الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال السيوطي في الحبائك في أخبار الملائك :"
قال القرافي: ومن اعتقد في هاروت وماروت أنهما بأرض الهند يعذبان على خطيئتهما مع
الزهرة فهو كافر، بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم تنزيههم عن كل ما
يخل بعظيم قدرهم، ومن لم يفعل ذلك وجب إراقة دمه"
هذا الذي يكفر به القرافي هو عقيدة
الصحابة الكرام وعامة التابعين وأتباع التابعين
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 1004 - حدثنا
أبي ، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله يعني ابن عمر ، عن زيد بن أبي
أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، ويونس بن خباب ، عن مجاهد ، قال : كنت نازلا على عبد
الله بن عمر في سفر ، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه : « انظر طلعت الحمراء لا
مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله ، هي صاحبة الملكين ، قالت الملائكة : رب كيف
تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون (1) الدم الحرام ، وينتهكون (2) محارمك ، ويفسدون في
الأرض ؟ قال : إني قد ابتليتهم فلعلي إن
ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون ، قالوا : لا ، قال : فاختاروا
من خياركم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت ، فقال لهما : إني مهبطكما إلى الأرض
وعاهد إليكما أن لا تشركا ولا تزنيا ، ولا تخونا ، فأهبطا إلى الأرض ، وألقى
عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة ، فتعرضت لهما ، فأراداها على
نفسها ، فقالت : إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله ، قالا :
وما دينك ؟ قالت : المجوسية ، قالا : الشرك هذا شيء لا نقر به ، فمكث عنهما ما شاء
الله ، ثم تعرضت لهما ، فأراداها عن نفسها ، فقالت : ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا
أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما لي بديني ، وشرطتما لي أن تصعدا بي
إلى السماء فعلت ، فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ، ثم صعدا بها إلى السماء
، فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما ، وقطعت أجنحتها فوقعا خائفين نادمين
يبكيان ، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين ، فإذا كان يوم الجمعة أجيب ، فقالا : لو
أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة ، فأتياه فقال : رحمكما الله كيف يطلب أهل
الأرض لأهل السماء ؟ قالا : إنا ابتلينا ، قال : ائتياني في يوم الجمعة ، فأتياه
فقال : ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية ، فأتياه فقال : اختارا فقد
خيرتما إن أحببتما معاقبة الدنيا وعذاب الآخرة ، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما
يوم القيامة على حكم الله ، فقال أحدهما : الدنيا لم يمض منها إلا قليل ، وقال
الآخر : ويحك إني قد أطعتك في الأمر الأول
فأطعني الآن ، إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى ، وإننا يوم القيامة على حكم الله ،
فأخاف أن يعذبنا ، قال : لا ، إني لأرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا
مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا ، قال : فاختاروا عذاب الدنيا ، فجعلا في
بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليهما سافلهما »
وهذا إسناد قوي إلى ابن عمر
قال ابن حجر في المطالب العالية 3615 - قال
إسحاق : أنا جرير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عمير بن سعيد قال : سمعت عليا ،
يخبر القوم أن هذه الزهرة ، تسميها العرب الزهرة وتسميها العجم أناهيد ، فكان
الملكان يحكمان بين الناس ، فأتتهما كل واحد منهما من غير علم صاحبه
فقال أحدهما لصاحبه : يا أخي إن في نفسي بعض
الأمر أريد أن أذكره لك ؟
قال : اذكره يا أخي ، لعل الذي في نفسي مثل الذي
في نفسك ، فاتفقا على أمر في ذلك
فقالت لهما : لا حتى تخبراني بما تصعدان به إلى
السماء ، وبما تهبطان به إلى الأرض قالا : باسم الله الأعظم نهبط ، وبه نصعد
فقالت : ما أنا بمؤاتيتكما الذي تريدان حتى
تعلمانيه . فقال أحدهما لصاحبه : علمها إياه .
فقال : كيف لنا بشدة عذاب الله ؟
فقال الآخر : إنا نرجو سعة رحمة الله . فعلمها
إياه ، فتكلمت به فطارت إلى السماء ، ففزع ملك لصعودها ، فطأطأ رأسه ، فلم يجلس
بعد
ومسخها الله فكانت كوكبا في السماء.
وهذا إسناد صحيح ، ولا شك أن له حكم الرفع فعلي
لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل (على قول من يرد آثار الصحابة بهذه الدعوى)، ثم إنه
في سبب نزول آية، وقول الصحابي في التفسير وفي سبب النزول له حكم الرفع.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 1005 - حدثنا
أبي ، ثنا مسلم ، ثنا القاسم بن الفضل الحداني ، ثنا يزيد يعني الفارسي ، عن ابن
عباس قال : « إن أهل السماء الدنيا أشرفوا
على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي ، فقالوا : يا رب ، أهل الأرض يعملون
بالمعاصي ، فقال الله تعالى : » أنتم معي ، وهم غيب عني « ، فقيل لهم : » اختاروا
منكم ثلاثة « ، فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض على أن يحكموا بين
أهل الأرض ، وجعل فيهم شهوة الآدميين ، فأمروا أن لا يشربوا خمرا ، ولا يقتلوا
النفس ولا يزنوا ولا يسجدوا لوثن ، فاستقال منهم واحد فأقيل ، فأهبط اثنان إلى
الأرض فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها مناهيد ، فهوياها جميعا ، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها
، فقالت : لا حتى تشربا خمري ، وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني ، فقالا : لا نسجد ،
ثم شربا الخمر ، ثم قتلا ، ثم سجدا ، فأشرف أهل السماء عليهما ، وقالت لهما : أخبراني
بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما ، فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة ،
وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ،
فاختاروا عذاب الدنيا ، فهما مناطان بين السماء والأرض »
وهذا إسناد قوي إلى ابن عباس
فهؤلاء الصحابة الثلاثة ينسبان الملكين
إلى ارتكاب المعصية وذلك أن الله أودع فيهما الشهوة ونزع منهما عصمة الملائكة ،
وابن عمر وابن عباس يقولان بأنهما يعذبان وبعض النظر عن تحديد مكان فقد وقع هؤلاء
الثلاثة فيما حذر منه القرافي الأشعري الجهمي من اعتباره نسبة هذا للملكين
انتقاصاً لهما يوجب الكفر
وهذا من حماقات القوم كتكفير ابن العربي
لمن يقول بأن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار ، وكتكفير كثير من علماء
الماتردية لمن يقول برؤية الله عز وجل في المنام
وقد نقل السيوطي في كتابه الحبائك :"
وقال البلقيني في منهج الأصوليين: العصمة واجبة لصفة النبوة والملائكية وجائزة
لغيرهما، ومن وجبت له العصمة فلا يقع منه كبيرة ولا صغيرة ولذلك نعتقد عصمة
الملائكة المرسلين منهم وغير المرسلين قال الله تعالى: (لا يَعصِونَ اللَهَ ما
أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ) والايات في هذه المعنى كثيرة وإبليس لم يكن
من الملائكة وإنما كان من الجن ففسق عن أمر ربه، وأما هاروت وماروت فلم يصح فيهما
خبر. انتهى. وفي كتاب الجامع من المحلى لابن حزم: أن هاروت وماروت من الجن وليسا
ملكين قلت: فإن صح هذا لم يحتج إلى الجواب عن قصتهما كما أن إبليس لم يكن من الملائكة،
وإنما كان بينهم وهو من الجن ثم رأيت في عقيدة الإمام أبي منصور الماتريدي - وهو
إمام الحنفية في الإعتقاديات كما ان الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام الشافعية في ذلك
- مانصه: ثم إن الملائكة كلهم معصومون خلقوا للطاعة إلا هاروت وماروت. هذا لفظه،
وهذه العقيدة شرحها القاضي تاج الدين السبكي يشرح في مجلد لطيف سماه " السيف
المشهور عن شرح عقيدة الإمام أبي منصور "
قول البلقيني أن قصة هاروت وماروت لا تصح
مجازفة لا تستغرب من أشعري فقد صح عن الصحابة الذين ذكرتهم وصحح القصة عن عدد من
الصحابة تلميذه ابن حجر في العجاب وأما قول ابن حزم فهو ضحكة تليق برجل في مستواه
العقلي وولعه بالشذوذ
وقد رد تلميذه ابن حجر عليه
قال السيوطي في الحبائك :" لهذه القصة طرق أخرى كثيرة جمعها الحافظ ابن حجر في جزء مفرد، وقال في كتابه) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد (: إن الواقف عليه يكاد يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها وقد وقفت على الجزء الذى جمعه فوجدته أورد فيه بضعة عشر طريقا، وقد جمعت أنا طرقها في التفسير فبلغت نيفا وعشرين طريقا"
وقد رد تلميذه ابن حجر عليه
قال السيوطي في الحبائك :" لهذه القصة طرق أخرى كثيرة جمعها الحافظ ابن حجر في جزء مفرد، وقال في كتابه) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد (: إن الواقف عليه يكاد يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها وقد وقفت على الجزء الذى جمعه فوجدته أورد فيه بضعة عشر طريقا، وقد جمعت أنا طرقها في التفسير فبلغت نيفا وعشرين طريقا"
وأما كون إبليس من الملائكة فصح عن ابن
عباس وابن مسعود وهو قول جهمور المفسرين من السلف
قال البغوي في تفسيره :" سَجَدُوا
يعني: الملائكة، إِلَّا إِبْلِيسَ، وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعربية الحارث،
فلما عصى [4] غير اسمه وصورته، فقيل [له ] [5]: إبليس لأنه أبلس من رحمة اللّه
تعالى، أي: يئس [منها] [6].
واختلفوا فيه، فقال ابن عباس وأكثر
المفسّرين: كان إبليس من الملائكة، وقال الحسن: كان من الجن ولم يكن من الملائكة
لقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:
50]، فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من
النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع
الملائكة، وقوله: كانَ مِنَ الْجِنِّ، أي: من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في
الجنة، وقال قوم: من الملائكة الذين [كانوا] [7] يصوغون حلّي أهل الجنة، وقيل: إن
فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جنا لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم،
والدليل عليه قوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات:
158]، وهو قولهم:
الملائكة بنات اللّه، ولّما أخرجه اللّه
من الملائكة جعل له ذرية، قوله: أَبى أي: امتنع فلم يسجد، وَاسْتَكْبَرَ، أي: تكبّر
عن السجود لآدم، وَكانَ أي: وصار مِنَ الْكافِرِينَ"
وهذا الذي رجحه البغوي رجحه الطبري أيضاً
والسيوطي قد أقر الشطط الذي في كلام أصحابه والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم