الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فإن دين الإسلام دين محفوظ بحفظ الله عز
وجل ، وإذا أراد عز وجل لعقيدة أو سلوك الافتضاح أوقعه بحكمته بين المسلمين فعرضوه
على الوحي وبان ما فيه من عجز وخلل ، فكثير من الأفكار الإلحادية والمنحلة وجدت
لها طريقاً بين المغضوب عليهم والضالين ، حتى إذا اغتر بها بعض الأشقياء من
المنتسبين للإسلام انبرى أهل العلم وبينوا ما فيها ما عوار بما ينتفع به بعد ذلك
أهل الكتاب أنفسهم !
ومع الأسف الشديد كثير من أبناء المسلمين
يجهل أمر دينه ويغتر بشقشقة أهل النفاق ، وبعضهم يتكلف للرد على كلامهم الإحداث في
دين الله عز وجل والله المستعان
وسبب ذلك الجهل والسطحية في الفهم
ودعني أضرب لك مثلاً في مسألة يكثر الكلام
فيها قبل الشروع في الرد على عدنان إبراهيم في مسألة الجهاد
المسألة هي مسألة ضرب الرجل لزوجته
فيأتي زنديق يقول لك : في القرآن يباح
للرجال أن يضربوا أزواجهم وهذا تحريض على العنف ضد المرأة
فيقال : هذه نظرة سطحية بحته لم يفهم فيها
حتى سياق الآية
وليعلم أولاً أن الرجل إذا عاش مع المرأة
بعلاقة شرعية أو غير شرعية فإن الطرف المتعرض للضرر الجسدي عند النزاع الجسدي هو
المرأة لما جبلت عليه من ضعف البنية ، والرجال في كل مكان في الدنيا يضربون النساء
وحتى في الدول التي يزعم أنها متحضرة إذا كان الرجل مدمناً على الكحول فإنه يكون
عنيفاً جداً والعنف هذا في العادة ينعكس على المرأة ، وكثير من النساء يسكتن
حفاظاً على الأسرة
وعوداً على الآية ولنقرأها جيداً
قال الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ
بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)
فالله عز وجل هنا يعظ الأزواج في حقوق
الزوجية ، ويبين أن المرأة إذا نشزت بمعنى أنها لا تطيع زوجها وتستخف بحقوقه ، ولا
تغفل أن الرجل قد أمهر هذه المرأة ( دفع إليها مهراً ) على أن تؤدي تجاهه حقوق
الزوجية ، فالواجب عليه والحال هذه ألا يبادر إلى الضرب وإنما يعظها أولاً ، فإن
لم تمتثل يترك كلامها ويهجرها في المضجع من غير أن يذر نكاحها ( كما قال ابن عباس )
، ثم بعد هذا كله يضربها
وما صفة هذا الضرب ؟
قال الطبري في تفسيره 9387 - حدثنا
إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء قال، قلت
لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه.
ونص جميع المفسرين على أن الضرب ينبغي ألا
يكون مبرحاً
وضع نفسك مكان هذا الرجل ، رجل تزوجت
امرأة ودفعت إليها مهراً راجياً أن تكون لك سكناً ثم تفاجأت بنشوزها واستخفافها بك
، ثم وعظت ثم هجرت _ ولم تترك النكاح _ ولم
ينفع هذا كله ثم بعد ذلك تطالب بأن تضرب ضرباً غير مبرح ثم بعد ذلك إذا طلقت تطالب
بالنفقة عليها طوال فترة العدة ، ومن فعل غير هذا فقد خالف الشرع
وعامة الرجال على وجه الأرض يضربون النساء
ضرباً مبرحاً فيما هو دون النشوز
والله عز وجل بهذه التشريعات رحم ضعف
المرأة وقد تغيظ النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يضربون نساءهم ولم يصح عنه
أنه ضرب امرأة ، ولست أمنع من الضرب إلا أن ما يفعله الناس اليوم يخالف الشرع
تماماً
ولا ننسى أن شرعنا هو الشرع الوحيد الذي
يمنع من ضرب الوجه مطلقاً ويمنع من تقبيحه بأي صورة من الصور ، وأوصى النبي صلى
الله عليه وسلم بالنساء خيراً وقال ( خيركم خيركم لأهله )
والمرأة كما أنها زوجة هي أم أيضاً يحرم
أن يقال لها ( أف ) حتى
والشريعة الوحيدة التي تبيح تعدد الزوجات
مع إيجاب العدل الشريعة الإسلامية
فمثل هذا التشريع ينبغي أن يفتتح الكلام
به أهل الإسلام على سبيل المفاخرة لا أعداء الدين ، على أن الناس اليوم تسيطر
عليهم تلك القيم المزيفة المسماة بحقوق الإنسان ويحاكمون إليها كل ما يخالفها مع
أنها هي أولى بالمخالفة بل في الواقع اليهودية المحرفة والنصرانية المحرفة أفضل
بكثير من العلمانية والديمقراطية في الحياة الاجتماعية فضلاً عن الإسلام
ولنأتي الآن إلى مسألة الجهاد والتي لا
يقل المعترضون عليها زندقة ولا سطحية عن المعترضين على ضرب المرأة ضرباً غير مبرح
إذا نشزت ولم تستمع للموعظة ولم تتجاوب مع الهجر
فالجهاد في الإسلام وسيلة لإعلاء كلمة
الله عز وجل والقضاء على الشرك ، والشرك أعظم جريمة يرتكبها بشر والمشركون مستحقون
للعقوبة في الشرع
ولو فرضنا أن قتل مائة من المسلمين ومائة
من المشركين سيكون سبباً في دخول الآلاف في الإسلام فإن ذلك يكون بمثابة قطع اليد
المجذومة ليبقى بقية الجسد سليماً ( وأعني باليد المجذومة المشركين ) على أن اليد
المجذومة أفضل بكثير من المشرك الذي يقاتل على الشرك
ثم إن الجهاد يمهد لإقامة شرع الله عز وجل
ورأس ذلك التوحيد وهذا ينتج عنه من الأمن والاستقرار ما هو معلوم من تاريخ الأمة
قال البخاري في صحيحه 3612 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
قَيْسٌ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ
الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا
قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ
فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ
وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ
لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ
لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى
حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ
وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ
وقد حصل هذا بسبب الدعوة والجهاد ، ففي
البلاد يفرض عليها سلطان التوحيد تنتهي حروب الثأر ويحل محلها القصاص العادل ،
ويعاقب قطاع الطرق عقوبات شديدة مما يؤدي إلى انحسارهم وقارن حال نجد قبل دعوة الشيخ
محمد بن عبد الوهاب وبعدها تستيقن الأمر
وأمر القتال بين الخير والشر بل بين الناس
على مطامع معينة أمر مفروغ منه ولم تخلُ منه حقبة من حقب التاريخ ، غير أن دين
الإسلام جاءت فيه الشريعة السمحة حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أخلاقيات الحرب
بما لم يكن معروفاً عند أمة من الأمم ، فنهى عن قتل النساء والذرية وعن تحريق
الشجر ( إلا في حال مخصوصة ) ، وعن التمثيل بالجثث
ثم إن عادة الناس في حروبهم الدنيوية أن
قائد الجيش أو الملك يكون له حصة الأسد من الغنائم ولا يقسم في العادة شيء للفقراء
غير أن في الإسلام كل المقاتلين لهم حق في
الغنيمة بنسبة معلومة وللفقراء والمساكين حقهم في الفيء والغنيمة
وإلى المعترضين على السبي ، ذلك الأمر
الذي فيه مصالح عظيمة وهو لا شك خيرٌ من الاغتصاب الذي يقترن في العادة مع الحروب
والفوضى بل يسبى نساء أهل الكتاب ونساء عموم المشركين ( في قول بعض أهل العلم ) وتستبرأ
المرأة بحيضة للتأكد من براءة الرحم فإن أراد سيدها أن يصيبها أصابها وتبقى في
عهدته فإن ولدت منه صارت أم ولد تعتق بموته ، وإن علمها الإسلام وأدبها ثم أعتقها
وتزوجها كان له أجران ، ومعيشتها بين المسلمين تتيح لها الفرصة لئن تسلم وتنجو
قال أحمد في مسنده 9271 - حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ
مِنْ رِجَالٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ "
والمراد بهؤلاء الأسرى الذين يأتون إلى
بلاد الإسلام بالسلاسل ثم بعد ذلك يعرفون الدين فيسلمون طوعاً إذ لو كان إسلامهم
نفاقاً لما كانوا من أهل الجنة
وهذه هي الغاية الكبرى من الجهاد القضاء
على الشرك
قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى
لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا
عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)
والفتنة الشرك بإجماع المفسرين
وقال سبحانه :( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ
مِنَ الْقَتْلِ)
أي أن الشرك أعظم من القتل فوقوع القتل
لدرء مفسدة الشرك يكون من باب درء المفسدة العظمى ( والمفسدة إنما تكون في قتل
المسلمين في الجهاد) ، وإن كانت الآية سيقت سياق الرد على المشركين في مسألة
القتال في المسجد الحرام
هذا ما لم يفهمه عدنان إبراهيم وغيره ممن
غلبتهم الانهزامية فحين أورد عليه حديث
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا
إله إلا الله ) وهو حديث متواتر تقريباً لا كما أوهم عدنان إبراهيم
فصار عدنان يتأوله بأن المقصود من قوله ب(
الناس ) الذين اعتدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوه وقال أن هذا عام أريد
به الخصوص باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة
وهذا في الواقع مغالطة فجة فنعم المشركون
منهم المعاهد ومنهم الذمي والجهاد بالسيف لا يلغي الجهاد باللسان إن قدر عليه بل
يكونان معاً كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى
اليمن
بل جهاد القتال يكون مبتدأً بالدعوة وهذه
السنة
قال البخاري في صحيحه 2942 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ
لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَقَامُوا
يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى
فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ
فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ
شَيْءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكَ
حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ
بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ
لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ
وقال مسلم في صحيحه 4542- [2-1731] حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ
سُفْيَانَ (ح) وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : أَمْلاَهُ عَلَيْنَا إِمْلاَءً (ح)
[3-...] وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ
هَاشِمٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، يَعْنِي ابْنَ
مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ ، أَوْ سَرِيَّةٍ
، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، قَاتِلُوا
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا ، وَلاَ تَغْدِرُوا ، وَلاَ
تَمْثُلُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ ، أَوْ خِلاَلٍ ،
فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ثُمَّ
ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ
عَنْهُمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ
الْمُهَاجِرِينَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا
لِلْمُهَاجِرِينَ ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ
يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا ،فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ
الْمُسْلِمِينَ ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ
إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ
الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ،
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ، وَإِذَا حَاصَرْتَ
أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ ، وَذِمَّةَ
نَبِيِّهِ ، فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ ، وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ ،
وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ ، فَإِنَّكُمْ أَنْ
تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا
ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ
فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ ، فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى
حُكْمِ اللهِ ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي
أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ، أَوْ
نَحْوَهُ.
وهذه الأحاديث تفسر حديث ( أمرت أن أقاتل
الناس ) لا أن أهل العلم مختلفين في وجوب الدعوة قبل القتال
والقبول بالجزية لا يعني التوقف عن دعوتهم
فالقبول بالجزية توقف عن جهاد السنان ولا يتوقف بها جهاد اللسان
وأما ما ذكره من أن الخبر محصور بمن اعتدى
على النبي صلى الله عليه وسلم أو بدأه بالقتال فهذا لم يقل به أحد ونسبته للمذاهب
الفقهية المشهورة كذب وفعل الصحابة الكرام
قال ابن قدامة في المغني :" ( 7437 )
مَسْأَلَةٌ وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ، وَيُقَاتَلُ مَنْ سِوَاهُمْ
مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى يُسْلِمُوا .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ ثَلَاثَةُ
أَقْسَامٍ ؛ قِسْمٌ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَمَنْ
اتَّخَذَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كِتَابًا ، كَالسَّامِرَةِ وَالْفِرِنْجِ
وَنَحْوِهِمْ ، فَهَؤُلَاءِ تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ ، وَيُقَرُّونَ عَلَى
دِينِهِمْ إذَا بَذَلُوهَا ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَقِسْمٌ
لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ ، وَهُمْ الْمَجُوسُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ
الْكِتَابِ ، فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ، وَإِقْرَارِهِمْ بِهَا ؛
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سُنُّوا بِهِمْ
سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } .
وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ
خِلَافًا فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ .
وَقِسْمٌ لَا كِتَابَ لَهُمْ ، وَلَا
شُبْهَةَ كِتَابٍ ، وَهُمْ مَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ ، مِنْ عَبَدَةِ
الْأَوْثَانِ ، وَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ ، وَسَائِرِ الْكُفَّارِ ، فَلَا
تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ سِوَى الْإِسْلَامِ .
هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدُ أَنَّ الْجِزْيَةَ
تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ ، إلَّا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛
لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ بِالِاسْتِرْقَاقِ ، فَيُقَرُّونَ
بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ ، كَالْمَجُوسِ .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهَا
تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ ، إلَّا كُفَّارَ قُرَيْشٍ ؛ لِحَدِيثِ
بُرَيْدَةَ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذِهِ ، وَهُوَ عَامٌّ ،
وَلِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ ، فَأَشْبَهُوا الْمَجُوسَ .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى : { فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ } "
على أن الصواب أن الجزية تؤخذ من جميع
الكفار لحديث بريدة السابق
ومما ينقض بنيان عدنان إبراهيم اتفاق
العلماء على وجوب قتال المسلمين الذين يتركون شعيرة من شعائر الدين الظاهرة
كالصلاة أو الزكاة ، وما حصل بين الصديق والفاروق في شأن قتال تاركي الزكاة يدل
على أنه قد كان للمسلمين مندوحة من قتالهم بمعنى أنهم لم يكونوا معتدين يزمعون
الهجوم على المسلمين
وخلاصة مذهب عدنان أن من المشركين من لا
يجاهد مع القدرة وقد بلغته الدعوة وليس معاهداً ولا ذمياً ولا مستأمناً لا من إمام
المسلمين ولا من أفرادهم
وهذا لم يقل به أحد بل إن جهاد الطلب واجب
على إمام المسلمين مع القدرة للمشركين ولا يعارض هذا أن في المشركين أهل ذمة أو
مستأمنين أو معاهدين
وحادثة صفوان بن أمية محمولة على أنه
مستأمن ويجوز للإمام المن على الأسرى بإطلاقهم تأليفاً لهم كما فعل النبي صلى الله
عليه وسلم مع ثمامة بن أثال بل ذلك يستحب فيمن يرجى إسلامه
قال الله تعالى : (فَإِذَا لَقِيتُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا
الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ
لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ
يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)
وكان يكفي عدنان أن يعلم مصدر الشبهة فإن
كان نصرانياً أو يهودياً فكتابهم المقدس فيه ذكر الجهاد للمشركين وقد جمع النصوص
في هذا صاحب كتاب ( إظهار الحق ) وهو ماتردي المعتقد
وإن كان ملحداً فالملاحدة يؤمنون
بالانتخاب الطبيعي وأن البشر حيوانات متطورة فيكون الجهاد جزءاً من معركة البقاء
للأقوى أو انتخاباً طبيعياً كالتهام الأسد للغزال وهذا أمر ضروري لسير الحياة !
وفي الحروب التي خاضها أهل الإلحاد
والعلمانية في 150 سنة الأخيرة قتل ما لم يقتل في حروب العالم على مدى ألفين عاماً
ولو شاء الله عز وجل لأهلك الكفار جميعاً
ولكنه فرض الجهاد رحمة بنا وبهم لئلا يهلكوا بعقوبته جميعاً ويكون في ذلك إمهالاً
لمن يبقى منهم على قيد الحياة
قال الله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)
وقال الله تعالى : (قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ
وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا
مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا
الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
وهذه الآيات في حكمة فرض الجهاد بل وحكمة
بقاء المشركين في هذه الحياة الدنيا وفي القرآن آيات أخر في هذا الباب
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم