الثلاثاء، 3 يونيو 2014

لم يكن يسبهم مع شدته عليهم ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن أئمة الهدى الذين ما فارقوا الدنيا حتى ملؤوها علماً ونوراً سفيان بن سعيد الثوري _ رحمه الله _ الذي كان له نصيب من قوله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) فهذه في النبي صلى الله عليه وسلم وكل من تبعه له نصيب من ذلك كما نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ، وكان إماماَ في باب التعامل مع أئمة الجور إذ كان يصدع بالحق أمامهم ، ولا يدعو إلى فتنة

قال المروذي في أخبار الشيوخ ص20 سَمِعْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ : قَدْ فَعَلَ سُفْيَانُ فِعْلا صَارَ فِيهِ قُدْوَةً، هَرَبَهُ مِنَ السُّلْطَانِ.


وقال المروذي في أخبار الشيوخ وَرُوِيَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّ سُفْيَانَ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ : لَمْ تُدْرِكُوا نَبِيَّكُمْ، أَلَيْسَ قَدْ أَدْرَكْتُمْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ !.


وإليك بعضاً من أخباره في هذا الباب

قال المروذي في أخبار الشيوخ 16 وَسَمِعْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الضَّبِّيُّ، عَنْ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، قَالَ : رَأَيْتُ سُفْيَانَ بِمَكَّةَ مَعَهُ شَيْخٌ، فَقَالَ لِي : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِصَاحِبِنَا هَذَا.
قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُمَّ غَفْرًا، أَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ وَأُعَزِّيهِ عَلَى ابْنِهِ مَاتَ، وَأَنْتَ لا تُسَلِّمُ عَلَيْهِ !! قَالَ : اللَّهُمَّ غَفْرًا.
فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ وَعَزَّيْتُهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْ سُفْيَانُ وَلَمْ يُعَزِّ، إِلا أَنَّهُ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، قَدْ وُعِظْتَ بِابْنِكَ إِنِ اتَّعَظْتَ، مَا لَكَ وَمَالِ صَاحِبِنَا هَذَا، قَالَ : إِنَّمَا أَرَدْتُ أُوَلِّيهِ الْقَضَاءَ، قَالَ : لا حَاجَةَ لَهُ بِهِ، قَالَ : قَدْ أَعْفَيْنَاهُ.

وقال أيضاً : 23 سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عِيسَى الْمَرْوَزِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ سُفْيَانَ، قَالَ : أَرَادَ السَّكَنُ أَنْ يَحُجَّ، فَقَالَ لابْنِ الْمُبَارَكِ : أُحِبُّ أَنْ تَكْتُبَ لِي إِلَى فُلانٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَكْتُبُ لَكَ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَلَمَّا خَرَجَ كَتَبَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى سُفْيَانَ، فَقَدِمَ عَلَى سُفْيَانَ فَانْتَفَعَ بِهِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْمُنْصَرَفِ أَرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ سُفْيَانَ، قَالَ سُفْيَانُ : أَقْرِئْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلامَ، وَقُلْ لَهُ : احْفَظْ وَصِيَّتِي، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ

يعني لا تقرب السلطان

وقال أيضاً 33 وَسَمِعْتُ حَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْمَيْمُونِيَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ : أَخْبَرَنِي نَضْرُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقَالَ : لَوْ أَتَيْتَ السُّلْطَانَ فَأَصَبْتَ مِنْ دَنَانِيرِهِمْ، فَقَالَ لَهُ : كَمَا أَنْتَ حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لا أُكَلِّمَكَ حَوْلا.
حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ حُورِ الْعِينِ لَتَتَحَوَّلُ عَنْ مَجْلِسِهَا، فَلا يَبْقَى مَوْضِعٌ إِلا أَضَاءَ مِنْ تَحْوِيلِهَا، أَفَتَأْمُرُنِي أَنْ أَبِيعَ هَذَا الْعَرَضَ مِنَ الدُّنْيَا؟ ! ثُمَّ لا أُكَلِّمُكَ حَوْلا.

وقال أيضاً ص20 : وَسَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ غَيْلانَ يَقُولُ : سَلَّمْتُ عَلَى مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَقُلْتُ : مَا حَالِي؟ فَقَالَ الْفَزَارِيُّ الشَّيْخُ الْمَخْضُوبُ إِلَى جَانِبِهِ يُصَلِّي : تَدْرِي مَا قَالَ سُفْيَانُ؟ قَالَ : كَانَ إِذَا بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلا أَتَى السُّلْطَانَ، أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَإِنْ قَبِلَ وَإِلا هَجَرَهُ.

وقال أيضاً وَحُدِّثْتُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو شِهَابٍ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ لِرَجُلٍ : إِنْ دَعَاكَ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِ  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ { 1 } اللَّهُ الصَّمَدُ { 2 }ق فَلا تَأْتِهِمْ، قُلْتُ لأَبِي شِهَابٍ : مَنْ يَعْنِي؟ قَالَ : السُّلْطَانَ.
وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ : قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : إِنْ دَعَاكَ الأَمِيرُ تَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلا تَأْتِهِ.

وقال المروذي أيضاً وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ سُفْيَانُ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ، يَعْنِي الْخَلِيفَةَ، فَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي : ارْفَعْ إِلَيْنَا حَوَائِجَكَ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : مَلأْتَ الأَرْضَ ظُلْمًا وَجَوْرًا، فَاتَّقِ اللَّهَ.


وقال أيضاً وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الرِّفَاعِيَّ بِالْكُوفَةِ، يَقُولُ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ دَخَلَ سُفْيَانُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الْزَمْنَا، فَوَاللَّهِ لأَسِيرَنَّ بِسِيرَةِ الْعُمَرَيْنِ، فَقَالَ : أَمَّا وَهَؤُلاءِ جُلَسَاؤُكَ فَلا، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ : لا نَفْعَلُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ كُتُبَكَ تَأْتِينَا فَنُنْفِذُهَا، فَقَالَ : مَا كَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابًا قَطُّ.
وَسَمِعْتُ عَبَّاسًا النَّرْسِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ : جَاءَ كِتَابُ الْمَهْدِيِّ إِلَى سُفْيَانَ، فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ وَيَبْدَأَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : لا تَفْعَلْ، نَحْنُ نَكْتَبُ، قَالَ : فَكَتَبْنَا كِتَابًا.
قَالَ : وَدَخَلَ عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي الْقَصْرِ الَّذِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، فَلَمْ يُسَلِّمْ بِالإِمْرَةِ، فَذَكَرَ كَلِمَةً، فَقَالَ سُفْيَانُ : إِنَّ عُمَرَ أَنْفَقَ فِي حُجَّتِهِ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا، فَاتَّقِ اللَّهَ، قَالَ : لا يَدَعُنِي هَؤُلاءِ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : اهْرُبْ، قَالَ : فَقَالَ الْمَهْدِيُّ لأَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ : أَلَيْسَ تُكَاتِبُهُ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ : مَا كَتَبْتُ إِلَى هَذَا قَطُّ، وَلا كَتَبَ إِلَيَّ.

أقول : هذه بعض أخباره معهم وقد أوردها المروذي صاحب أحمد على جهة الاستحسان ونقل استحسان علماء عصره لهذا ، وكذا نقل طرفاً منها على هذا الوجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل

هذا والحكام في عصره كانوا يحكمون بما أنزل الله في الجملة مع جور وظلم ظاهرين ، فكيف بمن يحكم القانون الوضعي ، فكيف بمن يدخل في مجالس يسمونها ( تشريعية ) يشرع فيها المخلوق مع رب العالمين بل ويصير صوته حكماً على شريعة الله والله المستعان

وهذه الآثار تطيب لفئة من الناس لكونها توافق هوى لهم وإليك ما قد لا يروق لهذه الفئة

قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ص53 : نا صالح بن أحمد نا علي بن المديني قال سمعت عبد الرحمن يعني بن مهدي قال ما سمعت سفيان يسب أحداً من السلطان قط في شدته عليهم

وهذا إسناد صحيح ، وهذا أبلغ في بيان أن إنكاره عليهم أو هروبه منهم ليس من داعي حسد أو سعي في فتنة وإنما هو بغض للمنكر وأهله

قال ابن أبي شيبة في المصنف 38464- حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ طَاوُوسٍ ، قَالَ : ذَكَرْت الأُمَرَاءَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَابْتَرَكَ فِيهِمْ رَجُلٌ فَتَطَاوَلَ حَتَّى مَا أَرَى فِي الْبَيْتِ أَطْوَلَ مِنْهُ ، فَسَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : لاَ تَجْعَلْ نَفْسَك فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، فَتَقَاصَرَ حَتَّى مَا أَرَى فِي الْبَيْتِ أَقْصَرَ مِنْهُ.

وهذا ثابت عن ابن عباس

وهذا النهج الوسط حقاً ضيعه فريقان من الناس فريق يبالغ ويطري ويظهر المحبة لقوم فساق بل بعضهم أشد من ذلك ، وقوم شغلهم الشاغل الحط على الحكام لغرض الوصول إلى السلطة ، وكثير منهم يتملق الجماهير لكي يجتمعوا حوله فيترك التنبيه على كثير من البلايا العقدية المنتشرة في الناس مع كونه يقتنص الفرصة للكلام في أي نازلة خصوصاً إذا كان في ذلك دعم لحزبه وحط على القوم الآخرين المنافسين لهم في الحكم

وكلا الفريقين يحشد من النصوص والآثار ما يؤيد مسلكه ، ولا شك أن الساعي في أمر الدماء خطره عظيم على الدنيا والدين ، غير أن من قابل بدعة ببدعة ربما يصل به الأمر إلى إرجاء
عظيم كدعوة بعضهم إلى عدم تكفير العلمانيين والنصيرية وغيرها من البلايا والله المستعان
وبين هذين الفريقين تضيع أعمار وجهود وتتولد أهواء كثيرة والله الهادي إلى سواء السبيل
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم