الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد رأيت من يستشكل قوله تعالى : (الْخَبِيثَاتُ
لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) بأن في واقع الناس ما يخالف هذا
وقد أتي هذا المستشكل من عجلته وعدم
قراءته لتفاسير السلف
فالآية فسرها السلف على معنيين لا
يتناقضان
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/66)
:" وَقَدْ فُسِّرَتِ الْآيَةُ بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْخَبِيثَاتِ
لِلْخَبِيثِينَ وَالْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ لَلطَّيِّبِينَ، وَفُسِّرَتْ بِأَنَّ
النِّسَاءَ الطَّيِّبَاتِ لِلرِّجَالِ الطَّيِّبِينَ، وَالنِّسَاءَ الْخَبِيثَاتِ
لِلرِّجَالِ الْخَبِيثِينَ، وَهِيَ تَعُمُّ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ، فَالْكَلِمَاتُ
وَالْأَعْمَالُ وَالنِّسَاءُ الطَّيِّبَاتُ لِمُنَاسِبِهَا مِنَ الطَّيِّبِينَ،
وَالْكَلِمَاتُ وَالْأَعْمَالُ وَالنِّسَاءُ الْخَبِيثَةُ لِمُنَاسِبِهَا مِنَ
الْخَبِيثِينَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الطَّيِّبَ
بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَجَعَلَ الْخَبِيثَ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ"
وحل الإشكال من عدة وجوه
الأول : أن الآية بمعنى التشريع أي أن من
يرضى بمقارنة الخبيثة الزانية فهو خبيث مثلها وأن من ترضى بمقارنة الخبيث الزاني
فهي خبيثة مثله ، وأن الطيب العفيف يحرص على الطيبة العفيفة والطيبة العفيفة تحرص
على الطيب العفيف
فيكون في معنى قوله ( الزانية لا ينكحها
إلا زان أو مشرك )
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (15/323)
:" قَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ
بِتَلَاعُنِهِمَا أَوْ احْتَاجَتْ إلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ أَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ
انْقِضَاءِ لِعَانِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ أَوْ خَبِيثٌ
فَاقْتِرَانُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ الْخَبِيثِ الْمَلْعُونِ
لِلطَّيِّبِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ ابْنِ حُصَيْنٍ {حَدِيثُ
الْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَةً لَهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا وَأُرْسِلَتْ؛ وَقَالَ: لَا
تَصْحَبُنَا نَاقَةٌ مَلْعُونَةٌ} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا
اجْتَازَ بِدِيَارِ ثَمُودٍ قَالَ: {لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ
الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ
فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ} فَنَهَى عَنْ
عُبُورِ دِيَارِهِمْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَكَذَا
السُّنَّةُ فِي مُقَارِنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ
وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُقَارِنَهُمْ
وَلَا يُخَالِطَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا لِظُلْمِهِمْ مَاقِتًا لَهُمْ
شَانِئًا مَا هُمْ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ"
الثاني وهو مكمل للأول : أن هذا إطلاق
أغلبي والأغلب لا مفهوم له فقوله تعالى : ( لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) ليس
معناه جواز اليسير من الربا وإنما هذا أغلبي والأغلب لا مفهوم له
وليعلم أن معظم بغاء النساء المتزوجات
يكون من نقص في أزواجهن وخبث فيهم فإما ضعف في الغيرة أو ضعف رقابة وديانة أو
يجازى بالمثل لخوضه في أعراض الناس ، وإذا كان يعلم بأمرها فهو ديوث ولا تجد
زانياً إلا وفيه ضرب من الدياثة ( وبإمكانك أن تعتبر هذا وجهاً ثالثاً )
وقد اتفق الناس على أن كون زوجة الرجل بغي
ذماً فيه ، ولهذا لم يكن في نساء الأنبياء بغي وكان في نسائهم من ليس على ملتهم ،
ولهذا تطلب أهل النفاق ثلب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وورثهم الرافضة
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/152)
:" ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الدِّيَاثَةِ، وَمَنْ
تَزَوَّجَ بَغِيًّا كَانَ دَيُّوثًا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ، وَلَا كَذَّابٌ وَلَا دَيُّوثٌ» .
قَالَ تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ
لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] أَيْ الرِّجَالُ الطَّيِّبُونَ
لِلنِّسَاءِ الطَّيِّبَاتِ، وَالرِّجَالُ الْخَبِيثُونَ لِلنِّسَاءِ الْخَبِيثَاتِ.
وَكَذَلِكَ فِي النِّسَاءِ، فَإِذَا
كَانَتْ الْمَرْأَةُ خَبِيثَةً كَانَ قَرِينُهَا خَبِيثًا، وَإِذَا كَانَ
قَرِينُهَا خَبِيثًا كَانَتْ خَبِيثَةً، وَبِهَذَا عَظُمَ الْقَوْلُ فِيمَنْ
قَذَفَ عَائِشَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْلَا مَا
عَلَى الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَيْبِ مَا حَصَلَ هَذَا التَّغْلِيظُ،
وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَلَوْ كَانَ
تَزَوُّجُ الْبَغِيِّ جَائِزًا لَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ عَمَّا يُبَاحُ،
كَيْفَ وَفِي نِسَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ هِيَ كَافِرَةٌ، كَمَا فِي أَزْوَاجِ
الْمُؤْمِنَاتِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا
لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ
عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا
عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ - وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ
لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ
وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 10 - 11] .
وَأَمَّا الْبَغَايَا فَلَيْسَ فِي
الْأَنْبِيَاءِ وَلَا الصَّالِحِينَ مَنْ تَزَوَّجَ بَغِيًّا، لِأَنَّ الْبِغَاءَ
يُفْسِدُ فِرَاشَهُ، وَلِهَذَا أُبِيحَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ
الْكِتَابِيَّةَ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، إذَا كَانَ مُحْصَنًا غَيْرَ
مُسَافِحٍ وَلَا مُتَّخِذِ خِدْنٍ، فَعُلِمَ أَنَّ تَزَوُّجَ الْكَافِرَةِ قَدْ
يَجُوزُ، وَتَزَوُّجَ الْبَغِيِّ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ ضَرَرَ دِينِهَا لَا
يَتَعَدَّى إلَيْهِ، وَأَمَّا ضَرَرُ بَغَاهَا فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ. وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ"
وفي هذه الآية عبرة حقاً فإنك تجد من يخوض
بأعراض العفيفات بالباطل في العادة تجده خبيثاً ومبتلى في عرضه
فهذا عبد الله بن أبي كان يكره فتياته على
البغاء
والرافضة فشا فيهم الزنا باسم المتعة
وقد يكون من بعض أهل الإيمان القذف سماعاً
لأهل النفاق تأثراً بإشاعاتهم ولكن سرعان ما يعودون إذا بين لهم ، وربما كان
حاملهم على ذلك الحمية غير المنضبطة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم