح المقدّسة قبالة الأرواح الفاسدة، ولم يحدث العلة من غير نقص ولا آفة
ولم يذكر شيئا ليس فيه جدوى ولا ثمرة وهذا الفصل إذا أعطي مستحقّه من التّأمل ظهر
منه ما يسقط به سخيف كلامهم، وإن لم يكن مورده مورد الحجاج عليهم"
وقال صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء :" وَقَالَ القَاضِي صاعد فِي كتاب التَّعْرِيف بطبقات الْأُمَم أَن الرَّازِيّ لم يوغل فِي الْعلم الإلهي وَلَا فهم غَرَضه الْأَقْصَى فاضطرب لذَلِك رَأْيه وتقلد آراء سخيفة وَانْتَحَلَ مَذَاهِب خبيثة وذم أَقْوَامًا لم يفهم عَنْهُم وَلَا اهْتَدَى لسبيلهم"
وقال صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء :" وَقَالَ القَاضِي صاعد فِي كتاب التَّعْرِيف بطبقات الْأُمَم أَن الرَّازِيّ لم يوغل فِي الْعلم الإلهي وَلَا فهم غَرَضه الْأَقْصَى فاضطرب لذَلِك رَأْيه وتقلد آراء سخيفة وَانْتَحَلَ مَذَاهِب خبيثة وذم أَقْوَامًا لم يفهم عَنْهُم وَلَا اهْتَدَى لسبيلهم"
أقول : فهذا المذهب لا شك يكفر به كل
المنتسبين للإسلام وإن لم يكونوا مسلمين حقيقة فالرافضي والجهمي والمعتزلي والزيدي
والأشعري كلهم يعتقد أنها كفر بل حتى اليهود والنصارى والمجوس يعتقدون أن هذا كفر
والملاحدة اليوم لا أحد منهم يعتقد عقيدة
ابن سينا أو عقيدة الفارابي أو عقيدة أبي بكر الرازي الطبيب
فهناك إجماع من أهل الكرة أن هؤلاء كانوا
ضالين في باب الإلهيات مع علمهم بالطب فدع عنك التباكي يا حسن المالكي
بل ينبغي أن يشكر أهل السنة على بيانهم
لحال هؤلاء ، وأما علومهم التجريبية فهذه يستفاد منها بما ثبت صوابه وإلا فابن
سينا والرازي يطنبان في ذكر فوائد الخمر بما يأباه علم الطب الحديث ويخالف النص
قبل ذلك
وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين :"
وأيضا فان النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدر به ويقويه على العلم فيصير مثل
كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل تعين على قوة الرمي والركوب وإن لم يكن ذلك وقت
قتال وهذا مقصد حسن.
ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب في النظر
في العلوم الصادقة الدقيقة كالجبر والمقابلة وعويص الفرائض والوصايا والدور لشحذ
الذهن فانه علم صحيح في نفسه ولهذا يسمى الرياضي فان لفظ الرياضة يستعمل في ثلاثة
أنواع في رياضة الأبدان بالحركة والمشي كما يذكر ذلك الأطباء وغيرهم وفي رياضة
النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة والآداب المحمودة وفي رياضة الأذهان بمعرفة دقيق
العلم والبحث عن الأمور الغامضة.
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
قال: "إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض" أراد إذا
لهوا بعمل أن يلهوا بعمل ينفعهم في دينهم وهو الرمي وإذا لهوا بكلام لهوا بكلام
ينفعهم أيضا في عقلهم ودينهم وهو الفرائض"
ففرق ابن تيمية بين ما ثبت بالتجربة من
علومهم وبين كلامهم في الإلهيات ، وقد نص على أنهم نفوا من العلوم الصادقة أكثر
مما أثبوا
قال في الرد على المنطقيين :" وإنما
المقصود أن نعرف أن ما يفسرون به الملائكة والوحي مما يعلم بالاضطرار من دين
الرسول أنه مناقض لما جاء به فعلم أن ما يثبتونه من النبوة لا حقيقة له وان
ادعاءهم أن علم الأنبياء إنما يحصل بالقياس المنطقي وأما باتصال نفسه بالنفس
الفلكية من أبطل الكلام وذلك مما يبين فساد ما ذكروه في المنطق من حصر طرق العلم
مادة وصورة وهو المطلوب في هذا الموضع ويبين أنهم اخرجوا من العلوم الصادقة اجل
وأعظم واكبر مما أثبتوه وان ما ذكروه من الطرق إنما يفيد علوما قليلة خسيسة لا
كثيرة ولا شريفة وهذه مرتبة القوم فإنهم من أخس الناس علما وعملا وكفار اليهود
والنصارى اشرف منهم علما وعملا من وجوه كثيرة"
وهذا حال كثيرين في عصرنا والله المستعان
، بل تراه يقف عند الحقيقة الكونية وعند قوانين الكون ولا يهتدي إلى أعظم ما تدل
عليه وهو وحدة الخالق ، واستحقاقه وحده للعبادة ، بل ربما قاده جهله إلى الإلحاد
ثم إذا تكلم في مبررات إلحاده جاء بما يقوي الإيمان على وجود الله عز وجل وصدق
رسله
وأما حسن المالكي فأحسب أنه لو مر عليه ثلاثة أيام ولم يكذب فيها على السلفيين والمنتسبين للسنة فإنه يصاب باكتئاب أو لعله يمرض ، ومن شدة حنقه ذكر جابر بن حيان وابن رشد والرازي وابن سينا وزعم أن كلهم معتزلة أو شيعة ، ولا يوجد فيهم معتزلي واحد !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم