الأحد، 20 يوليو 2014

ليلة القدر في البلدان التي لا تغرب فيها الشمس



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال الله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء )

وقد أمر في كتابه بالاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم

وهنا مسألة هامة وهي مسألة ليلة القدر في البلدان التي لا تغرب فيها الشمس

وليعلم أولاً أن الأحكام الشرعية أحكام أغلبية وغالب البلدان فيها ليل ونهار متتابعان وهذه البلدان التي هذه صفتها أقل القليل وعامتها اكتشف في استكشافات العالم الجديد ، فلو ذكرت في النصوص بشكل واضح لاستغرب عامة العرب والعجم ولاتخذ ذلك الزنادقة طعناً في الدين ، ولكن جاء في الشريعة قواعد عامة تبين وجه التعامل مع مثل هذه الحال

وخلاصة الأبحاث في المسألة

أن الله عز وجل قال ( لا يكلف نفساً إلا وسعها )

وقال سبحانه ( فاتقوا الله ما استطعتم )

وجاء في حديث الدجال (قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»)

وهذا الحديث أصل في أنه في حال اختلاط الليل والنهار أو وجود أحدهما وانعدام الآخر أو تداخل الأزمنة أن المر يلجأ للتقدير بمعنى أنه يقسم اليوم إلى نصفين نصف يعتبره ليلاً ونصف يعتبره نهاراً

ومن الناس من يقول أنهم يقتدون بأقرب بلد إسلامي فيه ليل ونهار ، والأول أشبه بالنص

ففي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في جواب عن سؤال ورد عن تحديد صلاة وصيام من يقيم في مثل هذه البلاد ما نصه: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا ولا تطلع فيها الشمس شتاء أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلاة المفروضة بعضها عن بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال يا محمد إنها خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة إلى آخره. وثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرهن، قال: لا إلا أن تطوع.. الحديث. ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق... إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا، قال: نعم.

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له: ما لبثه في الأرض، قال: أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، فقيل يا رسول الله: اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا اقدروا له.. فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوما واحدا يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة وأمرهم أن يوزعوها بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم فيجب على المسلمين في البلاد المسؤول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل والنهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة، وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته وبطلوع فجر كل يوم منه وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعا وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. انتهى.

وهذا يحل إشكالية ليلة القدر في تلك الديار ، ولو فرضنا أن ليلة القدر لا توجد في تلك البلدان فليس معنى هذا أنهم يحرمون أجرها بل يكونون بمنزلة من عجز عن عبادة شرعية لأمر خارج عن إرادته مع تشوف نفسه لها فهذا له الأجر بالنية
قال أحمد في مسنده 12874 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، وَلَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، إِلَّا شَرَكُوكُمْ فِيهِ " قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: " حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ "

وهذا المتن في الصحيح

علماً أن هذه البلدان تغيب فيها الشمس ستة أشهر وتشرق ستة أشهر  

وما أحسن ما أجاب به بعضهم حين سئل عن هذه المسألة فقال : من عادة البشر أن يناموا في الليل ويعملوا في النهار فما يصنع هؤلاء الذين لا تغرب عندهم الشمس 

فقيل له : يقدرون لكل قدره 

فقال : فليفعلوا هذا في أمر دينهم كما فعلوه لدنياهم 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم