الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقال عماد الدين فراج في مقاله ( عدم
جراءة الإمام أحمد على التبديع ):" وماذا لو قال أحد اليوم: «السنة تفضيل أبي
بكر وعمر، وعثمان. وعليٌ من الخلفاء».
أو قال: «من قال: أبو بكر وعمر وعثمان؛
فقد أصاب».
أو قال: «أنا لم أزل أقول: أبو بكر وعمر
وعثمان، وأسكت».
أو قال: «نقول في التفضيل: أبو بكر وعمر
وعثمان، ولا نعيب من ربع بعلي»
أو قال: «أقول: أبو بكر وعمر وعثمان،
وأسكت، وإن قال رجل: وعلي؛ لم أعنفه، ولا يعجبني هذا القول».
أو قال: «من قال: أبو بكر وعمر وعثمان
وعلي؛ أرجو أن لا يكون به بأس».
وهذه كلها أقوال لأحمد، وهي موجودة في
السنة التي نقل منها كاتب المقال.
لا شك أن من قال اليوم بهذه الأقوال، أو
ببعضها؛ فهو مبتدع ضال"
أقول : هنا يرى عماد أن هذه الكلمات
الثابتة عن أحمد من قال بها اليوم فهو مبتدع ضال ، وأحمد أصلاً يعرف الأدلة على
فضل علي فالحجة قائمة عليه أصلاً فهو مبتدع !
وهذه مأساة وإيغال في الجدل إلى حد غير
محمود ، وجرأة وغرور بلغا مبلغاً وعراً
فإن مأخذ الإمام أحمد في هذه الأقوال هو
أنه كان يذهب في التفضيل إلى حديث ابن عمر
قال البخاري في صحيحه 3697 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ
عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فالإمام أحمد اختار السكوت بعد عثمان في
أكثر الروايات عنه اتباعاً للفظ خبر ابن عمر والذي نقل فراج نصه عن أحمد واعتبره
ضلالة تستحق التبديع فنقل (أنا لم أزل أقول: أبو بكر وعمر وعثمان، وأسكت)، فليقل
هذا في ابن عمر أيضاً والله المستعان، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هذا فهل يجرؤ مسلم على وصف ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابتداع وضلال
وقد صح عن أحمد أنه ربع بعلي عند الشاميين
لما عرف من انحرافهم عن علي
فهذا مأخذ دقيق في الاتباع وليس شكاً في
فضل علي
ولا شك أن الطريقة التي سلكها المردود
عليه من قبل فراج وهو الحمادي طريقة أيضاً يظهر فيها الهوى والاجتزاء ، فإن أحمد
له روايات صحيحة في تبديع من فضل علياً على عثمان ولا تختلف الرواية عنه في تبديع
من فضل علياً على الجميع ، فكلمته المروية عنه في عدم التبديع إنما هي مخصوصة في
حال معينة ومسألة معينة
وقد تعقب بعض الناس الإمام أحمد في مسألة التربيع ولكن لم
يجعل أحد قوله محل تبديع لأن المأخذ الاتباع واضح في المسألة
والكلام هنا عن التفضيل وليس عن الخلافة
وأما الخلافة فكان أحمد يبدع من لم يقل بخلافة علي بن أبي طالب
وقال الخلال بعد أن سرد روايات أحمد في
التفضيل :" 608- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ : مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُهُ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ , وَقَدْ حَكَى الْمَرُّوذِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ , وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَاصِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ : لَسْتُ أَدْفَعُ
قَوْلَكُمْ فِي التَّرْبِيعِ بِعَلِيٍّ . وَحَكَى بَعْدَ هَذَا أَيْضًا جَمَاعَةُ
رُؤَسَاءَ أَجِلَّةٌ كِبَارٌ فِي سِنِّهِ وَقَرِيبٌ مِنْ سِنِّهِ , أَنَّهُ قَالَ :
وَمَنْ قَالَ : عَلِيٌّ , فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ , وَحَكَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ
أَبِي الْحَوَارِي أَنَّهُ قَالَ : وَعَلِيٌّ , وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدِي أَنَّهُ
لَمْ يُحِبَّ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ مَا يَتَقَلَّدُونَهُ عَنْهُ
فِي ذَلِكَ , لأَنَّهُ إِمَامُ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي زَمَانِهِ , لَمْ يُنْكِرْ
ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ , فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ إِلاَّ
التَّوَسُّطُ مِنَ الْقَوْلِ , لأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ يُغَالُونَ فِي عُثْمَانَ
كَمَا يُغَالِي أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي عَلِيٍّ , وَقَدْ كَانَ مِنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَحْوُ هَذَا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ , قَالَ : فِي
أَيِّ شَيْءٍ هُمْ مُشْتَهَرُونَ بِهِ ؟ قِيلَ : فِي النَّبِيذِ وَفِي عَلِيٍّ , فَلَمْ
يُحَدِّثْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ . فَالْعُلَمَاءُ
لَهَا بَصِيرَةٌ فِي الأَشْيَاءِ , وَتَخْتَارُ مَا تَرَاهُ صَوَابًا لِلْعَامَّةِ
, وَكُلُّ هَذَا الْقَوْلِ صَحِيحٌ جَيِّدٌ . وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ , وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ , فَفِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا كَنَحْوِ
الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , يُكَرَّرُ عَنْهُ , مَرَّةً يَقُولُونَ :
وَعُثْمَانُ , وَحَكَى عَنْهُ مَرَّةً يَقُولُونَ : عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ , وَكُلُّ
هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا قَالُوا . وَالَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ : مَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَقَدْ أَصَابَ , وَهُوَ الَّذِي الْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي
رِوَايَةِ الأَحَادِيثِ وَالاِتِّبَاعِ لَهَا , وَمَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَحِيحٌ جَيِّدٌ لاَ
بَأْسَ بِهِ"
والعبارة الأولى التي نقلها :" السنة
تفضيل أبي بكر وعمر، وعثمان. وعليٌ من الخلفاء" لا أدري ما وجه ذكرها في محل النقد
وبما أنني ذكرت عماد فراج فأود التنبيه
إلى ما صرح به في بعض مقالاته من أن بعض الكبائر شر من بعض البدع وضرب لذلك مثلاً
بالزنا وزخرفة المساجد فقال أن الزنا أشد من زخرفة المساجد( بلا شك )
وهذا باطل لم يقل به أحد من السلف وهو
شعبة من الرأي
فإن العلة التي من أجلها صارت البدعة أعظم
من المعصية موجودة في زخرفة المساجد وهي
1_أن البدعة تشريع مع الله
2_ أنها اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم
يكمل الرسالة
3_ أنها لا يتاب منها والمعصية يتاب منها
قال ابن وضاح في البدع ص43نا أسد قال نا
محمد بن الفضيل عن أبي بكر بن عياش قال كان عندنا فتى يقاتل ويشرب وذكر أشياء من
الفسق ثم أنه تقرأ فدخل في التشيع فسمعت حبيب بن أبي ثابت وهو يقول لأنت يوم كنت
تقاتل وتفعل ما تفعل خير منك اليوم.
وهذا إسناد جيد وحبيب بن أبي ثابت تابعي
جليل
وهذا الماجن قد ذكر عنه بعض أكبر الكبائر
كالقتل وشرب الخمر ، وأما البدعة التي دخل فيها فهي التشيع ، والتشيع الذي لم يصل
إلى الرفض ( وهو الغالب على حال ذلك العصر ) من أخف البدع وقد اتفقوا على أنه لا
يصل إلى الكفر وقد وقع فيه كثيرون ، ومع هذا كله قال له حبيب بن أبي ثابت ما قال
قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/322)
:" وقال مالك بن مغول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل السنة قلت :
يريد أن البدعة من الكبائر وأنها أكبر من كبائر أهل السنة فكبائر أهل السنة صغائر
بالنسبة إلى البدع وهذا معنى قول بعض السلف "
وقال أبو بكر الزبيري في فوائده 64 - قَالَ:
وَسَمِعْتُ الرَّبِيعَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لأَنْ يَلْقَى
اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ خَلا الشِّرْكِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ
بِشَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ
ولهذا الخبر طرق عديدة عن الشافعي وهو
صحيح وهو في معنى أثر حبيب السابق ، وكذا آثار السلف في هذا الباب كلها على نسق
واحد لا يتخلف منها شيء
وأما كلمة ابن تيمية التي يعتمدها في الإستقامة (1/455) : " وجنس
البدع وإن كان شرا لكن الفجور شر من وجه آخر وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور
شرا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض لكن مقرونا بأعتقاده لتحريمه وتلك حسنة في
أصل الاعتقاد وأما المبتدع فلا بد ان تشتمل بدعته على حق وباطل لكن يعتقد ان
باطلها حق أيضا ففيه من الحسن ما ليس في الفجور ومن السئ ما ليس في الفجور وكذلك بالعكس".
قلت : فهذه الكلمة لا تدل على مقصوده بشيء
وذلك أن الشيخ قال : " لكن الفجور شر من
وجه آخر " فخص ذلك في وجه معين فقط ، ومفهومه أن البدع أشر من وجه آخر وقد سبق
بيانه وأن الغلبة له، والوجه الذي ذكره ابن تيمية يشمل جميع البدع حتى الاعتقادية
والتي يتفق معنا هؤلاء بأنها أعظم من جميع الكبائر.
فالقول بالقدر قد يقول به المرء وهو يعتقد
أنه ينزه الله عن الظلم ، وكذا بدعة التشيع ربما فيها موالاة أهل البيت وكذا بدعة التغبير ربما ظن فيها تتويب الناس وغيرها من البدع ،
والنظر إلى محرم يفعله الإنسان وهو يعلم أنه محرم ، فلو طردنا كلمة ابن تيمية في
فهم هؤلاء لكانت الصغيرة التي يعلم المرء أنها معصية ( كالنظر إلى امرأة لا تحل نظرة عابرة ) شر من بدعة التغبير
وأرجو ألا تكون هذه النصيحة حافزاً إلى
النظر إلى الإمام أحمد بسخط وتتبع مسائله والمنقول عنه للظفر بأغلاط تبرر الجرأة
المنتقدة فإن هذه الطريقة ممجوجة وبعيدة عن العلم وعن تقوى الله عز وجل
وأيضاً ليراجع كلامه السيء حول قصة
الغرانيق في تعليقه على مواضع من السيرة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم