الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فهذا تذييل على بحثي ( الترجيح بين أقوال
المعدلين والمجرحين لأبي حنيفة )
عرضت فيه لبعض ما ورد في ترجمة أبي حنيفة
في تهذيب الكمال فقد رأيت من يعول عليها ، خصوصاً وأنها اقتصرت على المدح فقط وإن
كان مكذوباً وتجنبت الذم وإن روي بأصح الأسانيد ، والمنتظر ممن يقرأ هذه الترجمة
أن يذهب ويصحح الأحاديث التي رواها أبو حنيفة مع تضعيف عامة المحدثين له فهل هذا
نصح للأمة ؟
وإذا اقتضت المصلحة السكوت عن قول كلمة
الحق فهل يجوز التكلم بالباطل ؟
1_قال المزي في تهذيب الكمال :" وَقَال
مُحَمَّد بن سعد العوفي : سمعت يَحْيَى بن
مَعِين يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث
بما لا يحفظ.
وَقَال صالح بن مُحَمَّد الأسدي الحافظ: سمعت
يَحْيَى بن مَعِين يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة ثقة فِي الحديث.
وَقَال أحمد بْن مُحَمَّد بْن القاسم بن
محرز ، عن يحيى ابن مَعِين: كَانَ أَبُو
حنيفة لا بأس بِهِ.
وَقَال مرة : كَانَ أَبُو حنيفة عندنا من أهل الصدق، ولم
يتهم بالكذب، ولقد ضربه ابن هبيرة عَلَى القضاء فأبى أن يكون قاضيا"
والجواب على هذا من عدة أوجه
أولها : أن غاية هذا لو ثبت عن ابن معين
أنه تعديل مجمل لا يصلح لمعارضة الجروح المفسرة والتي منها جرح صاحبه الأعلم منه
اتفاقاً أحمد ابن حنبل الذي قال (( أبو حنيفة يكذب )) رواه العقيلي بسند صحيح عنه
وجروح كل من جرحه وتكلم في حفظه وهم عدد
هائل
ثانيها : أنه قد صح عن ابن معين أنه قال
عن أبي حنيفة ( كان جهمياً ) وهذا في تاريخ بغداد الذي نقل عنه المزي معظم
الروايات السابقة
قال الخطيب في تاريخه (15/ 573) : أَخْبَرَنَا
العتيقي، قَالَ: حَدَّثَنَا تمام بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الرَّازِيّ بدمشق،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الميمون عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الله البَجَلِيّ،
قَالَ: سَمِعْتُ نصر بن مُحَمَّد البَغْدَادِيّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن معين،
يَقُولُ: كَانَ مُحَمَّد بن الحَسَن كذابا وَكَانَ جهميا، وَكَانَ أَبُو حنيفة
جهميا ولم يكن كذابا.
وهذا إسناد صحيح نصر اسمه ( مضر ) تصحف
كما نبه عليه المعلمي
ثالثها : أنه قد صح عن ابن معين من طرق
وصف الشيباني بأنه كذاب وفي بعض الأماكن متروك
رابعها : هذه الروايات كلها ضعيفة فابن
محرز لم يوثقه معتبر ورواية العوفي ضعيفة
خامسها : أنه قد صح عن ابن معين ما يعارض
هذا
قال عبد الله بن أحمد رحمه الله في «السنة»
(ج1 ص226):
حدثني أبو الفضل حدثني يحيى بن معين قال: كان
أبو حنيفة مرجئاً، وكان من الدعاة ولم يكن في الحديث بشيء وصاحبه أبو يوسف ليس به
بأس.
* قال العقيلي رحمه الله (ج4 ص285):
حدثنا محمد بن عثمان قال سمعت يحيى بن
معين وسئل عن أبي حنيفة فقال: كان يضعف في الحديث.
* قال ابن عدي رحمه الله (ج7 ص2473):
ثنا علي بن أحمد بن سليمان ثنا ابن أبي
مريم قال سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة؟ قال: لا يكتب حديثه. اهـ.
وهذه النقولات ثابتة وهي أشبه بكلام غيره
من المحدثين
2_ قال المزي في تهذيب الكمال :" ابن
أَحْمَدَ بْن الْحَسَن الصواف، قال: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّد المروزي،
قال: حَدَّثَنَا حامد بن آدم، قال: حَدَّثَنَا أَبُو وهب مُحَمَّد ابن مزاحم، قال:
سمعت عَبد اللَّهِ بن المبارك يَقُولُ: لولا أن الله
عزوجل أغاثني بأبي حنيفة، وسفيان كنت
كسائر الناس"
هذه الرواية الله أعلم بصحتها وابن
المبارك أدرك الحمادين وابن عيينة وتلاميذ الزهري وجمع علماً عظيماً
وقد صح عنه من طرق كثيرة ذم أبي حنيفة
وقد نص الخطيب على أن ما ساقه من مدح أبي
حنيفة عن ابن المبارك وغيره لا يصح وإنما يصح خلافه
قال الخطيب: "قد سقنا عن أيوب
السختياني، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم من الأئمة؛
أخباراً كثيرة تتضمن تقريظ أبي حنيفة، والمدح له، والثناء عليه. والمحفوظ عند نقلة
الحديث عن الأئمة المتقدمين - وهؤلاء المذكورون منهم - في أبي حنيفة خلاف ذلك،
وكلامهم فيه كثير؛ لأمور شنيعة حفظت عليه؛ متعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها
بالفروع؛ نحن ذاكروها بمشيئة الله .. أخبرني محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أبو
بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي، قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن علي
بن مسلم الأبار في شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانين ومائتين، قال: ذكر القوم
الذين ردوا على أبي حنيفة: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد
بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو عوانة، وعبدالوارث، وسوار العنبري القاضي، ويزيد بن
زريع، وعلي بن عاصم، ومالك بن أنس، وجعفر بن محمد، وعمر بن قيس، وأبو عبدالرحمن
المقرئ، وسعيد بن عبدالعزيز، والأوزاعي، وعبدالله بن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري،
ويوسف بن أسباط، ومحمد بن جابر، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن أبي
سليمان، وابن أبي ليلى، وحفص بن غياث، وأبو بكر بن عياش، وشريك بن عبدالله، ووكيع
بن الجراح، ورقبة بن مصقلة، والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن أرطاة،
ومالك بن مغول، والقاسم بن حبيب، وابن شبرمة"اهـ (تاريخ بغداد 15/502(
قال عبد الله بن أحمد في السنة 185 - حدثني
أبو الفضل الخراساني ، حدثني إبراهيم بن شماس السمرقندي ، قال قال رجل لابن
المبارك ونحن عنده « إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف » ، فلم ينكر عليه ذلك ابن
المبارك
وقال أيضاً 194 - حدثني عبدة بن عبد
الرحيم ، من أهل مرو قال دخلنا على عبد العزيز بن أبي رزمة نعوده أنا وأحمد بن
شبويه وعلي بن يونس فقال لي عبد العزيز : يا أبا سعيد ، عندي سر كنت أطويه عنكم
فأخبركم ، وأخرج بيده عن فراشه فقال سمعت ابن المبارك يقول : سمعت الأوزاعي يقول :
« احتملنا عن أبي حنيفة كذا وعقد بأصبعه ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثانية ،
واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثالثة العيوب حتى جاء السيف على أمة محمد صلى الله
عليه وسلم فلما جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم نقدر أن نحتمله »
وقال أيضاً 292 - حدثني عبدة بن عبد
الرحيم مروزي شيخ صالح أنا سلمة بن سليمان ، قال : دخل حمزة البزار على ابن
المبارك فقال : يا أبا عبد الرحمن لقد بلغني من بصر أبي حنيفة في الحديث واجتهاده
في العبادة حتى لا أدري من كان يدانيه فقال ابن المبارك : أما ما قلت بصر بالحديث
فما لذلك بخليق لقد كنت آتيه سرا من سفيان وإن أصحابي كانوا ليلومونني على إتيانه
ويقولون أصاب كتب محمد بن جعفر فرواها ، وأما ما قلت من اجتهاده في العبادة فما
كان بخليق لذلك لقد كان يصبح نشيطا في المسائل ويكون ذلك دأبه حتى ربما فاتته
القائلة (1) ثم يمسي وهو نشيط وصاحب العبادة والسهر يصبح وله فترة
وقال أيضاً 293 - حدثني عبدة بن عبد
الرحيم ، قال : سمعت معاذ بن خالد بن شقيق ابن عم ، علي بن الحسن بن شقيق يقول : قدمت
من الحج فأدركت ابن المبارك بالعراق فسألته فقلت : يا أبا عبد الرحمن فضل معي من
نفقة الحج شيء ترى إلى أن أكتب برأي أبي حنيفة ؟ فقال : « لا » ، فقلت : لم ؟ قال :
« لأنه عقل رجل ليس بذاك »
وقال أيضاً 294 - حدثني أبو الفضل
الخراساني ، ثنا إبراهيم بن شماس السمرقندي ، ثنا عبد الله بن المبارك ، بالثغر عن
أبي حنيفة ، قال : فقام إليه رجل يكنى أبا خداش ، فقال : يا أبا عبد الرحمن لا ترو
لنا عن أبي حنيفة ، فإنه كان مرجئا فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك ، وكان بعد إذا
جاء الحديث عن أبي حنيفة ورأيه ضرب عليه ابن المبارك من كتبه وترك الرواية عنه ،
وذلك آخر ما قرأ على الناس بالثغر ، ثم انصرف ومات ، قال : وكنت في السفينة معه
لما انصرف من الثغر (1) ، وكان يحدثنا فمر على شيء من حديث أبي حنيفة ، فقال لنا :
اضربوا على حديث أبي حنيفة فإني قد خرجت على حديثه ورأيه ، قال : ومات ابن المبارك
في منصرفه من ذلك الثغر ، قال : وقال رجل لابن المبارك ونحن عنده : إن أبا حنيفة
كان مرجئا يرى السيف فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك
وقال أيضاً 295 - حدثني عبدة بن عبد
الرحيم ، سمعت أبا الوزير محمد بن أعين رضي الله عنه وصي ابن المبارك قال : دخل
رجل من أصحاب عبد الكريم على ابن المبارك والدار غاصة بأصحاب الحديث ، فقال : يا
أبا عبد الرحمن مسألة كذا وكذا ، قال : فروى ابن المبارك فيه أحاديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه فقال الرجل : يا أبا عبد الرحمن قال أبو حنيفة خلاف هذا
فغضب ابن المبارك وقال : أروي لك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تأتيني برجل
كان يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال أيضاً 296 - حدثني القاسم بن محمد الخراساني
، ثنا عبدان ، عن ابن المبارك ، قال : « ما كان على ظهر الأرض مجلس أحب إلي من
مجلس سفيان الثوري كنت إذا شئت أن تراه مصليا رأيته وإذا شئت أن تراه في ذكر الله
عز وجل رأيته ، وكنت إذا شئت أن تراه في الغامض من الفقه رأيته ، وأما مجلس لا
أعلم أني شهدته صلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم قط فمجلس » ثم سكت ولم يذكر
فقال : يعني مجلس أبي حنيفة
وقال أيضاً 297 - حدثني محمد بن أبي عتاب
الأعين ، نا إبراهيم بن شماس ، قال : صحبت ابن المبارك في السفينة ، فقال : « اضربوا
على حديث أبي حنيفة قال قبل أن يموت ابن المبارك ببضعة عشر يوما »
أقول : قد نظرت في مسند ابن المبارك
والزهد له والجهاد له والبر والصلة له فلم أجد خبراً واحداً من طريق أبي حنيفة إلا
خبراً رواه الحسين المروزي في الزوائد ليس ابن المبارك
وقال أيضاً 299 - حدثني عبد الله بن أحمد
بن شبويه ، قال : سمعت عبدان ، يقول : سمعت سفيان بن عبد الملك ، يقول : سمعت عبد
الله بن المبارك ، يقول في مسألة لأبي حنيفة : « قطع الطريق أحيانا أحسن من هذا »
فهذه عشرة آثار ثابتة عن ابن المبارك في
ثلب أبي حنيفة
3_ قال المزي في تهذيب الكمال :" أَخبرنا
عَلِيُّ بْنُ القاسم الشاهد (1) بالبصرة، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ
المادرائي، قال: أَخبرنا أَحْمَدُ بْنُ زهير إجازة، قال: أَخْبَرَنِي سُلَيْمان بن
أَبي شيخ.
(ح) قال: وأخبرني أَبُو بشر (2) الوكيل،
وأَبُو الفتح الضبي، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ، قال: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْن بْن أَحْمَدَ بْن صدقة الفرائضي، وهَذَا لفظ حديثه، قال: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ أَبي خيثمة (3) ، قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمان بْن أَبي شيخ، قال: حَدَّثَنِي
حجر بن عبد الجبار، قال: قيل للقاسم بْن معن بْن عَبْد الرحمن ابن عَبد اللَّهِ
بْنِ مسعود: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال: ما جلس الناس إِلَى أحد أنفع
من مجالسة أبي حنيفة، وَقَال لَهُ القاسم: تعال معي إليه، فجاء فلما جاء إليه
لزمه، وَقَال: ما رأيت مثل هَذَا"
حجر هذا مجهول ولم يكن من أهل الرواية حتى
ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل على استيعابه لم يترجم له
وقد جلس القاسم إلى الأعمش والمسعودي
ومنصور بن المعتمر
4_ قال المزي في تهذيب الكمال :" قيل
لمالك بن أنس: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلا لو كلمك فِي هَذِهِ السارية
أن يجعلها ذهبا لقام بحجته"
وهذه الرواية حملها ابن أبي حاتم على الذم
لا المدح وقد صح عن مالك الذم الشديد لأبي حنيفة
قال عبد الله بن أحمد في السنة 241 - حدثني
منصور بن أبي مزاحم ، سمعت مالك بن أنس ، ذكر أبا حنيفة فذكره بكلام سوء وقال : « كاد
الدين ، وقال : من كاد الدين فليس من الدين »
وقال عبد الله في السنة 245 - حدثني الحسن
بن الصباح البزار ، حدثني الحنيني ، عن مالك بن أنس ، قال : « ما ولد في الإسلام
مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة » ، وكان يعيب الرأي
وقال عبد الله بن أحمد في العلل [ 1118 ] حدثني
أبي قال حدثنا عبد الله بن إدريس قال قلت لمالك بن أنس كان عندنا علقمة والأسود
فقال قد كان عندكم من قلب الأمر هكذا وقلب أبي كفه على ظهرها يعني أبا حنيفة
وهذه أخبار صحاح
5_ قال الخطيب في تاريخه حَدَّثَنِي
الصوري، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخصيب بن عبد الله الْقَاضِي بمصر، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن جابر البزاز،
قال: سمعت جعفر بن مُحَمَّد بن عيسى بن نوح، يقول: سمعت مُحَمَّد بن عيسى ابن
الطباع، يقول: سمعت روح بن عبادة، يقول: كنت عند ابن جريج سنة خمسين، وأتاه موت
أبي حنيفة فاسترجع وتوجع، وقال أي علم ذهب؟ قال: ومات فيها ابن جريج.
وهذه الرواية أوردها المزي وفيها الطرسوسي
مجهول وكذا شيخه
6_ قال المزي في تهذيب الكمال :" وبه،
قال: أَخبرنا الخلال (2) ، قال: أَخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم، قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِي بْن عَفَّان، قال: حَدَّثَنَا ضرار بن صرد، قال: سئل يزيد بن
هارون: أيما أفقه أبو حنيفة أو سفيان؟ قال: سفيان أحفظ للحديث، وأَبُو حنيفة أفقه"
ضرار بن صرد متهم بالكذب وقد روى خبراً لا
يروق لمتعصبي أبي حنيفة
قال البخاري في خلق أفعال العباد 2- وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قال : حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ الْقَارِئُ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ
لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ : أَبْلِغْ أَبَا حنيفة الْمُشْرِكَ , أَنِّي
بَرِيءٌ مِنْ دِينِهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.
وأبو نعيم هو ضرار بن صرد غير أن الأمر
عند القوم لعب إن شاءوا أخذوا وإن شاءوا تركوا
7_ قال المزي في تهذيب الكمال :" وبه،
قال: أَخبرنا الخلال (2) ، قال: أَخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم، قال: حَدَّثَنَا
عُمَر بن شهاب العبدي، قال: حَدَّثَنَا جندل بن والق، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن
بشر، قال: كنت أختلف إِلَى أبي حنيفة وإلى سفيان، فآتى أبا حنيفة فيقول لي: من أين
جئت؟ فأقول: من عند سفيان، فيقول: لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة والأسود حضرا
لاحتاجا إِلَى مثله. فأتي سفيان فيقول: من أين جئت؟ فأقول من عند أبي حنيفة فيقول:
لقد جئت من عند أفقه أهل الارض."
أقول : وهذا كذب سمج فكلام الثوري في أبي
حنيفة كثير جداً بالأسانيد الصحاح عنه ولعل الحمل على عمر بن شهاب فإنه مجهول
قال عبد الله بن أحمد في السنة 210 - حدثني
إسحاق بن منصور الكوسج ، ثنا محمد بن يوسف الفريابي ، قال : سمعت سفيان الثوري ،
يقول : قيل لسوار لو نظرت في شيء من كلام أبي حنيفة وقضاياه فقال : « كيف أقبل من
رجل لم يؤت الرفق في دينه »
وقال أيضاً 215 - حدثني أبي ، ثنا شعيب بن
حرب ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : « ما أحب أن أوافقهم على الحق » قلت لأبي
رحمه الله يعني أبا حنيفة ؟ قال : « نعم ، رجل استتيب في الإسلام مرتين » يعني أبا
حنيفة ، قلت لأبي رحمه الله : كأن أبا حنيفة المستتيب ؟ قال : « نعم » سمعت أبي
رحمه الله ، يقول : « أظن أنه استتيب في هذه الآية ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون
(1) ) قال أبو حنيفة : هذا مخلوق ، فقالوا له : هذا كفر فاستتابوه
وقال أيضاً 216 - حدثني أبي رحمه الله ،
ثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : « استتيب (1) أبو حنيفة
مرتين »
وقال أيضاً 227 - حدثني محمد بن عمرو بن
عباس الباهلي ، ثنا الأصمعي ، قال : قال سفيان الثوري « ما ولد مولود بالكوفة أو
في هذه الأمة أضر عليهم من أبي حنيفة » قال : وزعم سفيان الثوري أن أبا حنيفة
استتيب مرتين
وقال أيضاً 228 - حدثني سلمة بن شبيب ،
ثنا سلمة بن عبد الحميد الحماني ، قال : ربما رأيت سفيان الثوري مغطى الرأس يأتي
مجلس أبي حنيفة فيجلس فيه قال سلمة : فذكرت ذلك للفريابي فقال : سمعت سفيان يقول :
« ما سألت أبا حنيفة قط (1) عن شيء ولقد كان يلقاني فيسألني » قال أبو عبد الرحمن :
عبد الحميد الحماني أبو يحيى مرجئ شديد الإرجاء داع ، وكان الشيخ يذمه
وقال أيضاً 235 - حدثني حسن بن أبي الصباح
البزار ، ثنا مؤمل ، سمعت سفيان الثوري ، يقول : « كان أبو حنيفة غير ثقة ولا
مأمون استتيب مرتين »
والآثار في هذا عن الثوري كثيرة جداً بلغت
مبلغ التواتر
وقال عبد الله بن أحمد في العلل [ 2456 ] حدثني
أبي قال حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع عن بن عيينة قال قلت لسفيان الثوري لعله يحملك
على أن تفتي إنك ترى من ليس بأهل للفتوى يفتي فتفتي قال أبي يعني أبا حنيفة
وهذا إسناد صحيح
8_ قال المزي في تهذيب الكمال :" أَخبرنا
العتيقي (2) ، قال: أَخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَر بْن نَصْر بْن مُحَمَّد
الدِّمَشْقِيّ بها، قال: حَدَّثني أَبِي، قال: حَدَّثَنَا أحمد بْن علي بْن سَعِيد
الْقَاضِي، قال: سمعت يَحْيَى بن مَعِين يَقُولُ: سمعت يَحْيَى بن سَعِيد القطان
يَقُولُ: لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله. قال
يَحْيَى بن مَعِين: وكَانَ يَحْيَى بن سَعِيد يذهب فِي الفتوى إِلَى قول الكوفيين
ويختار قوله من أقوالهم ويتبع رأيه من بين أصحابه"
فقوله ( ربما ) يدل على قلة ذلك الأمر
وهذا لا يدل على تمذهب بل يدل على عكسه
قال العقيلي في الضعفاء (8/491) : حدثناه
محمد بن عيسى قال : حدثنا صالح قال : حدثنا علي بن المديني قال : سمعت يحيى بن
سعيد يقول : مر بي أبو حنيفة وأنا في سوق الكوفة ، فقال لي : تيس القياس هذا أبو
حنيفة ، فلم أسأله عن شيء ، قال يحيى : وكان جاري بالكوفة فما قربته ولا سألته عن
شيء . قيل ليحيى : كيف كان حديثه ؟ قال : لم يكن بصاحب الحديث.
وهذا إسناد صحيح كله أئمة فكيف يصح بعد
هذا الشتم والسب لأبي حنيفة أن يقال أنه حنفي !
إن هذا إلا قلة تحقيق
وبعد هذه الجولة في ترجمة أبي حنيفة في
تهذيب الكمال تبين عدة أمور
1_ أنه كان يذكر الضعيف والمنكر عن بعض
الأئمة في الثناء عليه ويترك الصحيح الثابت في ذمه
2_ لو سوغنا لأحد التمسك بما ذكره المزي
فلنسوغ لكل صاحب هوى أن يأخذ بالأخبار الضعيفة التي توافق هواه ويترك الصحيحة التي
تخالفه
3_ إذا وصفنا هذا الرجل الذي اجتمع فيه
عدة
أ_ أنه قال بخلق القرآن واختلف في توبته
ب_ أنه استتيب من الكفر مرتين
ج_ أنه متروك ومن الأئمة من يتهمه وليس له
حديث في الكتب الستة
د_ أنه صح عنه قوله إيمان إبليس وإيمان
أبكر واحد
ه_ أنه صح عنه القول بالسيف
و_ أنه صح عنه القول بالحيل
ز_ أنه صح عنه رد الأحاديث
ح_ أنه صح عنه الدعوة إلى ذلك
ط_ أنه صح عن عشرات الأئمة ثلبه بأعظم
الكلام
إذا قلنا عن هذا الرجل ( إمام فقيه ) فإننا
نتهم الذين تكلموا فيه بالظلم وهذا إسقاط لعدالتهم فإن الظلم الشديد لرجل صالح
مسقط للعدالة لذا ضعف العيني الدارقطني لتضعيفه أبا حنيفة !
ويا ليت شعري ما تأويلهم في تلك العبارات
الغليظة وهو براء مما يدعون
ثم من يثبت تلك الأخبار الساقطة في مناقبه
أنى له أن يضعف الأخبار الثابتة في ثلبه وهي أقوى أسانيد وأكثر وهذا إلزام صاعق
ولو اتبعنا هذه الطريقة ( وهي طريقة
الاقتصار على التعديل ) لوثقنا جابراً الجعفي وإبراهيم الأسلمي ومحمد الواقدي
وغيرهم من الكذابين فقد وجد من أثنى عليهم من الأئمة
وهؤلاء يزيدون على أبي حنيفة أن لهم
روايةً في بعض الكتب المشهورة
ولم أرد استقصاء ما ورد في ترجمة أبي
حنيفة عند المزي وإنما أردت ذكر نماذج يتضح بها الأمر
والعجيب أنه نقل عن بعض المحدثين _ ولا
يصح عنه _ ( لا يتكلم في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل )
فمن الحاسد أو الجاهل ؟
هل هو سفيان الثوري أم ابن عيينة أم حماد
بن سلمة أم حماد بن زيد أم أحمد ابن حنبل أم الأوزاعي أم شعبة أم إسحاق أم ابن
المبارك أم القطان أم ابن مهدي
أفلا يعقل المرء ما ينقل ؟
وقد كفر البدر العيني ابن الجارود لنقله
الخلاف في إسلام أبي حنيفة وكذا ضعف الدارقطني ! ، ومع ذلك هو ( الإمام ) و ( رحمه
الله )
أما أنه لو كان في عصرنا وكفر جهمياً أو
قبورياً لما سكتوا له خصوصاً إذا كان ميتاً !
وإن من العجب بمكان أن تصف رجلاً لم يكن يحفظ الحديث ب( الإمام في الفقه ) وهل الفقه إلا الحديث وهل يكون القياس إلا على أصل صحيح ؟
وأما الأحكام الموضحة في القرآن فعامة المنتسبين للقبلة يقرون بها ويعرفها كثير من العامة
وإن من الجهل بمكان أن يسوى بين رجل يحفظ ألف ألف حديث كأحمد ابن حنبل أو عظيم الاتباع ولا يعرف ببدعة كالإمام مالك ورجل ضعيف في الحديث متهم بالكذب رمي بغير بدعة وعامتها ثابت عليه
وإن من الجهل بمكان أن يسوى بين رجل يحفظ ألف ألف حديث كأحمد ابن حنبل أو عظيم الاتباع ولا يعرف ببدعة كالإمام مالك ورجل ضعيف في الحديث متهم بالكذب رمي بغير بدعة وعامتها ثابت عليه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم